هل يلقى الحشد الشعبي مصير الصحوات…؟؟

هل يلقى الحشد الشعبي مصير الصحوات…؟؟

لازال قانون الحشد الشعبي يواجه مصيراً مجهولاً في ظل تجاذبات داخلية ودولية وغموض الموقف الإقليمي من هذا القانون.

وقانون الحشد الشعبي في أصله عبارة عن إطار قانوني للفصائل التي تعمل اليوم تحت راية الحشد الشعبي ومن المفترض أن يحدّد ويضع لها هيكلها القانوني ويبيّن صلاحياتها والمهام الموكلة لها وجهة الارتباط التي تعمل تحت إمرتها.

ومن الناحية النظرية فإن ما سبق -يفترض- ألا يشكّل أي مجالاً للتعارض والتجاذب، فهو ترتيب قانوني للفصائل التي تم تشكيلها منذ أكثر من تسع سنوات بعد فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني بإعلان “الجهاد الكفائي” إثر اجتياح تنظيم داعش لمحافظات عراقية بالكامل ووصول خطره إلى العاصمة بغداد.

ومن المقتضيات الأخرى لهذا القانون، أن القانون الذي تم تنظيم الحشد الشعبي وفقه والمقر عام 2016 بالرقم (40) وضع أساساً قانونياً للفصائل التي كانت تقاتل تحت هذه الراية في ذات الوقت الذي كان فيه مجلس النواب يصوّت على القانون الذي كان مقتضياً جداً في مواده وتفصيلاته ولم يعد يفي بالغرض في ظل اتساع منظومة الحشد الشعبي وزيارة دائرة نفوذه.

أما اليوم فالأمر أعقد من ذلك بكثير، فالجهات القائمة على الحشد والمؤيدة له تريد تنظيماً قانونياً أكثر تفصيلاً* -ولست هنا لمناقشة مواد القانون وتفصيلاته- لكن يبدو أن معوقات إقرار تتزايد يوماً بعد آخر.

والمشكلة هنا أن القانون تزامن مع الحرب على قطاع غزة والتي أوجدت ساحات مواجهة في المنطقة بين (إسرائيل) ومن خلفها الولايات المتحدة وإيران والمجاميع التابعة والموالية لها في لبنان واليمن والعراق، الأمر جعل من الولايات المتحدة معارضاً حقيقياً لإقرار هذا القانون كونه سيؤدي لإعطاء الصفة القانونية لمجموعة من الفصائل التي تتهمها الإدارة الأمريكية الحالية باستهداف القواعد التابعة لها في العراق ومهاجمة عدد من الأهداف الحيوية.

وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر لم يكن وليد اليوم واللحظة، بل سبقته تجاذبات عدة على المستوى الداخلي عن مستقبل الوجود الأمريكي في العراق لاسيما بعد أن اغتالت إدارة ترامب في ولايته الأولى قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الأمر الذي دفع الأحزاب والكيانات السياسية المؤيدة للحشد لتبني موقفاً معارضاً للوجود الأمريكي في العراق مطالباً إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في العراق.

مؤسسات أمريكية عدة عمدت إلى دراسة واقع ومستقبل الحشد الشعبي في العراق تتقدمها مؤسسة راند التي قارنت حالة الحشد الشعبي وغيره من التشكيلات العسكرية التي أسّست في عدد من البلدان المواجهة سوء الوضع الأمني أو التفكّك الداخلي فيها، ووصلت لنتيجة مفادها أن معالجة حالة الحشد الشعبي في العراق تتطلب تكاملاً بين مجموعة من الإجراءات، والآليات القانونية، والسياسية، والاقتصادية.

لكن الواقع اليوم بات أكثر تعقيداً في ظل عمليات عسكرية لفصائل مسلّحة تابعة للحشد باتت تستهدف بعض المنشآت التابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومع وجود إدارة أمريكية تتخذ موقفاً متصلباً من بعض الفصائل الشيعية المسلّحة.

هذا الواقع أكدته الإدارة الأمريكية في أكثر من موقف، ليس آخرها اتصال وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو برئيس الوزراء العراقي وإبداءه موقفاً متشدداً من إقرار قانون الحشد الشعبي لاسيما معارضة دمج بعض الفصائل التي باتت تتهمها الإدارة الأمريكية بـ(الإرهاب) جهراً ككتائب (حزب الله).

ولشد ما يذكرنا موقف الإدارة الأمريكية من فصائل الحشد بتشكيلات الصحوات التي أسّست بتنسيق عراقي أمريكي من أبناء العشائر وعناصر المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي بين عامي (2006-2007) لمقاتلة عناصر تنظيم القاعدة، ثم مالبثت تلك القوات أن تم تفكيكها بطرق مختلفة، فمنهم من تم تصفيته ومنهم من تم دمجه بالقوات النظامية ومنهم من تم توظيفه في وظائف مدنية متدنية وهكذا تم تفكيك قوات الصحوة خلال سنوات معدودة ونجحت الولايات المتحدة في التخلص من عناصر تنظيم القاعدة وفصائل المقاومة في عملية واحدة.

واعتقد اليوم أن مصير فصائل الحشد الشعبي لن يكون أفضل حالاً من الصحوات، فالولايات المتحدة بالفعل أستفادت من قوات الحشد في إنهاء سيطرة تنظيم داعش على عدد من المحافظات العراقية، لكن تلك القوات وبعد انتهاء مهمتها باتت تشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية في المنطقة بالتالي فمن الاستحالة بمكان أن تسمح بوجود تلك التشكيلات، فكيف بإعطائها شكلاً قانونياً؟؟!!

بل إنها ستمارس عملية الضغط البطئ على الحكومة بما يسهم في تفكيك منظومة الحشد مع تصفية الرموز الكبيرة فيه -ذات الارتباط العقائدي والتنظيمي المباشر مع إيران- فيما سيتم توزيع من تبقى في وظائف مدنية لإبعادها عن دائرة المواجهة مع واشنطن ولشراء سكوتها. لكن كل ما تقدم لن يكون بالسهولة التي نتصورها، فالحشد الشعبي اليوم ليس مجموعة من المقاتلين الذي يحملون السلاح فحسب، بل هو تنظيم كبير فيه المقاتل والسياسي والشركات التجارية والمنظمات المجتمعية، وسيكون التعامل معه أكثر تعقيداً.

*  بدأ الأمر بمشروع إقرار “قانون تقاعد للحشد الشعبي”

أحدث المقالات

أحدث المقالات