18 ديسمبر، 2024 7:23 م

هل يكفي الاعتذار سيدي السفير…؟

هل يكفي الاعتذار سيدي السفير…؟

نقلا عن صحيفة المواطن نيوز العراقيه ان السفير الامريكي في العراق نشر مقالا اليوم على صحيفة نيويورك تايمز الامريكيه يعتذر فيها للشعب العراقي عن عدم وقوف بلاده مع الشعب العراقي في انتفاضته عام 1991 الشعبانيه ضد نظام الدكتاتور صدام حسين.
رغم ان الاعتذار جاء متأخرا وهو بطبيعة الحال  أفضل من ان لا يأتي  .
 إلا انه لايرضي او يقنع العراقيين ,,ما لم تعتذر الاداره  الامريكيه وعلى لسان رئيسها أو من ينوب عنها.
 لان الفعل لم يكن خطأ عرضيا بسيطا يمكن ان يمرر بالاعتذار وينهي الحدث وتداعياته,, لكون الحدث كان جرما مشهودا ارتكبته الاداره الامريكيه وحلفائها إبان تحرير الكويت من الغزو الصدامي وما أعقبها من انتفاضة عارمة قوضت أركان النظام وأطاحت بقلاعه وحصونه في ثلاث عشر محافظه من المحافظات  العراقية  .
 حيث تركت الشعب العراقي الأعزل وجها لوجه  في مواجهة عسكريه غير متكافئة  إمام  الإمكانيات والقدرات التي  يمتلكها الجيش النظامي  ألصدامي من حيث العدة والعدد وكثافة النيران المتنوعة والمتطورة الهائلة.
 
