19 ديسمبر، 2024 4:10 ص

هل يمكن وضعنا في القفص الزجاجي من جديد

هل يمكن وضعنا في القفص الزجاجي من جديد

عندما قرر صدام حسين اجتياح الكويت لا شك انه انتحرسياسيا وكتب نهايته بنفسه، وكذلك انهى آخر ورقة كان يتبجح بها قادة البعث وهياكذوبة القومية والوحدة، وفي الحقيقة ليس في جعبتهم سوى الغدر والخيانة والانقلابعلى الحلفاء.
بهذا التصرف قام صدام دون ان يشعر بتحويل عقيدة الانقلابالبعثية من تكتيك سياسي داخلي يضمن الاحتفاظ بالسلطة، إلى منهج للسياسة الخارجية،تسبب في كشف العورات السياسية لنظام سلطوي قمعي مستبد، في زمن استسلمت الدنيالافكار جديدة مع بروز البروستويكا والغلاسنوست من الشرق، ورياح العولمة العاتية التيأنهت الحرب الباردة، واقتلعت جدار برلين التاريخي وهي بمثابة الانتصار الثانيلليبرالية الغربية بعد انزال نورماندي وسقوط الرايخ الثالث الذي كان ثمنه ازهاقارواح 61 مليون انسان .
بعد انهيار حلف وارشو توقع ريتشاد نيكسون الرئيسالامريكي الاسبق ان بلاده حققت (نصر بلا حرب)، لكن الجمهوري جورج بوش الذي كانيدير البلاد يومها ارداها حرب تحمل دلالات رمزية ويتحقق من خلالها نصر  نتائجه السياسية تفوق تكاليفه التقليدية، فكانتالفرصة ان قام صدام باجتياح الكويت، وكان لبوش ماراد من نصر كبير بثمن قليل، فكانت(عاصفة الصحراء) التي لم تكلف العالم الغربي شيء يذكر.
 وسط ذلك كله كانالشعب العراقي الخارج من حرب الثماني سنوات محملا بالجراح والم الحرب مازال يخضعلحكم حزب لا يفهم من السياسة الا الوصول الى السلطة، ولا يفهم من الحكم الا عبادة الأشخاص،وصناعة الرموز الوهمية، ورئيس يستمد قوته وتأثيره الخارجي من قبضته على صولجانالحكم حتى وان كان مضرجا بدماء العراقيين.
 وبالمقابل فأنصدام حسين لم يتضرر من الحرب مع ايران بقدر تضرر الشعب العراقي،  بل كان المستفيد الاكبر، فقبل 2 آب 1990م كانيحظى بمقبولية خارجية لا تتناسب مع حجم جرائمه   والكمالهائل من عمليات القتل التي مارسها نظامه.
 والسبب انه تصدرلكبح جماح (الثورة الايرانية) ومنع وقوع ارتدادات ثورية تعم دول المنطقة، ناهيك عندعم بلدان الخليج التي حاولت انتهاز الفرصة التاريخية حيث وجد الجميع مصلحتهم فيسياسة (الاحتواء المزدوج) لايران والعراق، (فربما تموت الافاعي بسموم العقارب)،على حد وصف الملك السعودي خالد بن عبد العزيز.
وعندما تمكنت الولايات المتحدة من قيادة اكبر ائتلافدولي لاخراج صدام من الكويت بعد قصف جوي كثيف كانت الظروف مواتية لابناء الشعبللانقضاض على الطاغية الذي اسقط الورقة الدولية من يده، وكشف للعالم عن قبحسياساته، لذلك انطلقت الانتفاضة بثقة عالية في عموم محافظات العراق وكانت الكفة فيصالح الثوار لان كل العوامل في صالحهم.
 لكن عامل واحدجعل الملك الراحل فهد بن عبد العزيز والرئيس المصري السابق حسني مبارك يضغطان علىالرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش باتجاه ابقاء صدام حسين كون السيناريو البديلكارثيا بالنسبة لهم، وبالفعل عمل بوش بنصيحة حلفائه العرب ومارس على صدام ما سميتلاحقا بسياسة (الاحتواء الانتقائي) او كما وصفها مستشار الامن القومي الامريكيالاسبق ساندي بيرغر بسياسة (القفص الزجاجي).
