23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

هل يعيد التاريخ نفسه ؟

هل يعيد التاريخ نفسه ؟

-1-
ثمة قول شائع يتردد على الألسن مفادُه :

إنَّ التاريخ يعيد نفسه ..!!

والسؤال الآن :

ما معنى اعادة التاريخ لنفسه ؟

انّ هناك وقائع وحوادث سجلّها التاريخ قبل قرون من الزمن ، ونحن اليوم نشهد نظائرها ومثيلاتها تقع بيننا حتى لكانَّها هي شكلاً ومضمونا..!!

وهذا هو الذي يدفع الناس الى ترديد تلك المقولة .

-2-

وهناك من يحسن التسلق على الأكتاف ، ويُتقن فَنَّ السيطرة على الأمور، بالحيل والخدع، وبالعديد من الوسائل المحمومة … فتكون المحصلة النهائية وصوله الى موقع التاثير الحقيقي في قرارات رأس الهرم في السلطة، وقد تتاح له فرصة الاستحواذ على شؤون البلاد والعباد بأسرها، فيكون الآمر الناهي المطاع بلا نزاع ..!!

كان البرامكة بهذه المثابة عند (هارون) قبل نكبتهم، ومن (البرامكة) الى (الدكتاتور) المقبور الذي استحوذ على الامور ايام (البكر) وكان هو الحاكم الفعلي ..!!

ثم كانت نهاية المطاف ان يجرع (البكر) كأس الموت الزؤام على يديه، بعد تنحيته عن الرئاسة وتجريده من صلاحياته ..!!

-3-

وشهدت الفتره الممتدة بين (2006-2014) من كان يصول ويجول … لقربه من (المسؤول التنفيذي المباشر ) ..!!

والجدير بالذِكْر، هو بروز العنصر النسوي الى جانب الرجال في تلك البطانة الرهيبة ..!!

-4-

ويحدّثنا التاريخ عن (الفضل بن مروان) وزير المعتصم ، الذي أخذ البيعة من الناس للمعتصم في بغداد، يوم كان المعتصم بعيداً عنها، فشكر له المعتصم هذه اليد ، وجعله وزيره النافذ حتى قيل :

( كانت الخلافة للمعتصم اسماً وللفضل معنى )

ولقد تفرعن ” الفضل بن مروان ” الى حدّ اهمال أوامر السلطان والامتناع عن تنفيذها .

واذا كان هذا موقفه من السلطان فكيف يكون مع المواطنين ؟

-5-

جلس يوماً للنظر في أمور العامة ، فَرُفَعَتْ اليه رُقعة مكتوبٌ فيها :

تفرعنتَ يا (فضلُ بن مروان) فاعتبرْ

فَقَبْلَكَ كان الفضلُ والفضلُ والفضلُ

ثلاثةُ أملاكٍ مَضَوْا لسبيلهم

أبادَتْهُمُ الأقياد والحبسُ والقتلُ

وانك قد أصبحتَ في الناس ظالماً

ستؤْذَى كما أُوذِي الثلاثةُ من قَبْلُ

إنّ البشارة بالمصير الأسود، جاءته عبر أبيات من الشعر نسبت الى (الهيثم بن فراس) .

وَمَنَ هم اولئك المذكورون الذين ظَلَمُوا قبله فقادهم الظلم الى الدمار ، انهم :

1 ) الفضل بن يحيى البرمكي، وزير الرشيد وأخوه بالرضاعة، مات بسجنه في الرقة سنة 193 هجرية .

2 ) الفضل بن الربيع، الذي كان وزيراً للرشيد ثم للأمين مات 208 هجرية .

3 ) الفضل بن سهلْ، وزير المأمون الذي قتل سنة 202 هجرية .

-6-

وحين تجاوز الفضل بن مروان الخطوط الحمراء، حَقَدَ عليه المعتصم ، فنكّل به وبأهل بيته ، حتى قال فيه بعضهم :

لتَبْكِ على الفضل بن مروان نَفْسُهُ

فليس له باكٍ من الناس يُعرفُ

لقد صحب الدنيا منوعاً لخيرها

وفارقها وهو الظلومُ المعنَّفُ

الى النار فليذهبْ ومَنْ كان مِثْلَهُ

على أيّ شيءٍ فاتنا مِنْهُ نأسفُ

لقد شمت به هذا الشاعر ، وشمت به المظلومون ، وهذا شأن كل ظالم عسوف .

-7-

وأطرف الطرائف :

ان المعتصم علّل النكبة التي حلّت بالفضل بن مروان فقال :

” عصى الله في طاعتي ، فسلطني عليه ” !!

-8-

وقد جاء في كتب التاريخ :

ان المعتصم صادر أمواله، وثروة ” الفضل بن مروان ” التي صودرت هي الجذر التاريخي لثروات السلطويين المعاصرين الذين استغلوا مواقعهم فأفسدوا ونهبوا حتى أصبحوا من كبار الأثرياء في العالم ..!!

لم تكن ايام (الفضل بن مروان) مصارف تودع فيها الأموال، فقد صادر (المعتصم) من دار الفضل ألف ألف دينار، ومليون دينار أيام المعتصم ، يعجز الباحث عن تسمية ما يعادلها اليوم ..!!

كما صادر المعتصم أثاثا وآنية بألف ألف دينار، ولا ندري هل كانت الأرائك من الذهب ، كما كانت الأواني لتبلغ هذا الرقم الفلكي ؟

-9-

وقد جاء في التاريخ أيضاً

ان المعتصم سجنه لخمسة أشهر ثم أطلقه، ويبدو أنّ (ابن مروان) بمجرد العزل عن الوزراة لم يَعُدْ له في المجتمع من الخطر ما يسوّغ سجنه .

لقد كانت ثروته هي العنصر الخطير وقد انتزعت منه بالكامل …

-10-

والشعب العراقي اليوم ينتظر بفارغ الصبر استرجاع المنهوب من ثرواته، ومحاسبة اللصوص المفسدين ، على جرائمهم النكراء، ومطاردة الفارين منهم الى الخارج ، وارجاعهم عن طريق (الانتربول) وسوقهم الى المحاكم الجنائية .

إنّ (الفضل بن مروان) استغل منصبه ونهب فلم تسلم له ثروتُه، وعاد الى المربع الأول .

والمطلوب ان يعود قراصنة الجشع والسرقة الى المربع الأول أيضاً .

وكما حدّثنا التاريخ عمّا حلّ بالفضل بن مروان ، فسيتحدث التاريخ للأجيال القادمة عن أمثاله من السلطويين العراقيين، الذين انتهكوا الحرمات والقيم ، فخانوا الدين والشعب والوطن ، وتدحرجوا الى أنتن المستنقعات …..

*[email protected]