23 ديسمبر، 2024 8:36 ص

همسات تعانق العتمة قراءة في ديوان “عندما تتعرى الألهة

همسات تعانق العتمة قراءة في ديوان “عندما تتعرى الألهة

للشاعر حسن أبو دية
ذئب ٌيمضغ عتم الليل
يتدثرّ صقيعا ً.
يتوهج جمر الحلم بأنفاسه
لا توقف عواءك المبحوح أيها الطريد في المنافي .
لا تصمت
كن يحيى
وكل الأنبياء

جمرة ٌتتوهج بين الكلمات , وتطرد عتمة الجوف المبعثرة فوق أرصفة المنافي , تتلعثم خطواته وينتظر شراع النبض في غربته , حيث تتلاشى أفاق الروح ويغدو القلب أرجوحة على أجفان الليل , مع همسات تقتل الشمس حين تغفو على صدر الفجر, لموج ٍ ممتد عبر آفاق الروح يتوق لأرض تحتويه , يسكن الوطن فيه عبر غربة أمتدت بين شرايين الروح .
( التوقيعة – الومضة الشعرية ) لحظة أو مشهد أو موقف أو أحساس شعري خاطف يمر في المخيلة أو الذهن يصوغه الشاعر بالفاظ قليلة وهي وسيلة من وسائل التجديد الشعري أو شكل من أشكال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث , معبرة عن هموم الشاعر وآلامه .
يقول الدكتور حسين كياني :
” عرّف الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة / 1964 ” التوقيعة ” والتي أعتبرها ” ومضة ” هي قصيدة قصيرة جدا ّ من نوع ” جنس الحافة ” تتناسب مع الأقتصاد والسرعة , وتتميز بإلايجاز والتركيز وكثافة التوتر , عصبها المفارقة الساخرة والإيحاء والإنزياح والترميز ولها ختام مفتوح قاطع أو حاسم أي أن لها
” قفلة ” تشبه ” النقفة ” المتقنة , تحكمها الوحدة العضوية المتمركزة حول ذاتها ”
الكتابة لدى الشاعر ” حسن أبو دية ” هي ممارسة حياة , تعلم العطاء بلا حدود للوطن وبقلمه يحاول تلمس روحه المتمردة التي لن تعرف السكينة طالما هي في الغربات والمنافي .
عندما تتعرى الألهة يوقد ما أغتالته الأيام ويعري نسمة الخصام ويمنح للبحر ما تبقى من دمه .
ومضة :
عندما تتعرى الآلهة
سنبحث عن فلك ندور فيه
ونعاود نصب المقصلة
X x x
ومضة :
عندما تتعرى الآلهة
ينبثق فجر الشعراء
وتتمرد القصيدة
X x x
في سفر الزلزلة يزهر الموج على شرفات التائبين عبر ظل يوقد شعلة الألهام في الروح ويفرش فضاءات التيه بالضياء .
ومضة :
في سفر الزلزلة
لا ظل يؤوي
الا ظلال الجموع المتعبة
X x x
ومضة :
في سفر الزلزلة
تتوهج الطرقات
ويسمو الشهداء قوافل
X x x
في سفر القيامة يبقى القلب مثخنا ً بجراح المنافي عبر حناجر الفقراء التي تزهق ذكراه بعد صرخة ٍ عارية .
ومضة :
في سفر القيامة
حتى الجحور تلفظ فئرانها
وتغدو ظلا لنا جنانا ً
X x x
ومضة :
في سفر القيامة
وحدهم الفقراء
يرقصون نزفا ً على الصراط
X x x
ظهرت قصيدة النثر في ذروة الجدال بين المهتمين حول قصيدة التفعيلة وتصنيفها ودلالاتها , فبدأ الأمر كأن قصيدة النثر تعرب عن ذاتها على إنها الشكل والبديل للقصيدة , فتسببت في إحداث جدال وعراك ثقافي لم ينته حتى الساعة .
” قصيدة النثر ليست نبتا ً من كوكب آخر , ولا هي دخيلا ً غير مألوف في الشعر العربي , بل هي نتاج تطور طبيعي لمكونات الثقافة وبنيتها وهويتها وأدواتها وآلياتها , تطور أختراق جدار الجمود والسكينة في الشعر العربي , وأحدث أهتزاز في ركود القصيدة الموروثة .. ( حسن العاصي ) ” .

