من أهم الأمور التي تقلقني حقيقة ,أوضاع العراق فيما بعد الإنتخابات المنتظرة ؟ وبالرغم من تفاؤلات كثير من المواطنين, بأن تغييرا ملموسا سوف يحدث ! الاّ أني على ثقة, من أن هذا التغيير سوف لن يؤثر تأثيرا واضحا على صعيد انتخاب ممثلين حقيقيين للشعب , في (برلمان) سجل لنفسه فشلا ذريعا, نتيجة لسلسلة من العوامل والظروف الموضوعية التي عكستها الفجوة الكبيرة بين الشعب و(برلمانه) ..اذ ان مجريات الإستعدادات لهذه الإنتخابات , قد رافقتها وترافقها بدايات لاتشجع على التفاؤل ! وأهمها تلك الفوضى الإدارية , التي رافقت (فرية) مستحدثة تتعلق ب(البطاقات الذكية ) ,المنفق عليها مبالغ ضخمة , ليتم تداولها في البيع والشراء !
مستبعدون من دون احكام مصدقة !
وتأتي في المراتب المهمة من الإرتكابات , تكرار اجراءات استبعاد بعض المرشحين من دون اسباب قانونية معتبرة , فهذا استبعد نتيجة تصريح تلفزيوني , وذاك استبعد لشكوى قدمت في يوم استبعاده ! وما الى ذلك من الإجراءات التي لا تتوفر لها الشرعية القانونية ,التي تفيد ان لاحكم ولاذيول تبعية , الا بقرار تصادق عليه محكمة التمييز, يتضمن الإدانة !
الرشوة والنفوذ
كما أننا ينبغي ان لا نزوغ ببصرنا ونكذب بصيرتنا, بشأن استخدام السلطة والنفوذ الرسمي, وامكانيات الدولة لتأمين الأصوات اللآزمة لرئيس الوزراء ,او بعض الوزراء او اعضاء السلطة التنفيذية واعضاء (مجلس النواب )..وكل ذلك جرى ويجري في غياب قانون للإنتخابات , ينظم لآليات الإنتخابات ,ويحدد مصادر تمويل الحملات الدعائية , ويؤكد لنا الحقيقة في كون هذا المال المصروف من مصادر شرعية ! وهي ليست من الأموال العامة او بفعل الفساد المالي والإداري , أو أنه لايأتي من دول خارجية ! والّا من اين لهؤلاء السياسيين انفاق الملايين لتغطية تكاليف الحملات الإعلامية , وهي ليست اعلامية في حقيقة الأمر, بل انها تتسم بكونها (اعلانية )!
هل تصلح الظروف الحالية ؟
وليس من الضروري اعادة القول , ان الإنتخابات العامة يجب أن تجرى في ظروف سياسية مستقرة , لاتستخدم خلالها القوة العسكرية داخل البلاد, او أن البلاد تتعرض الى أخطار ناجمة عن الإرهاب ! الاّ اذا كانت تلك الإنتخابات تجرى استثنائيا ! بهدف حل معضلة وطنية كببرة للنظام السياسي, كما حدث في فرنسا ,عندما دعي (ديغول) الى قيادة (فرنسا الحرة ),وأسس (الجمهورية الفرنسية) في أعقاب حرب أهلية شاملة دامية !
شفتك فوك شفتك حدر
ولا أظن أن احدا سوف يلومني أن صفقت يديّ أسفا , من أن كل هذه النفقات, وذلك الحراك الجماهيري الواسع, المعبر عن (طلعان الروح)! وكل تلك الإدانات الموضوعية والقانونية لمؤسسة البرلمان والسلطة التنفيذية , تؤشر أننا سوف لن نتحصل على نواب يمثلون حقيقة الشعب العراقي , قبل تمثيلهم أنفسهم ومصالحهم وضمان مستقبلهم ! وبهذا يصح المثل الريفي الدارج “شفتك فوك شفتك حدر” ! فلا فائدة ترتجى من هذه الطبقة السياسية الفاقدة لمقومات تمثيل الشعب العراقي !
واقول لكم الحق أني على خيبة واضحة من أداء وتصرفات جميع السياسيين من الأخوة في (المنطقة الغربية) ! الذين اتيحت لهم فرصة التمتع بعضوية (مجلس النواب) , كونهم كانوا عاجزين عن استيعاب ظروف مايسمى ب (العملية السياسية) , بسبب من أن دوافع الكثير منهم كانت دوافع نفعية ذاتية , لم تطال نتائجها غير شعبنا الأبي في المنطقة الغربية من العراق ! ولاأريد الدخول في تفاصيل معروفة عن ذلك الدور ! ومن المهم لهم تغيير هذه الصورة النمطية السلبية ,التي ساهمت في ظروف قاسية صعبة تعيشها كثير من مناطق (الأنبار) !
وقد ادخلت تصرفاتهم, وتصرفات رئيس الحكومة ,والتيارات المتطرفة العراق كنتيجة , في خطر داهم تمثل باستخدام السلاح , في مناطق واسعة من (الانبار) , وهذا وان تم الايقاع بعدد لايستهان به من مايسمى ب(القاعدة وداعش وتوابعهما) , الا ان هذه النتيجة ليس من شأنها تسيير امور البلاد , وتحقق الأهداف العامة وتحقيق العدالة . وقد عدنا عمليا الى الحروب , وخشيتي من استمرار هذه الحرب , كما أشرت الى ذلك في مقالة سابقة , فلا أحد سيربح من هذه الحرب , سوى أعداء العراق ! مما يجعلنا نعيش ذات الدوامة من الهدر في دماء ابناءنا واموالنا وامكانياتنا الوطنية, ل(نحافظ) على التخلف والمعاناة والعجز عن المعيشة المكتفية , وتحت ايدينا ثالث احتياطي نفطي في العالم , فيما تحتفظ هذه الأرض بثروات لاتقل عن النفط في الأهمية الإقتصادية , ك(الغاز والكبريت والفوسفات والحديد والمواد الإنشائية ) وقبل كل ذلك المياه , والطاقة البشرية العاملة !
