تعد الحكومة الحالية التي يترأسها السيد ألكاظمي من أوفر الحكومات حظا من حيث اكتمال نصابها منذ أول تشكيلها وعدم وجود مناصب للوزراء تدار مناصبهم بالوكالات كما اعتدنا عليه منذ أول حكومة بعد 2003 ، ومن ( مزاياها ) أيضا إنها لم تجير بالكامل لحساب كتلة معينة سواء كانت الكتلة الأكبر او غيرها مما يتيح المجال لها بالعمل بأريحية كونها ولدت من اتفاق الكتل التي صوتت عليها بعد أن تفوقت أصواتهم على أصوات الرافضين ، ومن مزاياها أيضا إنها حكومة معروفة المعالم والأهداف باعتبارها تشكلت بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات التي سادت بعض المحافظات ، وغاياتها تتركز في تصريف الأعمال بكامل الصلاحيات والتهيئة لانتخابات ( مبكرة ) حرة ونزيهة وقيادة البلاد إلى بر الأمان وتحقيق ما تستطيع من انجازات رغم الظروف التي رافقت تشكيلها بانتشار جائحة كورونا وما يعاني منه العالم في انكماش الاقتصاد الذي يترتب عليه انخفاض إيرادات النفط وهي المصدر الأساسي لتمويل الإنفاق ، وكنا نتوقع أن تكون أول انجازات هذه الحكومة هو إعداد موازنة اتحادية من باب طمأنة الجمهور لمنهجها في التخطيط وتلافي تكرار ما حدث سنة 2014 عندما مضت من دون إصدار الموازنة الاتحادية بحجة تغير الحكومة وظروف الإرهاب ، وكان مقررا أن تقوم الحكومة بتقديم موازنة 2020 في موعد أقصاه 30 حزيران 2020 حسب قرار مجلس النواب ، إلا إن الموعد انتهى وجرى تمديده لمرات ولم تظهر بوادر لإعداد الموازنة فكل ما ظهر هي تصريحات تشير إلى وجود عجز كبير في الإيرادات بعد انخفاض أسعار النفط وموافقة العراق على اتفاق اوبك + الذي يعني ما يعنيه تخفيض الصادرات النفطية دون مراعاة لظروف العراق في تصديه للعدوان الداعشي الذي يعد عدوانا عالميا تحمل وزره العراق بدليل تشكيل تحالف دولي لإسناد العمليات العسكرية في المناطق التي يتواجد فيها ( التنظيم ) ، ومن هنا بدأت تتعالى الأصوات والتحليلات التي تفيد بعدم كفاية الإيرادات في تغطية رواتب الموظفين ، ورواتب الموظفين هي كلمة مطاطية في ظاهرها إذ يلوحون للبعض أنها تشمل موظفي وزارات التربية والصحة والتعليم وغيرها ولكن في حقيقتها هي رواتب جميع العاملين في الدولة من رئيس الجمهورية إلى الفراش .
وإذا كان الإخفاق في تقديم موازنة 2020 وابقاء البلد بدون موازنة ( رغم إنها من عناصر سيادة الدولة المهمة ) له العديد من المساوئ والأخطار ، إلا انه كشف الكثير من العورات التي نعيشها وتنمو بازدياد والتي هي نتاج الأداء السيئ للحكومات منذ تشكيل أولها بعد 2003 وحتى اليوم ، ومن ابرز تلك المثالب أن الدولة لا تملك إحصائية عن عدد الموظفين الذين يستلمون رواتب من الموازنة حسب تصريحات وزيري المالية والتخطيط ودعوة مجلس الوزراء لإجراء جرد بإعداد الموظفين ودرجاتهم ، كما تم اكتشاف إن الفساد هو أضخم وأعمق واشمل من كل الشعارات التي رفعت بخصوص معالجته في السنوات السابقة ، حيث اكتشف ( مثلا ) إن هيئة التقاعد الوطنية تدار من قبل عصابات فاسدة بزعامة رئيسها الموقوف حاليا كما اكتشف بوجود تدليس وتزييف في شركات الدفع الالكتروني كما وجد إن هناك ظاهرة منتشرة وتتعلق بتعدد رواتب الأفراد وكثرة الفضائيين وتضخم مصروفات الرئاسات وتعاظم كذبة المشاريع والمبالغة في جولات التراخيص في النفط والاتصالات رغم إن نسبة الفقر 40% في البلاد ، وتم تسليط الأضواء على القوائم الوهمية التي تقدم لمزاد العملة في البنك المركزي العراقي لإخراج ثروات العراقيين من الدولار لأشخاص وكيانات تحوم حولها شبهات الفساد ولا يزال التدقيق مستمرا لحد اليوم ، ولم يكن مستغربا أن تكون إيرادات الدولة غير النفطية لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من مجمل الإيرادات لأنها تذهب للسراق دون أن تدخل خزينة الدولة مما اضطر الحكومة للاستعانة بقوات مكافحة الإرهاب لحماية المنافذ الحدودية أملا في إعادة الأمور لشكلها الصحيح ، وهناك الكثير من الأسرار التي كشفت من قبل لجنة الفساد التي شكلتها الحكومة الحالية ربما بفضل خبرة ومعلومات رئيسها الذي كان رئيسا لجهاز المخابرات او لان الأمور باتت تطفو على السطح من شدة وحجم وكثافة الفساد وتبديد أموال الشعب المظلوم منذ عقود .