ولكن صدام كان خارج القفص والعراقيين وحدهم من كانوابداخله، ففي الوقت الذي شيدت فيه السعودية الابراج الشاهقة المزججة، واعادت الكويتبناء معالمها التي دمرتها الحرب، واسست دبي عظمة عمرانها وموانئها ومطاراتهاالمميزة، كانت فرق التفتيش الدولية تجوب العراق وتدمر مخزونه من السلاح المحظوروالذي كلف مليارات الدولارات و كان العراقيون يبيعون اثاث منازلهم ويتخلون عن كلشروط الحياة الكريمة.
 وهكذا ادخلالبعث العراق في بوابة القرن الحادي والعشرين، ففي الوقت الذي احتفل فيه العالمبالالفية الجديدة لم يعرف اطفالنا شكل وطعم الشوكلاته، او قناني الببسي كولا التييعبث بها التافهون في أفقر دول الجوار، وفي وقت تتباهى الدول بحجم ماتستهلك من ورقالتواليت واكياس التغليف وعلب البلاستك الانيقة الملونة، كنا نستخدم اواني واكياس البلاستكالمعاد الذي يصنع من بقايا (النعال) المقطعة ويعطي لونا داكنا، ورائحة نتنة، لنشربفيه الماء ونحفظ فيه الاطعمة!!
كانت 60 من افخم القصور الرئاسية قد شيدت في تلك الفترةوكانت اطنان الرز العنبر تخرج من العراق مع زيارات عزة الدوري الى دبي والدوحةوالرياض لكسر الحصار عن سلطة البعث واعادة خيوط الوفاق مع خصوم الامس القريب وكانتموجات من الاساتذة والكفاءات تهرب الى الاردن وليبيا واليمن للعمل هناك.
ربما يستغرب البعض من اني اعيد النبش في صفحات الماضيلكن المؤشرات المحيطة تدفعنا جميعا الى تجنب الوقوع في اخطاء كبيرة تهمشنا من جديدفنحن اليوم على اعتاب انتهاء الفصل الامريكي وبداية مرحلة تاريخية جديدة ربما تعيدالعراق الى وضعه الطبيعي وربما تفتح المجال لاحتمالات كثيرة، نلاحظ ان بعض دولالجوار تحاول اعادة النغمة التي اوقفت زحف الانتفاضة ووضعتنا في القفص الزجاجيالمشؤوم، فهم يريديون العودة بالعراق الى ايام اكلت من جرفنا الكثير وخرجنا  منها باصرار واضح على الحياة.
وعلينا ان لانتسغرب اذا اكتشفنا ان هناك مؤامراتوانقلابات لاسقاط العملية السياسية، او اغتيال التجربة، فقبل ذلك تآمروا على نوريالسعيد، وعلى عبد الكريم قاسم بدعم خارجي عربي، والهدف كي لايتوفر للعراق نظام حكميعطي لهذا البلد دوره الذي يتوافق مع مايحمل من عوامل وامكانات.
ومن الواضح ان اللعب هذه المرة خطير جدا لانه ينصب الىالداخل ويهدف الى تفتيت العراق وتطاحنه داخليا، ومن ثم ايجاد دور لتدخلات ومبادراتعربية توازن ادوار دول الجورا غير العربي وبالتالي يعود العراق للعب دور الساحةالخلفية للاخرين، وهو الاحتمال الاكثر وقوعا اذا لم ننتبه لحجم التآمر الخارجيعلينا، وارى ان مسؤوليات كبيرة تقع على عاتقنا نحن الاعلاميين في مثل هذه الايام،لكشف مايحاك في الظلام ولتوعية الشعب بمخاطر المرحلة الراهنة والجديدة الموعودةلاسيما وقد استعد لها البعض بفكر انفصالي واجندات طائفية مقيتة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات