18 ديسمبر، 2024 8:52 م

هل يعتبر فردية عمل المبدع نرجسيا؟

هل يعتبر فردية عمل المبدع نرجسيا؟

متابعة للمقال المعنون: المثقف «الهووي» والتباس الاسئلة، الذي کتبه علي حسن الفواز و نشره في الاونة الاخيرة، حيث يتناول فيه كعادته افكار شاذة و آراء لا تنضب في مجری الثقافة البناءة ولا النقد الهادف، بل من افتتاحية المقال الی نهايته ينتشر سمه و بغضه علی المتفوقين في المجالات الثقافية الشتی و يسميهم بالكائن النرجسي، لسبب بسيط فقط الا وهو اختلافهم في العطاءات والابداعات عن الاغلبية بما فيهم الکاتب نفسه، و عدم انصياعهم و رضوخهم للتيار السائد الذي يديره الاغلبية المسيطرة علی اصدار القرارات و من ثم تطبيقها علی المستضعفين السذج! أو کما يسميه الكاتب بـ(الجماعوية) للثقافة العربية المهيمنة…. ويسمي الخارجون عن هذا الاطر بـ:‌ « الهو»کما يشرحه الکاتب بأنه دالة على الأزمة، أو المرض، أو عقدة « اللاجماعة» فضلا عن أن هذا المثقف هو نتاج لصراعٍ ما…الی ان ينهي کلامه بالتجرء علی هذه الفئة القليلة من المبدعين بقوله ‘والتي كثيرا ماتدفعه للجنون’.
ان الكاتب يقع دوما في تناقضات سهلة و بسيطة في کتاباته دون ان يرجع الی مسار خطاب کتاباته و يلتفت الی الجمل السابقة و يلاحظها، فهو من جانب يتهم المثقف اللامنتمي بعدم ذوبانه في طاسة الجمع و يتهمه بالنرجسية ومن جهة أخری يعترف بواقع مجتمعاتنا المتخلفة التي تتبلور هوية الفرد في الجمع و تكمن نقاط الاعتراف فيها الی شهادة القبول والرضا من الجماعة التي يقودها عقول مستبدة محتكرة لکل أوجه الحياة و مرافئها وهكذا يشير الکاتب في مقاله بـ: ‘مسألة اشكالية في مجتمعاتنا المحكومة بفرضيات الطاعة والسلطة والمقدّس والايديولوجيا والجماعة والأمة والملّة’…
ان اغلب التجمعات الثقافية في بلداننا واقعة تحت تأثير السلطة، بل يديرها بشكل غير مباشر امراء و ساسة لا يوجد ربط بينهم وبين الفن والادب الا المصلحة والنفوذ، وهم الذين يصرفون لهم و عليهم الاموال و يوفرون لهم الابنية و يقيمون لهم المناسبات والحفلات والندوات الخاصة والعامة، فعن أي جماعوية يتحدث استاذنا الفاضل علي حسن الفواز؟ فليس کل مقال في مقامه و لا العبرة في ايجاد فن الكتابة أو البيان فحسب، لکن العبرة بمنهجية و أکاديمية الخطاب و وضوح رؤية الكاتب و اصابته الهدف المحقق الذي يتوقعه الجميع و ينتظرونه ان يقوله أحد کلام قلوبهم الذين لا يجدون له سبيلا لأخراجه أو عبارة مناسبة لصياغته.
هذا من جهة و من جهة أخری وقع الکاتب في اشکالية فكرية عجيبة لا يستطيع الخروج منها الا بالاعتراف بخطئه والرجوع عن کلامه الذي ينافي کل ابداعات المبدعين للمجتمع البشري علی مر العصور سواء أکانت علمية أم ثقافية أو فلسفية…والخ، فلكي نعيد الکاتب الی صوابه يجب ان نذکره بحقيقة بسيطة الا وهي دور و فعالية الجهود الفردية في انجاز کل الاکتشافات و الابداعات العلمية والادبية و ايجاد المدارس الفلسفية و الفکرية و الفنية علی مدار الزمان، فعلی سبيل المثال هل يصح للکاتب أن يقول لو کان أديسون منتميا لجماعة ما و خضع لنهجهم و طبق أوامرهم و فعل کل ما بوسعه فعله لآرضائهم و تشبيه نفسه بهم لکان ذاك الاديسون الذي اکتشف الانارة و طاقة الكهرباء و لکان بوسعه نقل المجتمع البشري من الظلام الی النور؟ أنا أتصور لو کان ألبير كامو عاش في زمن کاتبنا العزيز لأتهمه بنزعة التعالي والانغلاق والهزيمة أيضا كما طرحه في مقاله هذا.
کفانا أصدار احکام مسبقة علی الذين يريدون أن يکونوا أنفسهم لا غيرهم ولا يفعلون ما نريد أو لا ينتمون الی جماعتنا، فلربما نکرههم في داخلنا بسبب تفوقهم علينا و اختلافهم عنا، لكن في النهاية سيستفيد الجميع من ضيائهم و لا نستطيع انکار و اخفاء ضوء الشمس في وضح النهار، ولكن من الجهة الثانية تداول مواضيع کهذا في واقعنا السياسي المنحرف يعتبر من الافرازات الطبيعية للتيار السائد الذي طغی علی كل أوجه الحياة و فرض واقعه، کما يتواجد في المجتمعات البدائية القبلية أو حتی ما يلاحظ في طبيعة حياة الغاب للملوقات الاخری”انت لست شيئا دون انتمائك للقطيع”.