والحكومة الحالية التي حددت يوم 6 حزيران 2021 موعدا لإجراء الانتخابات المبكرة لم تجد مخرجا لما تواجهه من المشكلات فرواتب الأشهر الخمسة الماضية تم ترقيعها بقانوني الاقتراض الداخلي والخارجي ، ومسالة إعداد الموازنة تواجه العديد من الصعوبات وأبرزها عدم القدرة على الإيفاء بالمواعيد التي يحددها مجلس النواب لتقديم موازنة 2021 ، فلم تتبقى سوى أيام على نهاية العام الحالي والموازنة الاتحادية لم نفهم شيئا منها سوى إنها تترجم بعض مفردات ( الورقة البيضاء ) التي من علاماتها اعتذار رئيس الوزراء عن إيفاء الحكومة بدفع رواتب كانون الثاني القادم والدعوة لشد الأحزمة على البطون لتمكين الدولة في رفع الإيرادات لا من خلال تفعيل الناتج المحلي الإجمالي وإنما من خلال فرض وزيادة الضرائب والرسوم ورفع أجور الخدمات التي تقدمها الدولة او إلغاء بعض فقراتها ، والمبرر لهذه القرارات هو الحيلولة دون تفاقم ديون الدولة وما يترتب عنها بسبب القروض ، ولهذا فمن المتوقع أن يكون 2021 عاما أكثر صعوبة على العراقيين لان الموازنة إن قدمت في نهاية العام الحالي فإنها ستواجه ظروفا محرجة لتمريرها من قبل مجلس النواب نظرا لوجود العديد من التقاطعات في الكثير من التفاصيل ، ولا نعلم أي من الموضوعين سيمر الانتخابات بموعدها الحالي او الموازنة التي تحمل العديد من الأثقال والهموم ، وكما هي العادة في اغلب الحالات فان المتضرر الأول من التأخر والمناكفات هو المواطن البسيط الذي يبحث عن لقمة العيش التي انقطع جزءا منها في البطاقة التموينية التي عجزت الدولة عن الإيفاء بها كما عجزت عن فك شفرة نفقات الكهرباء وغيرها من المصروفات وتعاظم البطالة والفقر وغيرها والتي تحولت حلولها إلى أمنيات غير قابلة للمعالجة الجذرية في موازنة 2021 التي تخلو من الدعم و التعيينات ، لان الأصل في الحلول يعرفه الجميع من خلال تشغيل وتنشيط القطاعات الاقتصادية التي تزيد الناتج المحلي في الزراعة والصناعة والخدمات والسياحة وغيرها مع وجوب القضاء على الفساد ، وهي أمنيات ستبقى عناوين وشعارات غير قابلة للتطبيق إلا من خلال الإصلاح الشامل في كل المجالات الذي لم نشهد ملامحه بعد ، ونتمنى مخلصين أن لا تقر موازنة 2021 بالشكل الذي يجعل البعض يتمنى أن تبقى البلاد من غير موازنة عندما يكون محتواها مواد ونصوص تضعف القدرات المعيشية للسكان .