21 سبتمبر 2025 10:55 ص

هل يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة رواية حقيقية؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة رواية حقيقية؟

من الممكن أن نرى في الموسم الأدبي القادم رواية أو أكثر كتبت بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي. إنها احتمالية جديرة بالدراسة. من البديهي أن يلجأ بعض الكتاب، عاجلاً أم آجلاً، إلى هذه الأداة، نتيجةً للكسل أو لحسابات أخرى.
لا يعيش الكاتب الحقيقي في برج عاجي، بل في قلب الحياة، ليستنشق هواء العصر بشكل أفضل. لا شك إذن أنه سيشعر بالتسارع التكنولوجي الحاصل.
يُخشى أن تفرض الآلة، بفضل ما توفره من سهولة ومن موارد لامحدودة، نفسها على الكاتب. سيأتي وقت، إن لم يكن قد جاء بالفعل، يستخدم فيه الكاتب الذكاء الاصطناعي لإنجاز مشروعه الروائي. بل قد يأتي عصرٌ تكتب فيه الآلة روايةً كاملة من تلقاء نفسها، وتكون هي المؤلف الوحيد لها. في ذلك اليوم، سيموت الأدب، ولكن من سيهتم؟ ربما قلة من المستنيرين المنفيين في مكتبة بعيدة جدًا.
كثيرًا ما يخطئ الناس. يظنون أن الرواية – وأعني هنا الجيدة منها – هي في المقام الأول مسألة أفكار، وحبكة أصيلة في بنائها تأسر انتباه القارئ. وبهذا يخلطون بين الأدب والترفيه. ذلك أن الأول يهدف إلى استكشاف أعماق النفس البشرية وقواها الداخلية الأعمق، بينما يهدف الآخر فقط إلى تشتيت انتباه القارئ، ودفعه إلى الهروب من ذاته، وقضاء وقت ممتع.
كل شخص لديه أفكار لرواية. لو أوقفت شخصًا في الشارع، أيا كان، سيخبرك بأن لديه قصة رائعة ليرويها، لكن لضيق الوقت أو لضعف الموهبة، لن يستفيد منها شيء سوى الحلم باليوم الذي سيبدأ فيه العمل على كتابتها. امتلاك أفكار لرواية أمر في متناول الجميع. دع عقلك يتجول، وسيوفر لك خيالك الموارد اللازمة لخلق حبكة مليئة بالمنعطفات والتقلبات.
من هذا المنظور، يُعدّ الذكاء الاصطناعي آلة قصصية هائلة. أعطه مخططًا عامًا للقصة التي تؤرقك، وسيكتب لك في لمح البصر روايةً متقنة إلى حد ما. أدخل بعض التعديلات هنا وهناك، وإعادة صياغة بسيطة قرب النهاية، وها هي ذي رواية تستحق أن تُعرض للقراءة.
من الواضح أن روايتك ستكون غير مثيرة للاهتمام على الإطلاق. ستكون عبارة عن سلسلة من الحوارات والمنعطفات، حيث تتحرك الشخصيات كآلات، أو ككائنات بلا جسد وروح، جيدة بما يكفي لتكون ذريعة لرواية قيد الكتابة. ستأتي شخصياتك كممثلين يرددون نصًا بشكل أوتوماتيكي، دون فهم أي شيء مما يقرؤونه.
قد لا أعرف بالضبط ما هي الرواية الحقيقية، لكن كل ما أعرفه أن روايتك بعيدة كل البعد عن ذلك. الرواية الجديرة باسمها لا تهدف أساسًا إلى الترفيه، أو لنقل إنها لا تسعى إلى الترفيه بمعناه الأول البسيط، على الأقل. لا بد أن تكون عالمًا يتمتع بالقوة والغموض الكافيين لجعل قراءتها شيقة. والأهم من ذلك كله، أنها مكتوبة بلغة لها موسيقاها الخاصة، منطقها الخاص، سحر الجملة الغامض والمقلق، حيث يظهر الكاتب على حقيقته.
الرواية، قبل كل شيء، أسلوب. هذا الأسلوب لا ينبع من آلة، بل من أعماق الكاتب. إنه مرآة تربيته، وقراءاته، وأفكاره، وقلقه، وشكوكه، وطموحاته، كل ما هو عليه وما ليس عليه، خلاصة غرائزه، دوافعه، أحلامه، خيالاته، طريقة وجوده، تنفسه، حبه.
جملة الكاتب خلاصة وجوده، منارته، ناطقه الرسمي. تشبهه في طريقة نطقها، إنها إنجازه الأسمى. موسيقى الجملة، قبل كل شيء، هي وجوده بكل تنوعاته اللامتناهية؛ إنها تتتبع تقلبات روحه، وتكشف خيوط ذاكرته وفكره، وحضوره في العالم. إنها قصة تاريخه ونقل هويته.
إنها إرث شخصيته، ثمرة أسهمت أجيال في إنتاجها. ثمرة فريدة. ولأنها فريدة، لا يمكن تقليدها. ولهذا السبب لن يتمكن الذكاء الاصطناعي أبدًا من منافسة العبقرية البشرية. ليس للذكاء الاصطناعي تاريخ خاص به، إنه ببساطة خلاصة قصص لا تنتمي إليه. لا يخلق شيئًا من تلقاء نفسه؛ لا روح له، لا وجه، لا مشاعر، لا أفكار. إنه الفراغ، الذي بدوره لا يمكنه إلا أن يخلق المزيد من الفراغ.
من الممكن تمامًا أن يجذب هذا الفراغ فئة معينة من القراء. يكفي أن ننظر إلى ما أصبحت عليه سينما هوليوود لنقتنع بذلك. لكن الذكاء الاصطناعي في حد ذاته لن يخلق شيئًا. سينسخ، لن ينتزع شيئًا من الواقع، باستثناء بضع قصص مجردة تغيب عنها الحياة الحقيقية. سيأتي نتاجه نقيضًا للفن، خدعة تبتلع البشر في فراغ سيجدون صعوبة كبيرة في الخروج منه. لذا، فإن رواية يكتبها الذكاء الاصطناعي هي رواية “فالصو”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات