لقد كان العراق قبل التوقيع على اتفاقية عام 1975 مع ايران الشاه وبرعاية جزائرية يمتلك الملاحة بشكل كامل في مياه شط العرب حيث كانت السفن الداخلة فيه تبحر تحت قيادة مرشد بحري عراقي وعلم عراقي بما فيها السفن المتجهة الى موانئ ايران الواقعة على شط العرب ولكن بعد ان تم التوقيع على هذه الاتفاقية سيئة الصيت ، اصبح شط العرب مقسوماً الى شطرين وفقاً لخط التالوك الذي يمثل اعمق نقطة فيه حيث اصبحت السفن الداخلة باتجاه الموانئ الايرانية تبحر تحت قيادة مرشد بحري ايراني وترفع علم ايراني وبسبب تكاسل واهمال الجانب العراقي لصيانة جرف شط العرب من الجانب العراقي وانشغال النظام آنذاك بالحروب والازمات الاقليمية بدأ الشط بالانحراف عن مساره الحقيقي لاسيما مدخله حيث اصبح امتداد خط التالوك يحول ميناء العمية العراقي الى جانب الساحل الايراني اضافة الى إن شط العرب تعرض الى العديد من حوادث غرق السفن وارتفاع نسبة الاطيان وانخفاض الغاطس حتى وصل الى ادنى مستوى له في الشط بحدود (2,5) متر في اقصى جزر مما يضطر الجانب العراقي في هذه الحالة الى حلول موعد ارتفاع المد ليتسنى له ادخال السفن المتوجهة الى مينائي المعقل وابو فلوس ومنذ سقوط النظام البائد عام 2003 تم تشكيل لجنة عراقية ايرانية برئاسة وزارة الخارجية في كلا البلدين لإعادة ترسيم مسار شط العرب اضافة الى ترسيم الحدود البرية المختلف عليها بين البلدين وإن اعمال هذه اللجنة التي استغرقت وقتاً طويلاً جداً حالت دون انتشال الغوارق وحفر القناة الملاحية في شط العرب وفي هذه الحالة يعتبر العراق المتضرر الوحيد لان الجانب الايراني كما بينت سلفاً يمتلك ساحلاً طويلاً على البحر ولديه عدة موانئ على الخليج العربي إذ كان على اللجنة المذكورة ان تعيد مسار شط العرب الى ما كان عليه قبل اتفاقية عام 1975 على اقل تقدير وحسبما مثبت في الخرائط الأدميرالية الدولية اي يتم الحفر في جرف الجانب الايراني وان يقوم العراق بدفن الجرف في الجانب العراقي بالحجر حتى يتم بلوغ خط الثالوك الى موقعه الاصلي وكانت ايران قد استفادت من الوضع السياسي المضطرب وحولت مجرى نهر الكارون عن شط العرب بل ذهبت الى رمي مياه البزول لديها في الشط مما سبب ارتفاعاً في ملوحته حيث إن ذلك لا ينعكس سلباً على الزراعة في المنطقة بل يؤثر على عمر الموانئ والقطع البحرية المصممة للعمل في المياه العذبة لكن ورغم كل هذه التجاوزات نرى إن السياسة الخارجية للعراق مصرة على التفاوض لحسم ملفات حدودية مهمة مع دول الجوار رغم الوضع السياسي الحرج والذي تتربص له دول الجوار لتحقيق مغانم جديدة من الحدود العراقية علماً إن مجلس شورى الدولة ابدى تحفظه على اي اتفاق حول النزاعات الحدودية مع دول الجوار والذهاب الى التحكيم ومن ثم الى المحاكم الدولية وقد بين مجلس شورى الدولة سبب تحفظه في كتابه الموسوم ( قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام 2009) الصفحات 292/293/294 حيث بين سبب تحفظه على الفقرة (1) من المادة (16) على اتفاقية قمع الاعمال غير المشروعة ضد السلامة البحرية والتي اعتمدت من الامم المتحدة عام 1988 وفقاً للنص التالي ( وحيث إن جمهورية العراق لا تمتلك من خبرات التحكيم وامكانيات التفاوض ما يمكنها من مسايرة الدول الاخرى في هذا المجال ولكننا نرى وللأسف الشديد تسويات حدودية مع دول الجوار والتي اسفرت عن تنازلات جديدة لاسيما اتفاقية خور عبدالله المذلة مع الكويت وتسوية انحراف شط العرب مع ايران )0
