12 أبريل، 2024 2:07 م
Search
Close this search box.

همسات شوق وحنين بثقل الجبال، تتراقص رثاءاً لك يا قرة عيني

Facebook
Twitter
LinkedIn

مهلاً أيَها القارىء لهذِه السِطُور الشَجيَة، أُناشِدُكَ من قَلب شالَ بهِ الدَهرِ ونفذَ منُه النبضَ سُدَى.. أُناشدُكَ أَن تساعدَني في البَحث عن قلمي المفقود في تلك الزاوية المكسية بذاك الثوب القاتم الفضفاض في أرجاء مملكتي الحزينة، نعم سقط من يدي رفيق الكلمات في ذلك الفجر الصاخب بالهلوسة وهذًيان الأْيقِاع، من فجر تلك الجمعة الحزينة المتراقصة تحت نَيرِ آهات الأَنينِ و وابلِ من صيحات الصراخ المستنجد الغارق تحت دوي أصطفاق أمواج البحر الهائجة في بحر الظلمات، ملتهمة النيران تجاويف صدري التواق لنجاة شبلي البِكرَ الراقد في أحضاني، أُصارِعُ حينها بيدي المُتَخَبِطتَين أَمواج الأَمل والزِبدَة تُهَمهِمُ حول شِفَتاي كالغريق الباحث عن قِشَة ولو كانت صغيرة كي ألقي عليها فِلِذَ كَبدي الغارق في تلك الدوامة السوداء.
مازالت مشاهد ذلك التلاحِمُ الضَبابي الصاخِب أمامَ ناظِري، يرصُد تلك اللحظات الشَجِية المتلاحمة مع ملك الموت في سبيل ديمومة إِيقاع أنشودة البقاء، تارة أقف أمامه صلد الجبين حاضناً أِبني البكر وبقوة بين أحضاني، أشهق الريح بقوة الى تجاويف صًدرُه الحًنونً و أنشد له أناشيد الأمل والحياة، ثم أنتفض وهلة واقفاً ينفذُ مني ذلك الزئير الدامي، لعله أي ملك الموت يهابني وربما حينها يتراجع عن هدفه المنشود في سلب ماهو الأعز في حياتي.
أخيراً سَما القَدرغَدَّاراً، عندما نجح ملاك الموت في سرقة مجمل ميراثي، قاطفاً بدوره أجمل الأزهار من بستان حياتي، حينها تلاطم مركب حياتي بتلك الأمواج العاصفة حاملة معها شِبلي البكرعالياً الى الشواطي المجهولة، وهو يستنجدني مناشداً لي في اللحاق بركبه، وأنا بدوري أمسيت ذلك الربان الأعمى يَقتاد زَورَقُه بدون هدف مصارعاً سلطان البحر الماكِر. كان الصِراعَ متفاقماً في ما بيننا الى أن أنهارت قواي وركعت وقتها مستنجداً و متوسلاً بشفاعة الى شبح الموتَ بالتغاضي عن مهمته هذه ولو لفترة وجيزة، أستطيع من خلالها أن أعانق أثير الحبيب الغالي، مردداً تلك العبارات الجياشة الى الحبيب الغالي وقرة عيني أِبني البكر، راجياً منه بأن لايرحل عني اليوم، مناشداً أياه بأِنً قلبي لايتحمل فراقه أبداً.
كم تمنيت لو كنت جارفاً في أحد احلامي، ولا أرى نفسي منهار القوى مكتوف اليدين أسير الظلمات، راكعاً و نغمات الأنين والآهات تفوح من فمي وعيناي تنشد أنشودة المطر .. مطر .. مطر… جلست وقتها على الجرف حزيناً و أنا أسمع إِبني يلفظ أنفاسه الأخيرة ويردد لي:
( وداعاً يا أبتاه، أستمحيك عذراً بأن لا تهاب رحيل جسدي عنكم و سوف أستودعه بين يديك، بينما شهوة روحي سوف تَتَحَررُ بدورِها من قيود جسدي، منطلقة في رحاب الوجود السامي متتلألِأة كالنجوم الساطعة في قبب السماء وتحت ظلال أشجار سِدَر المنتهى في جنات الخلود).
