ألذي ينظر إلى إلى فترة الأربعة عشر سنة الماضية قد يستطيع أن يذكر القليل من الإنجازات ولكنه يستطيع أن يعدد العشرات من الإخفاقات في إدارة البلد وحكم الدولة العراقية بعد عام ٢٠٠٣، الإخفاقات تقريباً في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة، من إنتشار الفساد على مستوى لم يسبق له مثيل في كل تأريخ العراق على كافة المستويات ولجميع القطاعات، إلى تراجع الخدمات من كهرباء وماء، وتراجع القطاعات الإقتصادية المهمة كالقطاع الزراعي والقطاع الصناعي، فضلاً عن تدهور القطاع الصحي والقطاع الدراسي والقطاع السكني مع توفر موازنة إنفجارية كان يمكن لها أن تحقق تطوراً لم يسبق له مثيل في هذه القطاعات الحيوية، إلى ألإخفاقات الأمنية غير المسبوقة في تأريخ العراق المعاصر من تفجيرات يومية، وقتل وإغتيالات وأختطافات بالجملة، إلى دخول داعش وإحتلاله لثلث مساحة العراق عام ٢٠١٤، إلى إزدياد نسبة الفقر وإنتشار البطالة، إلى تعميق الطائفية بشكل لم نشهد له مثيل في تأريخ العراق القديم والحديث كألقتل على الهوية وجرائم الحويجة وسبايكر وغيرها، وسبي النساء وذبح الأطفال وتهديم البيوت وألإستيلاء على البيوت والأراضي بغير حق، ولو أردنا الدخول بالتفاصيل لأمكن تأليف كتاب كامل بهذه الإخفاقات .
ولكن مع كل هذه الإخفاقات نجد إنجازين كبيرين قد تم تحقيقها خلال هذه الفترة، ألإنجاز ألأول هو بناء المؤسسات ألأمنية من جيش وشرطة وقوات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والحشد العشائري وغيرها بحيث تحققت إنتصارات كبيرة ضد داعش خلال فترة ألأشهر السابقة وبأمل القضاء المبرم على داعش بمشيئة الله خلال الأسابيع القادمة، ومما لا يمكن إخفاؤه هو تحقق هذه الإنتصارات الكبرى خلال فترة حكم الدكتور حيدر العبادي قبال إخفاق سلفه السيد المالكي في فترة إحتلال الموصل وألأنبار وصلاح الدين ومجزرة سبايكر وما تبعها.
الإنجاز الثاني المهم والذي يمكن التعويل عليه هو زيادة الوعي الجماهيري، هذا الوعي الذي جعل نفس الشعب الذي كان يقتل على الهوية وبالذات عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ أن يخرج نفس الأشخاص في تظاهرات مشتركة؛ السني والشيعي بل حتى الكردي يداً بيد رفضاً للفساد ومقارعةً للمفسدين.
إن الديمقراطية أمر مستحدث في العراق، لقد إنتخب ألكثير من أبناء الشعب في جميع الإنتخابات الماضية من منطلق عرقي وطائفي، فأنتخب الشيعي شيعياً والسني سنياً والكردي كردياً، للأسف لم يتحرى الكثير من أبناء الشعب الإنسان المخلص والكفوء والنزيه، لقد إنتخب من يمثله من عرقه وطائفته للدفاع عنه، وأستغل السياسيون هذه الأنفاس الشعبية البريئة، ولعبوا على الأوتار الطائفية فصدقهم الناس، وأستغلوا رواسب النظام المقبور فتم الإيحاء أو بألأحرى التصريح في العلن أن أتباع النظام السابق يريدون أن يرجعوا لحكم البلد ويرسلوكم إلى المقابر الجماعية، لعل هناك بعض البسطاء الذين إنطلت عليهم مثل هذه الحيل، إن فكر البعث قد أندثر ولا يمكن أن تقوم له أي قائمة بل تم إجثاثه حتى من قبل صدام حين أحال الحزب والحزبيين إلى أداة لخدمته وخدمة عائلته والمقربين منه، وكلما مر الوقت زاد الشعب وعياً وقل عدد المصدقين بهذه الأكاذيب، بل نكتشف أن الواقع هو نقيض هذه التصاريح، فالخطر في العراق والمنطقة بل في العالم هو هذا الفكر التكفيري الإرهابي للقاعدة وداعش، فسياسات الحكام خلال السنين الماضية هي التي مهدت الطريق لتفشي فكر داعش مرة أخرى، بل حتى بعض البعثيين السابقين المعادين للنظام الجديد إضطروا أن يتخلوا عن أفكارهم البعثية العلمانية وأضطروا أن يتبنوا ألأفكار الإسلامية المنحرفة للقاعدة وداعش ليقينهم أن تلك الأفكار البعثية من المستحيل أن تخرج مرة أخرى من قمامة التأريخ. بل نقولها وللأسف الشديد، ان الحكام الطائفيين لم يفسحوا لداعش بإحتلال ثلث مساحة العراق بسبب سياساتهم الطائفية فحسب، بل فتحو الباب على مصراعيه وبتعمد للقاعدة وداعش بهروب ما يقارب الألفي شخص من سجون أبو غريب وغيرها من السجون، ثم المشاركة بإعتصامات الأنبار، وتحولت إعتصامات الأنبار إلى أعتصامات طائفية من الطراز ألأول بقيادة القاعدة وداعش، فألويل لكل سني في الأنبار من المعترضين على الأداء الحكومي في ذلك الوقت ومن المشاركين في الأعتصامات أن يمنعوا القاعدة أو يقفوا بوجههم أو يمنعوهم من قيادة هذه الإعتصامات، فما أسهل أن تتم تصفيته على يد القاعدة كما تم تصفية المئات من عشائر البونمر هم وعوائلهم وأطفالهم والكثير من أهل السنة بسبب تصديهم لهذه التنظيمات الإرهابية.