واذا ما كان الاعتراف سيد الادله كما يقول رجال القانون  فالاعتذار عن الخطأ يعني الاعتراف بوقوع ذلك الخطأ وهو بالتالي اعتراف بالجرم حسب اعتقادنا نحن اصحاب الشأن وضحاياه .
ولكي استدل واثبت بالقرائن على ان تصرف امريكا وحلفائها كان جريمة فاحشة بحق الشعب العراقي.
 لكونها وقفت موقف المتفرج على ما كانت تقترفه قوات صدام وزبانيته من انتهاكات وقتل وتدمير لشعب منتفض يروم التحرر والانعتاق من نظام جائر اهوج ,,وهي من كانت تحرض هذا الشعب على  الانتفاضه  والانقضاض على صدام ونظامه وعلى لسان رئيسها بوش الاب عندما  كان يحث العراقين على الثوره والانقلاب  ومن على شاشات التلفزه والاعلام المقري والمسموع حيث كان صدى تحريضه يلقى اصغاء وقبولا من ابناء الشعب حينما كان يقول (ايها الشعب العراقي هذه فرصتكم التاريخيه لتتخلصوا  من ظلم ودكتاتورية حكامكم).
 ألم يكن المحرض شريكا في الثواب والعقاب ؟؟
 فلماذا تخلت امريكا واحجمت عن مساعدة الشعب عندما انتفض ؟؟.
وانا هنا لا اريد ان اقلل من عزيمة الشعب واشكك في قدرته وعزمه على النهوض والثوره ضد طاغيته دون الوقوف والانتظار الى من يحرضه لكنها مجرد مداخله .
اما الاستدلال الاخر ان القطعات الامريكيه وخصوصا في منطقة البصره والزبير سمحت بعبور اكثر من عشر فرق  عسكريه  كانت محاصره  بكامل اسلحتها واعتدتها سالمة معافاة دون ان تمسها  بمكروه يقلل من
قوتها وشوكتها العسكريه ,,حيث اعادت انتشارها في منطقة الهارثه .
فضلا عن  الفلول العسكريه الهاربه من ارض المعركه والتي استعادت لملمت صفوفها من جديد بمرآى من القطعات الامريكيه  ثم وجهت نيران   اسلحتها الى صدور ابناء شعبها المنتفض  .
اما الدليل الثالث عندما كان المنتفضون يلجئون الى القطعات الامريكيه المسيطره على مخازن العتاد والثكنات العسكريه العراقيه في المساحات التي بسطت نفوذها عليها ويطلبون المساعده  بالذخيره والسلاح وخصوصا بعد ان نضب الكثير منه,, كانو يردونهم ويمتنعون عن الاجابة  لطلباتهم بحجة عدم وجود اوامر .
اما الدليل الرابع والذي كان له الاثر والوقع الكبير على المنتفضين هو عندما سمحت امريكا وحلفائها لصدام باستخام طائرات الهلوكبتر في جميع الاجواء العراقيه المنتفضه وهي تصب جام غضبها وحممها القاتله على رؤوس المنتفضين وعلى المساكن والاحياء الامنه وبسمع وبصر من قبل القطعات الامريكيه ومن طيرانها الحربي الذي كان يجوب السماء العراقيه بلا منازع .
وقد  اعترف  شوارسكوف قائد قوات التحالف في حينه بهذا الخطا ,,كونهم اعطو اذنا للحكومه العراقيه باستخدام الطائرات العموديه المسلحه في الاجواء العراقيه ,وذلك  في الاجتماع الذي ضمهم في  خيمة  صفوان سيئة الصيت  مع المتفاوضين المنهزمين من جيش صدام .
فضلا عن اعتراف الامير فهد بن عبدالعزيز سفير المملكه السعوديه في واشنطن حيث يقول (انهم اخطأو في السماح للعراقين باسخدام طائرات الهلوكبتر وقد احسو بهذا الخطأ الا انهم لم يصححوه وسيتركو ذلك امانة للتاريخ ليجيب عليه ).
وها هو التاريخ يجيب على التآمر العربي والامريكي مع صدام ونظامه حين دعموه بجرعة البقاء والاستمرار لفترة اطول بينما تهاوى نظامه واوشك على الافول في حينه لولا وقوفهم ومساندتهم له.
وبذلك صرح   وزير خارجيتهم السابق الكسندر هيك (ان افدح خطا ارتكبته الاداره الامريكيه انها لم تكمل  اسقاط النظام وانها التزمت الصمت لسماحها للطائرات بقمع الانتفاضه)  ويعزز ذلك شوارسكوف في مذكراته اذ يقول (قلت للرئيس بوش انا الان على مقربة 190 كم من بغداد هل استمر بالزحف على بغداد فلم يسمح لي بذلك) ويؤكد ذلك احد كبار رجال المخابرات الفرنسيه المشتركه بالتحالف الثلاثيني  ان بوش تلقى مكالمة من الملك السعودي عندما بدأت تتساقط اوكار صدام وقلاعه في العراق الواحده تلو الاخرى بيد الثوار . حيث طلب  منه وقف الزحف على  بغداد  ( فصدام بلا أنياب خير من صدام بأنياب).
 لان حكام العرب كانوا يتوجسون خشية من هذه الانتفاضه  والتي ترآى لهم فيها وزادها تدبيجا ومفاقمة    ترويجهم  الاعلامي المغرض للعالم وامريكا بالذات,, من انها    ذات تطلعات ومطامح  شيعيه  وستكون  امتداد لايران الاسلاميه ,, وهذا سيؤثر في نظرهم على التوازن الاقليمي والمذهبي  في عموم المنطقه وبالتالي يقض عروشهم  ومضاجعهم .
ولو وقفت امريكا وقفة صادقه مع الشعب العراقي في انتفاضته الشعبانيه  ضد حكامه– كما وقفت  الان مع الشعب الليبي  واسقطت دكتاتورية نظامه واستطاعت من تحرير ليبيا من براثن القذافي ونظامه  الذي جثى  فوق كاهل شعبه لا كثر من اربعون عاما تجرعها على مضض وهوان.
لما تعرض شعب العراق الى مجزرة مريعة دامية وايام سوداويه رهيبه يعجز على كل من يمتلك قلبا ومشاعرا ان يلم بها ويعطيها وصفا يحيط  بمجرياتها وصورها . ويكفيها بشاعة ووحشية هذه الاستكشافات التي تظهر يوما بعد اخر عن المقابر الجماعيه التي تظم رفات ضحياها.
وأيضا نقول لو وقفت موقفا محايدا دون التحيز لصدام في كفة المعادلة ,, لانتصرت  أردة  الشعب العراقي   في حينه على نظامه الجائر ولتجنب مهالك  السقوط في مستنقع الغزو والاحتلال الذي جر العراق إلى هذه  الويلات والنكبات والى مزيد من الدمار والتشتت   الذي فكك دولتنا  وأركانها وكل بناها ألاقتصاديه والعمرانية وعبث بنسيجنا الاجتماعي والنفسي وأحال مصير شعبنا رهينة بيد ألقتله والارهابين الذين استباحو عراقنا  أرضا وشعبا وثروة  ولا ندري متى سيتوقف نزيف الدم والخراب  .
 
لكنها  ازدواجية المعاير التي تنتهجها الاداره الامريكيه في سياستها الخارجيه والتي تحابي بها بعض الحكام والانظمه العربيه  في منطقتنا على حساب البعض الأخر فهي مرة تنتصر لهذا الشعب ضد حكامهم  وتحشد الجيوش والإعلام في سبيل إسقاط أنظمتهم الدكتاتورية  ومرة تغض الطرف وتمرر لبعض الحكام مساوئهم
وانتهاكاتهم لشعوبهم .وما يتعرض عليه عالمنا العربي ألان من انتفاضات وثورات لشعوبهم  لانتزاع حريتهم من حكام مستبدين اعتلى الصدأ عروشهم وكراسي حكمهم ,يعطينا هذا الواقع خير صورة فاضحة وواضحة المعالم لأمريكا في طبيعة وكيفية تعاملها المتباينة والمتناقضة مع كل دوله من دولنا التي تشهد اليوم لمثل هذه الاضطرابات .