أتسائل من قرة عيني رامسين بعد أن تَلَظَت النار صدري، وأمَسى بصري مأوى لتلك الدموع الغادقة تتلاطم مع مَدامِع الأحداق الى جسدك الزكي الهامد، أتسائل أبتي !! كيف لي أن لا أهاب رحيلكم عني يا أَملَ حياتي، وانت كنت لنا ذلك المربي الفاضل الناشِدِ دوماً فنون الأَشتياق وخواطر التأَمُل ، كيف لي أن أعيش بدونك وأنت كنت لنا أنشودة المستقبل، أتسائل كيف نبدأ يومنا بدون أبتسامتك و همساتك العذبة.
نعم يا رفيق العمر، لقد ودعت جسدك الطاهرعند ذلك المرقد الواقع الى جنب القديس بوتفيد، ذلك المضجع الذي يعج ربوعه بالهدوء الدامي وجمال الطبيعة المزينة بأجمل الأشجار والورود المنسدلة سجوداً حينما توارى ثراك التراب. هناك خاطبت متسائلاً الأرض التي أرتوت من عِطرَ جسدك الزكي… لماذا أخذت مني ثراء الحبيب ؟ فاجابت لي وبغرور بأن إبنك كان يعشق طبيعتي الخلابة و كثير السير والتنزه في غاباتي، حينها قلت لها أَلا يكفيك ألحان همسات قدميه الجافية عليك؟ فأجابت ! ! بالطبع لاتكفيني طبطبات قدميه فوقي، وأِنما أشغف حباً له بأن أضمه بين جناحي و أطير به الى أعماقي الأزلية، نسير معاً في رحلة البحث عن خلود الحياة، ونغوص معاً في خبايا سطور ملحمة كلكامش الجليلة.
نعم يا رفيق درب الثمانية وعشرين ربيعاً، لايمكنني بتاتاً بأن أردد حول مسامعك كلمة الوداع، هل تناسيت العَهدُ الذي بيننا كي نحيا معاً، لا تخون عهدك وتتركني وحيداً أتأَلَم، لأِن عشقي لك أزلي ومستوطن في عروق قلبي المؤمن بحيوية روحك وشمائلك العذبة، تلك الشمائل الأزلية الجائثة على مسرح حياتي، منها أتحسس أنغام أثيرك المُتَوقد بتلك البَسمات الثَرية بالحبِ والمودةِ، و ثغورك الهلابة العامرة في فؤادي المولع بك يا صغيري، سوف تبقى روحي أسيرة أثيرَك الكائِن في وِجداني و قلبي ومنها سوف أكون أِحدَ الحُجاجِ الدائمين لمرتعك الطاهر، حاملاً معي رمز البعث والتجلي من خلال زهرتي المفضلة اللوتس لتساعدني في أستنشاق الرحيق الآزلي والمنبعث من ينبوع روحك الزكية.
هاهو قلمي يرتوي حبراً من دموع عيني، يخطط أحزان وهموم فؤادي، متراقصاً بلهف على انغام تلك السمفونية الشجية والممزوجة بذلك الهلع المعانق لتلك سطور النثر الحزينة على فقدان ميراثي. أتسائل حينها ، كيف لي أن أُسطِرُ كلمات الرثاء على رحيل أِبني؟ ولم يكن في خاطري يوماً أن أرثيه والقدر يختار أن يصب في صدري بواتق أنين الحنين و الآلم. انا كنت من يُعَلِمُ الرَثاء الى رِفاق الدَرب والمسيرة ومنهم أنت يا رفيق الروح و فلذ كَبدي. كم هي قاسية تلك اللحظات التي فارقتنا جسداً، حيث لاتكتفي الدموع والكلمات بالتعبيرعن ماهو مُصابُنا، لكن لاتنسى بأن ذكرياتك لايمكن أن ترحل مع جسدك الفاني أِنما هي أزلية الدوام في قلوبنا، لايمكن لصقيع الشتاء أن يسدل عنا أحاسيسك وهمساتك الجميلة، لأن ربيع روحك تتجدد مع ذكرياتك الصاخبة بالحب والحنان، تلقي من خلالها تلك الخيوط الذهبية في تجاويف قلوبنا التواقة لك دوماً، لذلك لايمكن لموت جسدك أن يغير شئ منا لأن الحب والذكريات التي بيننا، سوف ترتقي سامية للعلا في مسيرة حياتك الجديدة.

توضيح: اود البيان بأن المقالة أعلاه تتعمق في وصف التراجيديا التي عشتها انا وعقيلتي حين ودعنا جسد أبني البكر رامسين ذو الثمانية عشرين ربيعاً، نعيش اللحظات الأخيرة من أنفصال روحه الزكية عن جسده في فجر الجمعة الحزينة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب