22 ديسمبر، 2024 8:47 م

هل يمكن التفكيك بين الإيمان والدين؟ 1/5

هل يمكن التفكيك بين الإيمان والدين؟ 1/5

هنا يراد أن تُطرَح تساؤلات، ويُحاوَل أن يُجاب عليها، ضمن مناقشة عقلية، أي في إطار ضرورات وممكنات وممتنعات العقل، أي بشكل محايد دينيا، أي مستقل عن مقولات الدين، دون إعطاء حكم، إثباتا أو نفيا، تجاه تلك المقولات الدينية، فهي تعالج القضايا المطروحة معالجة عقلية محضة.

التساؤل المطروح في العنوان يبدو للبعض للوهلة الأولى غريبا ومشتملا على ثمة تناقض. التناقض يكون حاصلا، إذا ما اعتُبِر كل من الإيمان والدين مترادفين، فنكون وكأننا نطرح السؤال عن إمكانية التفكيك بين الدين والدين، أو التفكيك بين الإيمان والإيمان، فيكون التساؤل ضربا من الهراء واللغو، أو لعله السفسطة. لكن عندما نعلم أن المعني بكل من المفردتين معنى آخر متفاوت عن الثاني، ولكن غير مناقض له، وأن العلاقة علاقة عموم وخصوص مطلقا، بمعنى أنه إذا كان الدين يعني في كل الأحوال الإيمان، لا يكون بالمقابل معنى الإيمان هو الدين في كل الأحوال، أي (كل دين إيمان، وليس كل إيمان دينا)، أو (كل دين إيمان، وبعض الإيمان دين). فمصدر العقيدة في (الإيمان) هو العقل، ومصدر (الدين) هو العقل والوحي عند العقليين، والوحي وحده عند الوحيويين، أو النقليين، أو النصيين، والبعض يضيف القلب أي الشعور والإحساس والتفاعل العاطفي والوجداني، مع التحفظ عليه كمصدر يعول عليه. والمؤمنون اللادينيون يلتقون مع الدينيين العقليين على مشترك مصدرية العقل، ويلتقي الدينيون من العقليين والوحيويين على مشترك اعتماد مصدر الوحي حصرا، أو بضميمة العقل، ولا مشترك فيما يتعلق بفهم الإيمان بين الإيمانيين التفكيكيين العقليين والدينيين الوحيويين، إلا بكون كل منهما يمثل إيمانا، لكنه إيمان مغاير للآخر.

إذا كان بعض القراء قد أدركوا المعنى المقصود، فهناك آخرون ما زالوا ربما حتى هذه العبارة في ثمة حيرة. ومن أجل ألا تطول حيرة هذا القسم من القراء، لا بد من التقديم بتعريف أولي للمصطلحين، مرجئا تعريف بقية المصطلحات التي ستستخدمها المقالة. فنقول:

1. الإيمان: الإيمان الفلسفي بالله وما يترتب على هذا الإيمان بضرورات العقل من توحيد الله والإقرار بكماله المطلق، وبالتالي تنزيهه، وكذلك الإقرار بعدله، الذي يترتب عليه الإيمان الإجمالي – لا التفصيلي – بالمعاد حسب المصطلح الديني، والأصح والأكثر حيادا “الحياة الأخرى” والجزاء. وعلى مستوى السلوك يكون ترتيب الأثر على الإيمان العقلي هو الإتيان بما يحسنه العقل والترك لما يقبحه العقل، ولو إن هذا من لوازم الأخلاق حتى من غير إيمان.

2. الدين: الإيمان الديني بالله والإيمان بالدين وما يترتب عليه من الإيمان بالنبوة العامة والخاصة بذلك الدين، والإيمان التفصيلي بالمعاد وبسائر ضرورات ذلك الدين من غيبيات هي لا تعدو كونها من الممكنات العقلية، حتى لو كانت من الضرورات الدينية. وعلى مستوى السلوك يكون ترتيب الأثر على الإيمان الديني هو الإتيان بما يعتقدون أن الله أمر به بحسب الدين، وما يحسنه العقل (بالنسبة للدينيين العقليين)، والترك لما يعتقدون أن الله ينهى عنه بحسب الدين، وما يقبحه العقل (بالنسبة للدينيين العقليين).