17 نوفمبر، 2024 7:21 م
Search
Close this search box.

هناك تدمير منظم في بغداد

هناك تدمير منظم في بغداد

كاثي برين/ موقع تروث آوت
وصلتني رسالة عبر بريدي الألكتروني في 24 حزيران، من طبيبة عراقية جوابا على رسالة مقتضبة كنت قد ارسلتها لها لتحيتها بمناسبة شهر رمضان.

وجاء في رسالة الطبيبة “شكرا جزيلا على تذكرنا.. في الحقيقة نحن على الحال نفسه إن لم نكن بحال أسوأ. لقد تحطمت قلوبنا بفعل التخريب المنظم لبلدنا. إننا مستهدفون من قبل هؤلاء المجرمين والعصابات القادمة من كل مكان، حتى تلك القادمة من الغرب الذي يشهد جميعه هذه الدراما، فإن لم يكن داعما، فإنه متلزم الصمت بشأنها. نتساءل عن الذنب الذي اقترفناه لنواجه هذا المصير الأسود الأشد قتما. في الواقع، ان ما يحدث تعجز الكلمات عن وصفه”.

لم تتخلى هذه الطبيبة الشجاعة عن وقوفها إلى جانب الأطفال المصابين بأمراض خطيرة على الرغم من هجرة الأطباء الجماعية بسبب أعمال الخطف والاغتيال وتهديد حياتهم وحياة عوائلهم. المحزن في الأمر أنها أشارت إلى طفل آخر من ابناء اشقائها مصاب بالسرطان وأنها بحاجة إلى أن تغادر طلاب كلية الطب لبضعة أيام، قائلة إن هذا يحدث للأسف “في الوقت الحرج من الامتحانات النهائية.” الطبيبة نفسها هي أحد الناجين من السرطان وان والدتها وشقيقتها مصابتان بهذا المرض، قالت إنه ليس لديهما أي خيار سوى المضي قدما في محاولتهما النجاة من المرض.

لدي صديق قديم آخر يعمل في جنوب العراق في وظيفة على وشك الانتهاء. إنه بعيد عن عائلته في بغداد، وإن وجوده في الجنوب هو أمر خطر بالنسبة له، ولكن ليس لديه أي خيار فهو يعيل زوجة وسبعة أطفال، وكانت هناك بالفعل محاولة لاغتياله في بغداد، وان منازل قريبة من داره تعرضت للقصف. هناك انفجارات ليلية إضافة إلى حالات إطلاق نار وقتل واختطاف، وإن ما يقرب من 200 شخص في عموم العراق قتلوا على مدار شهر حزيران وحده.

كنا نحاول وبشكل محموم العثور على مكان آمن لهذا الصديق ولعائلته ليهربوا إليه، فإذا كان بإمكانهم الذهاب إلى كردستان عندها سيلتحقون بصفوف الثلاثة ملايين نازح في الداخل (المهجرين داخليا) ضمن العراق. وإذا كان بإمكانهم الوصول إلى تركيا، فقد يحصلوا في نهاية المطاف على وضع اللاجئ، ولكن تكاليف المعيشة هناك كبيرة، إضافة إلى عدم معرفتهم لغة البلد، ولايسمح لهم بالعمل فيه، وإن عملية إعادة توطينهم قد تستغرق سنوات.

صديقنا ذكر عبر البريد الالكتروني أن زوجته قررت ان ترسل ولدهم الكبير الثاني البالغ من العمر 16 عام إلى منزل والدتها بسبب حالات الاختطاف، قائلاً “لقد تم اختطاف طفلين قبل يومين”. “علي، هكذا سأدعو الأبن، لديه امتحانات وان منزل جدته أقرب إلى المدرسة. عندما مكثت اسبوعين    مع هذه العائلة في العام 2013، جرى اختطاف أحد أصدقاء علي البالغ من العمر 12 سنة ولم يتم العثور عليه قط.

تقوم الجدة بأخذ حفيدها كل يوم إلى المدرسة وتجلس قريبة من الحائط وتستضل بظله حتى ينهي علي امتحانه. وقد كتب والده عن ذلك قائلا إنها إمرإة “عجوز وضعيفة”، “وبصراحة إنه من غير المعقول الاعتقاد أنها يمكنها حماية علي كونها حقا لا تستطيع حماية نفسها”، ولكنني أقدر كثيرا جهودها”. علي أخبر والده أن جدته تسبب له “الكثير من الاحراج لأنها لاتفهم قواعد الامتحانات”، فهي دائما ما تدخل إلى الصف الذي يجري فيه الامتحان لتعطي علي الماء البارد لحرارة الجو. في اليوم الأول سمح لها مدير المركز الامتحاني ان تفعل ذلك، ولكن في يوم آخر، وخلال الامتحان، حاولت الجدة مرة أخرى، وفي هذه المرة لم يسمح لها أن تعطيه الماء. لقد طبخت ديكا وأخبرت الموظفين أنه يجب ان يأكل جيدا ليبلي بلاء حسنا في الامتحان! كان علي يشعر بالغضب بعض الشيء ولكن حبه لجدته “جعله ينسى الشعور بالاحراج!” فهو “مجنون بحبه” لها كونها الوحيدة الباقية من بين أجداده.

كان علي يشكو لأبيه حرارة الجو التي لاتحتمل وانعدام وجود أنظمة التبريد، إضافة إلى البعوض الفظيع، فهو يستخدم الفانوس الذي يعمل بالنفط الأبيض لكي يدرس في الليل. لقد كان الأب يحاول أن يشجعه عبر الهاتف على التغلب على الصعاب قائلا: لا ألم، لا ربح. وأجابه علي قائلا “يا أبي، منذ ان فتحنا أعيننا في هذه الحياة، لم نعرف سوى الألم”.

في 25 من حزيران، قتل مدنيان بينما كان علي وجدته يقتربان من المدرسة، حدث هذا بالضبط أمام أعينهم. وقال والده عبر البريد الالكتروني: “لم يستطع علي ان يجيب بشكل حسن في الامتحان عندما شاهد الحادث، دعونا نصلي من أجل سلامته”.

صديقنا وزوجته قلقان بشكل مفرط على ابنهما الأكبر البالغ من العمر 18 عاما، فقد جاء أفراد في ميليشيا إلى البيوت بحثا عن الشباب لضمهم للقتال ضد تنظيم داعش، وأنهم “سوف يأخذون هؤلاء الرجال بالقوة من أجل قيام المعركة،” بالرغم من الحاجة لهذا الأبن لحراسة المنزل في الليل ومساعدة والدته، لذلك شعرت الأم أنها مجبورة على أرسال ولدها هذا أيضا بعيدا.

وختم صديقي حديثه بالقول: “كاثي، من الصعب أن أنام.. لا تقلقي، فالعائلة ماتزال بخير.”

أحدث المقالات