لقد تحقق الهدف الأكبر للحكام من الشيعة الطائفيين، فها هي إعتصامات الأنبار قد غدت إعتصامات طائفية، وهذا هو الوقت المناسب لإشعالها حرباً طائفية، فليُقتل ألمعتصمون السلميون الأبرياء من أهالي الحويجة، ولِتُسحب القيادات العسكرية من الموصل ويُترك الجيش من دون قيادة ميدانية. لقد كان من المستحيل لبضعة مئات من داعش مواجهة أكثر من ستين ألف مقاتل من الجيش العراقي وقوات الشرطة العراقية المتواجدة في الموصل في ذلك الوقت لولا وجود مؤامرة من الداخل عليه، فالفرق الأساسي بين القوات النظامية وغير النظامية، أن القوات غير النظامية يمكنها التحرك بكل سهولة كمجاميع قتالية صغيرة من دون أوامر وتوجيهات ميدانية، أما القوات النظامية فلا يمكنها التحرك من دون صدور أوامر لها من جهات عسكرية عليا للمواجهة والقتال ضمن خطة أوسع وإستراتيجية متكاملة.
إن من أكثر ألأشخاص وعياً للمخططات التي كانت تحاك في تلك الفترة لإشعالها حرباً طائفية من أجل مصالح إنتخابية ضيقة هو آية الله السيد السيستاني أعزه الله حين أبلغ ممثلي الحكومة في ذلك الوقت وهما الدكتور حسين الشهرستاني والشيخ عبد الحليم الزهيري قبل مجزرة الحويجة ببضعة أسابيع أن لا يكون الجيش والشرطة الإتحادية بمواجهة الإعتصامات السلمية، ولكن تتولى الشرطة المحلية الحفاظ على الأمن لهذه الإعتصامات، للأسف ضربت توصيات السيد السيستاني عرض الحائط، وأستخدم الجيش والقوات الخاصة في قتل ما يقارب السبعين معتصماً سلمياً في الحويجة وجرح ما يقارب الثلاثمئة معتصم سلمي من بينهم الكثير من الأطفال.
هذه الظروف التي مرت بنا وإن كانت تبعاتها على أرض الواقع تبعات مأساوية، ولكن سيكون دورها مهماً في زيادة الوعي وإنتخاب الأفضل وألأصلح من الكفوئين والمخلصين لبلدهم والنزيهين، فبلدنا يزخر بألكثير من هذه النماذج والشخصيات المتميزة، نعم لقد شاب الإنتخابات السابقة درجة عالية من التزوير بسبب مفوضية الإنتخابات السيئة الصيت ووسائل فاسدة في شراء الأصوات بتوزيع الاراضي والتعيينات وتوزيع أموال الدولة لأغراض إنتخابية، ولكن هناك آمال كبيرة إن تغيرت المفوضية نحو الأصلح، سواء لإنتخابات عام ٢٠١٨ أو ٢٠٢٢ فضلاً عن زيادة الوعي الشعبي حيث يمكن أن يشهد هذا الوعي طفرات نوعية بين إنتخابات وأخرى، وأن ينعكس أثره بشكل كبير على الفئة الحاكمة وبألتالي على وضع البلد ومستقبله، وإني مطمئن إن العراق سيزدهر بجهود ووعي أبنائه الطيبين، وسنشهد نحن أو أبناؤنا أياماً يعمها الخير والتقدم والإزدهار والرخاء …….. وليس ذلك على الله ببعيد.