أن اعظم ما رحم الله به خلقه وفي نفس الوقت اعظم شيء فعله هو انه سبحانه وتعالى اخفى نفسه عن ادراك خلقه إياه رغم قربه اليهم كأقرب من حبل الوريد وعلمه حتى ما تحويه صدورهم. الا ان الله سبحانه وتعالى جعل كل شيء مخلوق على الاطلاق يدل عليه.
ان الله سبحانه وتعالى يقدر على أن يعطي الانسان القدرة على ادراك كنهه بالعقل المجرد او يخلق له حاسيه لذلك الادراك ولكنه لو فعل فأن الانسان سوف يموت اما صعقا او خوفا. ولو افترضنا ان الله منحه في نفس الوقت القابلية على البقاء رغم ذلك الادراك فان الانسان سوف لن يتمكن من العمل والحركة والتمتع بالحياة رهبة وخوفا من قدرة الله تعالى. وهذا الامر وضحه الله لنا في القران الكريم عندما طلب منه موسى (عليه السلام) ان يراه: قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ. والتجلي هو الظهور والانكشاف أي ان الله سبحانه وتعالى لم يتجلى حتى للجماد من خلقه ولاي شيء في الكون والا لكان مصيرهم مثل مصير الجبل الذي صار مستويا بالأرض خلال لمح البصر او اقل.
ولقد منح الله الانسان البصيرة التي يستطيع من خلالها ان يرى الله في قلبه من خلال آيات صنعه في خلقه بدءاً بالذرة وما دونها وانظمتها ومرورا بالمجرات والنجوم و ما خفي عنا وبالخصوص خلق الانسان نفسه مما ينطوي عليه في جميع شؤونه من فسلجة وتعقيد في الخلق. حتى ما يصنع الانسان من وسائل وتكنولوجيا وبناء وما الى ذلك فأن الذي اودع في هذه الأمور والاشياء من خصائص كيمياوية او كهربائية او ما شابهها فذلك بما اودع لله بها. حتى صناعتها وتشكليلها واستخراج وضائفها فهو بفضل تلك الخصائص وبفضل الدماغ البشري الذي خلقه الله وبفضل سهولة وتطويع الأشياء للإنسان بفضل الله. ولم يكن ذلك ممكنا لولا دماغ الانسان ويديه وعينيه وسمعه وكافة ادراكاته الحسية وغير الحسية ناهيك عن العلم الذي يكتسبه فهو بفضل الله وناتج لذلك الخلق البديع.
ان علي (عليه السلام) عندما سأل هل تعبد ربا لاتراه قال: ما كنت اعبد ربا لم اره …. الا انه لاتدركه العيون بمشاهدة الابصار ولكن تدركه القلوب بخصائص الايمان ….
و من عجائب خلق الله هو اننا نرى الله من خلال خلقه في بؤبؤ لايتعدى حجمه بضعة مليمترات ولكن هذا البؤبؤ يرى ملايين الأشياء في كل يوم كلها تدل على الله وعظيم قدرته فهو الحي الذي لايموت الذي تراه القلوب المؤمنة كما قال الامام علي (عليه السلام) به في كل لحظة تنظر بها الى يديك كيف تتحرك ولسانك كيف ينطق وسمعك كيف يسمع وقلبك كيف يعمل ورأتيك كيف تتنفس ورجليك كيف تمشي ودمك كيف يسيل وجهاز مناعتك كيف يعمل وتفكيرك كيف يتكون وعينك كيف ترى وغددك الصماء كيف تعمل ونومك كيف يصير وكل شيء يحيط بك وبعيد عنك وما بعد الكون من اكوان قد تكون بالملايين بخصائص لانعرفها ومخلوقات لانراها وربما ازمنة مرت وانتهت وما علمها الا عند الله (وما اوتيتم من العمل الا قليلا).
ان التفكر بالله واستحضار عظمته من خلال خلقه هو عبادة من اعظم العبادات.