من هنا دخل الشاعر ” حسن أبو دية ” في كتابة قصيدة الومضة ” التوقيعة ” وقصيدة النثر التي تحتل مساحة من تجربته الشعرية عبر ديوانه الشعري
” عندما تتعرى الآلهة ” / 2019 الصادرة من مكتبة كل شيء – حيفا وتشمل
” سفرالتعري – سفر الزلزلة – سفر القيامة – سفر النبؤات والوصايا ” نبؤات , وصايا , ترنيم ” .
بصمت يمسح عن وجه الشمس براعم ضوء تدق في جدران العتمة , يرسم في كل فجر وطن يضم ظله في صدره وفاء ً لأصابع الزيتون التي تطرز بالدم قصيدة يجمع فيها ما تناثر من نزيف الذكريات التي تمنح للبحر ما تبقى من دمه , يطرزّ بالدم على جسد العتمة مواويل وأشتياق , تستوقفه رياح الجراح والغيمة الحُبلى بوجع المنافي .

لِمَ الحزن
ووطن يضفر جرحه لك قصائد حب
ويدثرك بها في ليالي الحنين ؟
هناك
أصابع الزيتون تعد الأماسي الحزينة
وترسم كل فجر بسمة للصغار
تضم ظلها لصدرها كلما مر ّ الغريب

يترك ظله ويسير في دروب الذكريات يفتش عن مدينته الممتدة عبر آفاق الروح , يتأمل المسافات في سكون وقلق , وحده يقتفي مدارات الرؤيا عبر بوصلة القلب الممزق , على قارعة الموج الممتد لكل المرافىء , أرهقته السنين كجمرة ٍمتوقدة في قلبه النابض ويعيش الحياة كغريب انطفأت بداخله .

هناك على الجدار تركت ظلي
وسرت في الدروب
اتأبط الأفق المنسي
ويمامة تعلم ّ سماء القصيدة لغة المجاز
أحلق في مدينة تتقن فن ّ الفوضى
وتنقش على ساعدي سر الغروب

صوت يعلو في العتمة يبحث بين الكلمات المبعثرة عن مدينة تتقن الحزن التي تجوب الأمكنة عبر تراتيل متخمة بالصمت , يقرأ الحكايات الطويلة عند جفون الرحيل , لأوجاع ٍ تمر بدربه كالخنجر عندما تذوب قدماه في صقيع الأرصفة , يوقد جمرا ً على الجسد المثخن بجراح المنافي فوق كثبان أمل لا يخفيه المطر .
غرباء
ننتظر ما غفلت عنه الريح
وتسرب ما بين أصابعها ليداعب شراع النبض الراقص في وجه
الشمس الآفلة
هنا تتلعثم خطواتنا تحت إيقاع الغياب
فنرقص رقصة الطير الأخيرة
ونمنح البحر ما تبقى من دمنا

عقية تلك الدروب بين سماوات يخنقها الضباب , تحط ّ الرحال بإرض ٍ تزهر براعم ضوء في وجه الريح والرمل الذي يعانق كبد السماء , يرسم بدمه ظلالا ً يروي به ظمأ الروح المعطر ببخور سنابل تزرع الأحلام وردا ً لتمسح عن وجه الشمس غبار السنين , بعد تنهيدة رفرفت في الذهن كأصوات تغرس جذور الوجع في التراب .
لا شفه للقمر المهاجر
ليطبع قبلة على النافذة المشرّعة للريح
ظل روح في إطار
والحكاية إنسان
وشباك
تصطادها العاصفة
هذا جسدي .. ومطر الحنين
تشيب فيه اللحظة الحالمة
ويغدو ظلا ً على زجاج النافذة
يجمع ما تناثر من الذكريات المتساقطة على حمائم الرحيل , ويبحث عن مأوى بين خطوط الحقيقة الراحلة عبر بوابات المنافي , ويحفر أخدودا ً لسنوات العمر الممتلئة بإحاسيس عبق طيف ٍ يعانقه في وجه الشمس الآفلة , لوطن يضفر جرحه كقصيدة ترسم فجرا ً على جسد العتمة عبر سراج ٍ يجوب أزقة المدن التي تطوّق عنق السماء .