في أستطلاع للرأي أجريته عبر صفحتي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) سألت فيها متابعي الصفحة والاصدقاء وبكلمة واحدة عن أسواء صفة برأيهم في الانسان كانت الاجابات متنوعة بين منهم من قال الكذب ونكران الجميل والخيانة ومنهم من قال البخل والتكبر والنفاق وصاحب الوجهين والانانية والغدر، صفات لا تليق بأي أنسان أن يكتسبها أو يعمل بها وصولاً لغاية ما في نفسه.
أتفق الكثير من المشاركين في الاستطلاع على صفة الكذب وهو سلوك يتميز به البشر، ويندرج ضمن الجانب اللاأخلاقي لهم وأنها صفة سيئة للغاية ولا ينبغي أن تمارس في علاقاتنا وتصرفاتنا وكلماتنا وتعابيرنا، وهذه الصفة مدانة و تدفع صاحبها إلى اختلاق واصطناع وتزييف الحقائق عن مسارها، ووضعها في مسار موجه بالأساس نحو مصلحته.
الكثيريمارس الكذب بدون حدود، ويمارسه في حياته بشكل بشع، ويستخدمه لحياته بشكل لا يليق، يكذب من أجل مصلحته، يكذب من أجل تبرئة نفسه، ويكذب من أجل تبرئة المقربين منه، ويكذب من أجل تحقيق نزواته، ويكذب في مشاعره، ويكذب في صداقاته، وفي علاقاته، ويكذب مع الأقرباء ومع الأصدقاء، ومع الغرباء أكثر، ويكذب بكل ما أمكنه من خبث، يكذب وهو يعلم جيدا بأن الكذب لا يليق، ويؤمن بأنه يجب عليه قول الحقيقة.
من الواضح أن حيزا كبيرا من الفشل الذي تتعرض له العلاقات الإنسانية يكون بسبب الكذب، ذلك أن هذه العلاقات بقدر ما تتأسس على الوضوح والصراحة، تزداد إمكانية نجاحها، لكن عندما تصبح هذه العلاقات مبنية على كذب مباشر وغير مباشر، فإن الفشل هو المصير الذي ستؤول إليه عاجلا أو آجلا، والحق أننا ومن كثرة ما ابتلينا بالكذب أصبح طبيعياً أن نستخدمه في سلوكياتنا وتعابيرنا وعلاقاتنا.
يشير باحثون في علم الاجتماع والنفس من خلال الاختبارات إلى أن الكذبة تبدأ مثل كرة صغيرة من الثلج، تكبر هذه الكرة كلما تدحرجت أكثر وأكثر، بعدها يبدأ الشعور بالذنب بالانحسار التدريجي وخاصة إذا كان الكذب يتعلق بمنفعة شخصية.
وهناك دراسات علمية أخرى تمكنت من قياس وفهم ملامح كيفية تحول الإنسان من حالة الشرف إلى صفة الكذب الدائم. إن هذه الدراسات استنتجت أن هناك صراعاً دائماً داخل الفرد الذي يكذب باستمرار، صراع بين رغبته الصادقة بالظهور أمام الجميع بمظهر النزيه والشريف، ورغبته في تحقيق المنفعة الشخصية. إن هذا الصراع يسبب تشوش الفكر وعدم راحة القلب بسبب مواصلة الكذب على الآخرين، وتوصلت أيضاً هذه الدراسات إلى أن الكذب مهارة يتقنها الإنسان مع الوقت وليست صفة متأصلة فيه أو صفة موروثة من أسلافه.
الخلاصة، من السهل جداً على الإنسان أن يتحول من شريف إلى كذاب إذا اعتمد تكرار الكذب ونسي وازعه الديني وأيضاً التأثير السلبي للكذب على حياته مستقبلاً، فالإنسان بطبيعته يكتسب مهارات ويتقنها مع الوقت وخاصة إذا ارتبطت المسألة بتحقيق مصلحة شخصية، ومن السهل جداً أن يقع الإنسان فريسة لمصالحه متناسياً أن الثمن الذي يدفعه للوصول إليها وإن كان يبدو سهلاً “بكذبة” إلا أن الكذبة قد تسلبه ضميره وشرفه إلى الأبد.