كثيرة هي الإحداث التاريخية لدى المسلمين، التي غيبت أو أصبحت محل خلاف، حتى صار البحث فيها أو التساؤل عنها يثير حفيظة الكثيرين، لأسباب تاريخية أو لأسباب طائفية، فكان أن غيب المسلمون تاريخهم الحقيقي، وسمحوا للكذابين والوضاعين باختراع قصص وروايات ما أنزل الله بها من سلطان.
فمن تلك الأحداث التي أصبحت محل خلاف، رغم أن صورة ما جرى فيها واضحة للكثير ولا تقبل التأويل، هو ما حدث بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وتركه على فراش الموت، ليذهب القوم الى سقيفة بني ساعدة، ويعينوا الخليفة من بينهم على خلاف ما أوصى به النبي في بيعة الغدير الشهيرة، ويعلنوا العداوة مع الهاشميين وعلى رأسهم علي بن طالب وفاطمة الزهراء ( عليهم السلام ).
خلاف تطور الى معارضة سلمية من السيدة الزهراء ( عليها السلام )، تجاه تصرفات السلطة الحاكمة التي توجهت الى أذيتها، واغتصاب حقها الشرعي في بستان فدك الذي ورثته من أبيها ( صلى الله عليه وسلم )، وتوجهت الى المسجد النبوي مخاطبة الخليفة أبا بكر : (أيها المسلمون أغُلبُ على إرثي ؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا ارث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : ” وورث سليمان داود ” وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ” فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب” وقال : ” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله” وقال : ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ” ).
جوبهت هذه المعارضة السلمية بمختلف التصرفات القمعية، التي حاولت إسكات هذا الصوت الذي وقف ضد السلطة الحاكمة، وتجاهلها لوصية النبي( صلى الله عليه واله ) واغتصاب تركته، وصل الى قطع الشجرة التي كانت تجلس تحتها الزهراء ( عليها السلام )، باكية تشكو الى أبيها وهو في قبره ماذا احدث القوم بعده وتجرئهم على أهل بيته، الأمر الذي كان يؤثر في صفوف المسلمين بإظهار ظلامة الزهراء وأهل بيتها، وهو ما جعل السلطة تهاجم دار الزهراء، وتشعل النار فيها لغرض إسكاتها.
كانت نتيجة ذلك الهجوم، أن تعرضت الزهراء الى الأذى واعتدي عليها واسقط جنينها، لتعاني المرض وتتوفى بعد والدها بمدة قصيرة، كانت هي أول من التحق بالرسول ( عليه وآله أفضل الصلوات ) من بيته رغم صغر سنها، لتترك زوجها وابن عم النبي علي بن طالب، وأطفال يتامى هم الحسن والحسين وزينب ولما يصل عمرها العشرين عاما، لتوصي زوجها أن يدفنها ليلا ويخفي قبرها، معبرة عن احتجاجها ومعارضتها وغضبها على القوم، الذين ما إلتزموا بوصية رسول الله وما إحترموا ذريته بعد فاته.
قال الإمام الصادق ” عليه السلام” عن سبب تسميتها فاطمة : ( إنما الله سماها فاطمة، لأنه فطمها ومحبيها عن النار يوم القيامة )، وذلك ما قاله الخطيب البغدادي، وإبن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، ورواه الديلمي عن أبي هريرة في سنن الأقوال والأفعال، ولكن التاريخ الإسلامي حاول أن يطوي هذا الحدث الذي يروي الفاجعة، التي حلت ببنت رسول الله وذريته وأحفاده، محاولا كتمانها عن القلوب المحبة لفاطمة وأبيها وأهل بيتها، ويخفي ما حصل كإخفاء قبرها.