23 ديسمبر، 2024 3:39 م

هل يمکن تحجيم التطرف الديني؟

هل يمکن تحجيم التطرف الديني؟

لسنا نميل الى القول بأن التطرف الديني شأن مختص بفترة زمنية محددة وانما هو کالارهاب لاوطن ولازمان معين له، لکن من الواضح جدا أن هناك فترات و مراحل زمنية محددة تتوفر الظروف و الاجواء و المناخ المناسب لبعث هذا الغول و المسخ الکريه المعادي للدين نفسه و للقيم الانسانية جمعاء.

البحث في قضية التطرف الديني و إنبعاثه بشکل مستطير خلال العقدين الاخيرين للألفية المنصرمة و تطوره السرطاني الى ماهو عليه الان، يؤکد بأنه قد إقترن بحدثين مهمين وقعا في عام 1979، حيث کانا وراء ظهوره و صيرورته کظاهرة وهما:

1ـ الثورة الايرانية التي سيطر على مقاليدها و زمام أمورها رجال الدين في نهاية المطاف و صارت مرکزا و أساسا لما يسمى”الصحوة الاسلامية”، حيث بدأ تصدير و نشر الفکر الديني المتطرف من قبل مراکز و مؤسسات تم إعدادها خصيصا من أجل ذلك.

2ـ الاحتلال السوفياتي لأفغانستان و الذي دفع بالامريکيين لإستغلال الشعور الديني لمواجهة السوفيات من أجل مصالحهم.

ولئن کان العامل الثاني مختصا بإنتشار التطرف الديني وفق المذهب السني، غير ان العامل الاول، کان المحفز الاهم خلف إنتشار التطرف الديني بجانبيه الشيعي و السني على حد سواء، فقد کان النظام الديني الحاکم في إيران بمثابة الحاضن لمختلف التيارات المتطرفة و خصوصا الشيعية منها و کذلك داعما لها مثلما کان له يد في إنشاء تيارات و احزاب دينية متطرف ذات إتجاه سني و عمل على دعمها و إسنادها بمختلف الطرق.

تطورات الاوضاع و الاحداث، و ظهور مستجدات جديدة على سوح الاحداث، دفع بالنظام الديني في طهران الى الترکيز على نشر التطرف الديني و إستخدامه کرأس حربة ضد خصومه ليس في المنطقة فقط وانما على مستوى العالم أيضا، ومثلما برز التطرف الديني السني بعد ظهور و بروز منظمة القاعدة، فإن التطرف الديني الشيعي برز أيضا بعد ظهور و بروز حزب الله اللبناني والذي أراد و يريد النظام في إيران إستخدامه کأول خط مواجهة له مع أعدائه و خصومه، کما أراد جعله أيضا قبل ذلك حصان طروادة ضد لبنان و الدول العربية و الاسلامية، کما أن النظام أنشأ أيضا المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق و کذلك فيلق بدر أثناء فترة الحرب العراقية ـ الايرانية و اللذين صارا الان في العراق کقوتين سياسيتين بارزتين، ناهيك عن أنه کان أيضا وراء تشکيل الحرکة الاسلامية في کردستان العراق و التي کانت تابعة له بکل وضوح و ساهمت في نشر التطرف الديني وحتى جعلت من مناطق أماکن نفوذ ليس لها وانما للنظام الايراني نفسه.

التطرف الديني الذي صار ظاهرة مخيفة يهدد السلام و الامن و الاستقرار في المنطقة بصورة خاصة، تبدو المعارضة الايرانية المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الايرانية حاملة لواء الدعوة لمکافحة التطرف الديني بإعتبار ان النظام الايراني هو الذي يقوم بتصديره و نشره من أجل أهداف و غايات معينة، وخلال شهري حزيران و تموز من هذا العام عقد المجلس الوطني للمقاومة الايرانية إجتماعين دوليين کبيرين، الاول کان التجمع السنوي للمقاومة الايرانية في باريس في 26 حزيران والذي حضرته وفود من 69 دولة بالاضافة الى أکثر من 100 ألف من الجالية الايرانية المقيمين في خارج إيران، فيما کان التجمع الثاني هو ذلك المساء الرمضاني الذي أقيم في 27 تموز و حضرته وفود من 31 دولة، وخلال التجمعين تم الترکيز على ظاهرة التطرف الديني والارهاب الذي يمثل النظام الايراني مرکزه و حاضنه، وقد شددت الوفود العربية المشارکة على دور النظام الايراني في نشر ظاهرة التطرف الديني و الاحتراب و المواجهة الطائفية و إعتبرته مسؤولا عن ما يحدث في سوريا و العراق بشکل خاص.

النظام الديني الايراني الذي صار واضحا انه قد نجح في التأثير بعامل التطرف الديني على الاوضاع في سوريا و العراق و لبنان و اليمن و البحرين و دول أخرى، يبدو أنه قد صارت الدول و الشعوب العربية منتبهة تماما لما يقوم به هذا النظام و لذلك فإن الحضور العربي المکثف في إجتماعات المقاومة الايرانية رسالة خاصة جدا للنظام الايراني، ويمکن إعتبارها أيضا خطوة أولى بإتجاه العمل الى تحجيم التطرف الديني و الحد من دوره.

*[email protected]