بعد تسلمي منصبي كوزير للنقل في منتصف عام 2008 وحتى نهاية 2010 كان الجانب الايراني قد اقترح مشروع الربط السككي بين ايران والعراق من خلال المنفذ الحدودي الجنوبي وكان هدفه من وراء هذا المشروع هو ربط موانئ ايران الواقعة على الخليج العربي بجميع الدول الاوربية عبر القناة الجافة العراقية واقصد بها خط السكة الممتد نحو الاراضي التركية في الشمال وقد رفضت في حينه هذا الطلب رغم إلحاح الجانب الايراني وكان هدفي هو جعل هذا المطلب ورقة رابحة بيد المفاوض العراقي لإعادة شط العرب الى سابق عهده وقد ابلغت الجانب الايراني بهذا الرفض واشترطت الموافقة عليه إعادة شط العرب وفتح المنافذ المائية التي اغلقت على العراق بعد عام 2003 ولكن الضغوطات الكبيرة التي كانت تمارس للموافقة على الربط السككي بحجة المساهمة في نقل زوار العتبات المقدسة وافقنا في حينه على هذا المشروع على اساس الربط لقطار احادي السكة (المونو ريل) وبحمولة محورية لا تزيد عن (15) طن بحيث لا يصلح الا لنقل المسافرين فقط ولكن الجانب الايراني اخذ يمارس ضغوطاً اضافية للموافقة على الربط السككي المزدوج اي بحمولة تزيد عن 25طن لكي يصلح لنقل البضائع وقد رفضت الطلب مرة اخرى لمبدأين احدهما اقتصادي يتعلق بالموانئ العراقية التي تعد مفصلاً مهماً من مفاصل الاقتصاد الوطني والتي ستضرر من هذا الربط اذا ما حصل حيث سيتم تفريغ البضائع في الموانئ الايرانية دون موانئنا وهنا تنحصر فائدة العراق فقط في تعرفة النقل بواسطة خط السكك فقط عبر القناة الجافة كما ذكرت (ترانزيت) أما دون هذا الربط الذي رفضناه فإن جميع العوائد بما فيها تعرفة السكك واجور وخدمات السفن وعوائد الوكالات البحرية والخدمات اللوجستية للسفن وغيرها ستصب في صالح الاقتصاد العراقي إما المبدأ الثاني لهذا الرفض فهو سيادي بامتياز وهو إن العراق لو حصر قناته الجافة بموانئه فقط فستضطر الدول الخليجية لربط مشاريعها الاقتصادية مع اوربا بواسطة هذه القناة بدلاً من قناة السويس لذلك قلت في حينه ان الحكومة والبرلمان إذا أرادت ان تتنازل عن هذه الامتيازات وتمنح ايران الموافقة على الربط السككي معها فليكن هذا الموضوع في سلة واحدة بيد المفاوض العراقي ليكون ورقة ضغط مقابل اعادة شط العرب الى السيادة العراقية كما كان قبل اتفاقية عام 1975وفتح جميع المنافذ المائية التي اغلقت بوجه العراق من قبل ايران بعد عام 2003 (وهكذا الحال مع الكويت) ولكن ايران رفضت هذا الشرط واصرت على الطلب عارضة ان يكون المشروع بين الشلامجة والبصرة على نفقتها وقد ظل موقفنا ثابتاً برفض مشروع الربط السككي مع ايران وحينها زارني السفير الايراني في مكتبي وقدم لي عرضاً تتعهد ايران بموجبه تجديد ولايتي كوزير للنقل لأربع سنوات قادمة مقابل موافقتي على هذا المشروع الذي يلحق ضرراً بالغاً باقتصاد العراق وقد طردت السفير الايراني في حينه من مكتبي رافضاً هذا العرض وبقيت مصراً على موقفي الرافض حتى انفكاكي من وزارة النقل في 26/12/2010 0
وزير النقل السابق