“فوق الميول والإتجاهات” !
لاأظن أن كيانا سياسيا متحضرا قد سمح للقوات المسلحة بالتمتع بحق الإنتخاب , بسبب من كون القوات المسلحة في وضع قانوني ومرجعي لايسمح لها باختيار هذا او ذاك , باستثناء (مصر السيسي) , والعراق ,اذ يتوجب ان تبقى القوات المسلحة على الحياد ! وقد افتتح وباشر هذا المفهوم (الزعيم) عبد الكريم قاسم , بين الأعوام 1958 -1963 عندما جعل القوات المسلحة ” فوق الميول والإتجاهات” !
ماذا لو عادوا ؟
ولنا أن نسأل ..ماذا لوعاد نوري المالكي وطاقم حزب (الدعوة ) الى البرلمان وبالتالي الحكومة ؟ وهل يكفي ان نقول (ذاك الطاس وذاك الحمام) ؟ أم نعمل أمرا ما ؟ وماهو هذا الأمر؟ اذا كان (سليماني) قد رتب لمرحلة الإنتخابات ؟ وماذا نفعل أمام قناعة (الولايات المتحدة) بهذا الطاقم ؟ بموافقة ضمنية مع (ايران) التي تعتبر العراق (حديقتها الخلفية )! نتيجة لإستغلالها أرث عميق من العلاقات الإجتماعية والمذهبية , وهي في ذلك تتجاهل حقيقة ارتفاع مستوى الوعي الإجتماعي , ودور الكثير من الخيارات في تشكيل الرأي العام العراقي ! ولم تعد هناك ظروفا كظروف العراقيين الإجتماعية في عشرينيات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي, وفي ذلك حكاية تقال على سبيل الطرافة , الا أنها لاتخلو دس ! حيث تشير الى “ان مبشرا مسيحيا بعثت به كنسية انكليزية الى أهوار العراق لمباشرة التبشير , وقد نشط الرجل وكان على دماثة ولطف ,ليجمع مئات (المؤمنين) , وقد ابرق الى مرجعيته , عارضا منجزاته وطالبا زيارة وفد للإطلاع عليها ..وعند حضور الوفد جمع (المبشر) أتباعه ليلقي فيهم كلمة ..وعندما لفظ كلمة محددة باسلوب مركز ارتفعت الأصوات “اللهم صلي على محمد وآل محمد” ! هذا الزمن غير ذاك بالتأكيد , فد نمت العقول, وتنوعت وتعددت مصادر الثقافة , وتوفرت للناس قدرة التشخيص والتحليل , رغم بقاء بعض الخيوط الشّادة الى ثقافة متوارثة هنا او هناك !
وربما تشمل أسئلتنا الكثير من الجوانب الحيوية التي تنتظر المعالجة , ومنها نقض نظام (المحاصصة) في توزيع المراكز والمناصب , ومعالجة آلية اعداد وتصديق الميزانيات السنوية , وظروف العلاقات مع(الكويت), واستعادة الأموال العراقية في الخارج , بما في ذلك أموال صندوق (النفط مقابل الغذاء).. وترصين السياسة النقدية .. وترشيد اتفاقيات التعاون مع دول الجوار من حيث التوازن في ميزان التجارة ,..وارساء قضية المياه على اسس قانونية دولية , وعدم بقاءها عرضة أمزجة كل من (ايران) و(تركيا) ..وحسم كافة القضايا المعلقة بين الدولة و(اقليم كردستان) , وعدم بقاء هذه القضايا عرضة للمواقف الآنية مما يزيدها تعقيدا ..والخروج بالصناعة النفطية الى آفاق تصنيع منتجات النفط والغاز .. واقامة محطات الانتاج الكهربائي الملبية فعلا لمتطلبات الإنماء الشامل ..وتشريع القوانين الهادفة الى تنمية وتطوير معبشة المواطنين !
“جعجعة من دون طحين” !
ترى هل جاء البعض من هذه المتمنيات في برامج اي من الكتل السياسية (أزاحها الله عن العراقيين ) ؟ أننارأينا ونرى “جعجعة من غير طحين “! واذا ما أردنا حيازة النتائج المتمناة ..علينا التوجه لإنتخاب رجال ونساء ذوي فهم عميق لمهماتهم , ولم يأت أي منهم ضمن (زفة) لإحتلال..نساء ورجال تخصصيون , نبحث عنهم ب (ابرة) لفرزهم عن هذه الشلّة المجربة ..علينا ان نصدق مع ضمائرنا , ولا(نتقشمر) ببطانية أو (صوبة ) , أو بضعة آلاف من الدنانير, مصدرها نحن وليس غيرنا !
الا تثقون معي في أن الذي ذهب هدرا من وقت وامكانيات ودماء , يجبرنا على أن نكون بمستوى مسئولية الإنتخاب !
ولن يفيدنا او يشفع لنا بعد اليوم لوما, او زعيقا ,او تظاهرات , او مناشدات , أو (هوسات) ! بل أن مايفيدنا فعلا هو انتخاب الصالح الواثق المؤتمن ..والاّ سوف لن نلوم الا انفسنا !