المفسدون في العراق أكثر من الهم على القلب، وكثير منهم يعلنون الحرب على الفساد، وهناك من يسرق المليارات، ويخرج بتصريحات عن ضرورة حماية المال العام من الفساد، وإنه سيقف الى جانب الحكومة ورئيس الوزراء في الحملة ضد إرهاب الفساد والمفسدين، بل إن هناك من المفسدين من بدأ بتقديم نظريات خاصة بمعالجة ظاهرة الفساد والحرب عليها، ومن يومين كنت ضيفا في قناة تلفزيونية وكان معي نائب في البرلمان قال لمقدم البرنامج لماذا جلبتم هادي جلو مرعي وهو صحفي والموضوع يتحدث عن الإقتصاد؟ فرددت عليه بالقول، صحيح إن الموضوع عن الفساد وإن بعض النواب الذين في البرلمان جهابذة في الإقتصاد ونظرياته لكن الإقتصاد في العراق يعني الفساد، وكل عراقي متخصص في الفساد، إما لجهة الضرر منه، أو لجهة الإستفادة منه. فالعراقي إما فاسد، أو مفسود به.
قال اليهود لموسى، إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا لقاعدون، ويقول السياسيون الفاسدون لرئيس الوزراء حيدر العبادي، إذهب أنت وربك فحاربا الفساد إننا في البرلمان والوزارات والمناصب والمكاسب راتعون!! كثرة القوائم الإنتخابية يعني إننا من أكثر الشعوب إلتصاقا بالكذب والنفاق. فما تحقق لناس تافهين خلال السنوات الماضية أغرى طبقات من الشعب لتحاول تجريب حظها في السياسة، وأنت ترى ياسيدي القاريء كم هو عدد السياسيين الذين حصلوا على مناصب وأموال، وأسسوا شركات وبنوك، وتملكوا العقارات، وصارت لديهم ولأسرهم جوازات سفر دبلوماسية، ومنهم من يمتلك البيوت والفلل والأراض في الخارج، بينما بقية الناس يعيشون في الوحل، ويأكلون الطين وهم راغبون في اللحاق بالقطار المسرع نحو المكاسب، هذا بالتحديد مايفسر عدد الكتل الإنتخابية، وعدد المرشحين فالتهافت من الرجال ومن النسوان ومع حبي للجميع، فعندي إن الجميع يكذب، ومن يدعي الرغبة في خدمة الشعب يكذب، هناك طموح في سرقة المال العام، وطموح في الترشح لمقعد في البرلمان، أو لمنصب في الحكومة ومؤسساتها وهذا يعني المال والسفر والجاه والسمعة والنساء، وإمتيازات لاتعد ولاتحصى، فالعراقي وبمجرد حصوله على المال والجاه يتحول الى طاووس، ويغادر مرحلة الفسيفس.
في الفترة الأخيرة أخذ الهوس بالفوز من الساسة كل مأخذ، وتحولوا الى وحوش، وأسسوا تكتلات وقوائم إنتخابية، ولم يعد من حدود مهنية وأخلاقية، بل ووصل الأمر بهم الى تخريب الوطن، فأحدهم يقول مخاطبا العبادي أمام جمع من السياسيين والصحفيين ظنا منه أن كلامه لن ينقل، العبادي فرحان بإستعادة كركوك، فلينتظر ماذا أعددنا له في الأسابيع القادمة!!
النية الصالحة متوفرة لدى العبادي، ولكن عليه أن يعرف نوايا المتربصين به خاصة من المافيات الخطرة السياسية والدينية والإجتماعية والعشائرية، ومن كبار المسؤولين، وأصحاب الشركات، والتجار، والمنتفعين من التحولات الكبرى في العراق خلال السنوات الماضية، وهولاء يمكن أن يقوموا بقتل العبادي لو وصل الى مرحلة المواجهة النهائية، وإذا كان هناك من يريد محاربة الفساد فعليه التحول من الثرثرة الفارغة، الى الكلام الصريح، والدعم المباشر للعبادي، فهو لن ينجح لوحده خاصة وأن السياسيين الفاسدين ليسوا بالعشرات، ولا بالمئات، بل بالآلاف، وهم مجندون، ولديهم مجموعات مسلحة، وقوى نفوذ ومليارات تمكنوا من الإستحواذ عليها في الفترة الماضية.
العبادي سينجح بطريقة واحدة، تتمثل بمغادرة السياسيين الكذابين منطقة الحياد والتدليس والتصريحات الفارغة الى منطقة إعلان التحالف المباشر، فماتعودناه أنهم يتحدثون بوجهين، وأربعة عيون، وخمسين أذن، وينطقون بالأف من الشفاه.. أعرف إن النفاق رفيقنا التاريخي. ولكننا لن ننجح في تجاوز المحنة مالم نخفف منه، وكما يقول شاربو الخمر، مكاسر.