22 ديسمبر، 2024 8:57 م

هل يقلب العبادي الطاولة على الجميع ؟

هل يقلب العبادي الطاولة على الجميع ؟

في الحادي عشر من آب قبل عام تقريبا كلف الدكتور حيدر العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة خلفا لسلفه وزعيم حزبه السيد نوري المالكي وسط ترحيب محلي واقليمي ودولي منقطع النظير لم يحول دون مراوحة الرجل في مكانه طوال هذا العام ، فقد أتى الرجل ومعه أمال عريضة باخراج العراق من عنق الزجاجة ومحاولة تصفية تركة سلفه الثقيلة والتي اختتمت بسقوط الموصل ومجزرة سبايكر وهو مالم يكن بمقدوره عمل شيء تجاهه وبدا واضحا للعيان ان الرجل المفتقد لكتلة برلمانية مؤيدة له ولسياسته أصبح عاجزا وفي وضع حرج فقد وقع بين فكي الكتل السياسية المتنفذة والراغبة في الحفاظ على مكتسباتها ونفوذها وبين الضغط الاقليمي والدولي المطالب بتصحيح المسار ثم كان سقوط الرمادي ليثير تساؤلا حقيقيا حول قدرته على احداث تغيير جدي ؟ قبل أن يؤدي الارتفاع المطرد لدرجات الحرارة والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لانفجار الغضب الشعبي والذي كانت اجراءات التقشف الحكومية احدى أهم مؤثراته أيضا .

لقد عانى الشعب العراقي كثيرا من سوء الخدمات الناتج عن الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة وهو ما أنعكس سلبا على حياة المواطن العادي حيث غدا السكوت عن هذا الأمر بعينه هو المستحيل بذاته .

لقد مثلت حركة الاحتجاج الشعبي (والتي حاول ولايزال خصوم العبادي الساعين للاطاحة بحكومته ركوب موجتها) الفرصة الذهبية والأخيرة للعبادي لاثبات الجدارة والتحرك ضد الفساد بغية احراز تقدم ملموس يسجله له التاريخ خصوصا بعد تأييد مرجعية النجف للتظاهرات الشعبية ولمحو صورة الرجل الضعيف المكبل بفعل التوافقات السياسية والمحاصصة الطائفية وهو ماجسدته حزمة الاصلاحات الأولية والتي أقرها البرلمان بالاجماع في سابقة فريدة تحت وطأة الضغط الشعبي وبدافع الخوف من الغضب الجماهيري العارم .

ولفهم حقيقة مايحدث في بغداد ينبغي التطرق لمواقف بعض الجهات الرئيسية من القوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد العراقي وهي على النحو الأتي :

1.حركة الاحتجاج الشعبي والتي يشكل الشباب المحبط عمودها الفقري وكان التيار المدني حصانها الأسود ممثلا بالمثقفين والاعلاميين والنشطاء الذين تصدروا المشهد الميداني وتهدف هذه الحركة لتحسين مستوى الخدمات ومحاربة الفساد والشروع في الاصلاح السياسي والاداري .

2.معسكر نائب الرئيس المقال السيد نوري المالكي ومن تحالف معه من بعض فصائل الحشد الشعبي والذي سعى لتجيير المظاهرات لصالحه وحث مؤيديه على الانخراط فيها للضغط على العبادي والدفع باتجاه المطالبة بحل البرلمان واقامة نظام رئاسي .

3.الحكومة العراقية المتهمة بالضعف والعجز و استغل رئيسها هذه الاحداث لاطلاق سياسته الاصلاحية والتخلص من مراكز القوى التي تعمل دوما على وضع العصا في دولاب الاصلاح الحكومي لاسيما النائب الأول لرئيس الجمهورية على غرار “ثورة التصحيح” التي أطلقها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات والذي دشن بها عهده فعليا بعد عدة شهور من توليه الحكم رسميا عندما أزاح من طريقه مراكز القوى الناصرية عام 1971 لتكون البداية لمرحلة جديدة في التاريخ المصري الحديث .

4.مرجعية النجف الدينية والتي أدركت بحكم صلاتها المباشرة مع الشارع تصاعد حدة الغضب الشعبي الناجم عن استشراء الفساد نتيجة حكم الأحزاب الدينية والتي ساهمت النجف تحديدا بوصولها لسدة السلطة قبل أن يصم ساسة هذه الأحزاب أذانهم لدعواتها ونصائحها المتتالية بمحاربة الفساد ومن هنا كان تحركها الداعم للتظاهرات كما يمكن فهم موقف المرجعية الدينية في اطار الحيلولة دون انفراد القوى المدنية بقيادة التظاهرات وهو ماقد ينعكس سلبا على مسارها (من وجهة نظر النجف) خصوصا مع ارتفاع الأصوات المنادية بقيام دولة مدنية واقصاء الاسلام السياسي عن الحكم أولا وقطع الطريق على الزخم المتنامي لمرجعية قم الايرانية في الوسط الشيعي العراقي وهو مايتطلب اثبات الوجود في الساحة العراقية و نجحت به المرجعية الدينية عندما غدت رقما صعبا لايمكن تجاوزه ثانيا .

5.القوى السياسية الكوردية والسنية والتي صوتت جبرا على حزمة الاصلاحات الحكومية لكي لاتظهر أمام الرأي العام بمظهر الرافض لها مع تخوفها من أن تكون نقطة البداية للانقضاض على “استحقاقاتها” واخضاع باقي المكونات لحكم الأغلبية الشيعية.

ان العراق يمر بمرحلة صعبة ودقيقة من تاريخه فهو يخوض صراعا وجوديا مع تنظيم داعش من جهة وتجتاحه حركة تصحيحية اصلاحية من جهة أخرى ستسبب باندلاع صراع علني شيعي – شيعي وبالتالي حتمية

اقصاء أحد أطرافه عن المشهد السياسي نهاية المطاف ، رغم ذلك يجب أن تستمر تلك الحركة حتى اجتثاث الفساد ومحاسبة المفسدين بصرف النظر عن مناصبهم وانتمائاتهم الحزبية والطائفية فلا مصلحة حقيقية لكل المكونات باستمرار دوران عجلة الفساد وهو مايتطلب زيادة الوعي لدى المتظاهرين وايمانهم المطلق بعدالة قضيتهم والحذر من استغلال التظاهرات من قبل القوى السياسية المتصارعة واستخدامها كأداة للتسقيط السياسي المتبادل والحرص على استمرار زخمها وتوحيد الصف حتى تحقيق جميع أهدافها والتي يمثل تلاقيها مع رغبة العبادي الاصلاحية بمثابة جرعة من الأمل لبلد بات على مفترق طرق .

لقد بات واضحا ان الدكتور العبادي قد قرر قلب الطاولة على الجميع والمضي قدما في قطار الاصلاحات ولو كلفه ذلك حياته ” على حد تعبيره” والأيام القادمة ستكون كفيلة بالاجابة عن مآلات مغامرة العبادي فهل يدخل التاريخ كمنقذ للبلاد أم سيكون لاصلاحاته عواقب وخيمة كما تنبأ بذلك نائب رئيس الجمهورية المقال السيد أسامة النجيفي ؟ الأمر منوط بنا كعراقيين فهل سندعمه حتى النهاية (مع عدم وجود خيارات بديلة) أم نتركه فريسة للجهات السياسية المتضررة والتي كانت السبب الرئيسي فيما آل اليه الوضع العراقي ؟ وبكل الأحوال فأن العملية السياسية القائمة منذ عام 2003 والمبنية على أسس المحاصصة قد غدت في خبر كان .