23 ديسمبر، 2024 1:23 م

ان اعتذار السيد مقتدى الصدر من الشعب العراقي خطوة في الاتجاه الصحيح ، وتحسب له بمنتهى الشجاعة ، ولكن السؤال المطروح هل يكفي الاعتذار ؟ ربما وفق القياسات العادية البسيطة يكون الاعتذار عن بعض الأفعال السيئة مقبولا حين لا يكون لها أثر بالغ مرتبط بحياة وأرواح الناس وأمنهم ، وحين لا يكون لها نتائج وخيمة على السلم المجتمعي ، وحين لا يكون لها تأثير كبير على مصير البلد . ومن هنا فان منطق العقل يرى اعتذار السيد مقتدى الصدر غير كافٍ ولا يحقق مرضاة الله مالم يصاحبه خطوات أخرى تؤكد صدق النوايا وسلامة الضمير . ومن أهم هذه الخطوات توفر النية الحقيقية بعدم تكرار مثل تلك الأفعال التي كادت أن تمزق العراق اربا اربا ، والاعلان الواضح الصريح عن ذلك . والخطوة الثانية الاعتراف بكل ما حدث للعراقيين ( وخصوصا الأبرياء ) من أفعال تضمنت القتل والتهجير والترهيب على امتداد سبعة عشر عاما من قبل المحسوبين عليه ، واعلان البراءة منهم باعتبارهم كانوا مصدر الرعب في هذا البلد الجريح . أما الخطوة الثالثة غربلة أتباعه وأنصاره من أجل فرز الصالح منهم عن الطالح ، ومحاسبة المفسدين منهم وطردهم خارج التيار الصدري . وهذا هو معنى الاعتذار الحقيقي وخلاف ذلك فلا قيمة له وفق الأسس التي وضعها الله سبحانه وتعالى لمن يريد التوبة والاعتذار . ولو فرضنا أن الاعتذار بحد ذاته يكفي مقابل الأفعال السيئة التي نتج عنها سفك الدماء وزهق الأرواح وخراب البلاد ، لكان بالامكان لكل متهم يمثل أمام القضاء أن يقول ( أعتذر ) وينتهي الأمر على خير ويصدر القاضي حكما بالعفو عن هذا المتهم بسبب اعتذاره . ولو كانت التوبة هكذا لاستطاع السارق أن يتوب دون أن يعيد ما سرقه للناس ، ولاستطاع القاتل أن يتوب ويعتذر دون أن يرضي ذوي المقتول . ولو كانت التوبة هكذا لفسدت البلدان وعم الخراب والدمار في كل بقعة من الأرض . كما أن التوبة المتمثلة بالاعتذار لا يصح تكرارها ، حيث قال الامام الحسين عليه السلام : ( اياك وما تعتذر منه ، فان المؤمن لا يسيء ولا يعتذر ، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر ) لأن تكرار الاعتذار يجعل الأبواب مفتوحة لتكرار الأفعال المسيئة ، ولا يكون رادعا حقيقيا أمام أهواء النفس على طريق الأخطاء . ومن يريد اصلاح الأمة فهذا أمر عظيم وله أجر عظيم ولكن وفق الطرق الصحيحة التي لا تؤدي الى أضرار أكبر من الفساد . فما قيمة الاصلاح لو كان مصدر فوضى ومصدر رعب للناس الآمنين ؟ وكيف لأي قائد أن يصلح شعبا بأكمله وهو عاجز عن اصلاح منظومته التي يريد بها اصلاح الآخرين ؟ فالاصلاح الحقيقي يحتاج أولا الى اقناع الناس من خلال أفعاله وأفعال أتباعه ، ومن خلال حرصه على سلامة الناس وليس من خلال ترويعهم وترهيبهم وشتمهم والتنكيل بهم وبأعراضهم . وأعتقد أن السيد مقتدى الصدر بأمس الحاجة الآن لاعادة حساباته والنظر بشكل دقيق لجميع قيادات تياره ، فهم أو لنقول أغلبهم لا يصلحون لحمل لواء الاصلاح وتحقيق أهدافه . وعليه منذ الآن أن يفكر بصناعة قيادات ميدانية بديلة تتسلح بسلاح الثقافة والسلوك المنضبط بدلا من تلك القيادات التي لا تفهم سوى لغة الشتم والسباب والقتل والخراب .