23 ديسمبر، 2024 2:05 ص

هل يشكل تعيين المحامي او الموظف الحقوقي في القضاء مخالفة دستورية؟

هل يشكل تعيين المحامي او الموظف الحقوقي في القضاء مخالفة دستورية؟

مناقشة في أسباب رفع الدعوى العدد 157/اتحادية/2021 في 9/1/2022
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها العدد 157/اتحادية/2021 في 9/1/2022 الذي قضت فيه بعدم دستورية المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي كان النص فيها على وفق الاتي (يجوز تعيين المحامي والموظف من حملة شهادة البكالوريوس في القانون قاضياً بمرسوم جمهوري اذا أمضى مدة لا تقل عن عشر سنوات في مهنة المحاماة أو العمل بالمحاكم ولم يتجاوز عمره خمسين سنة استثناءً من شرط التخرج من المعهد القضائي). وللوقوف على ما ورد في عريضة الدعوى التي أقامها رئيس مجلس القضاء الاعلى إضافة لوظيفته ويطلب فيها من المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية ذلك النص والتي كانت سبباً للحكم بعدم الدستورية لذلك ساعرض لأسبابها مع المناقشة وعلى وفق الاتي:
السبب الأول: أن القانون المذكور آنفاً شرع في ظل دستور جمهورية العراق لسنة 1970 وفق الظروف السياسية والاقتصادية التي كانت متبعة في ظل النظام السابق.
مناقشة السبب : اذا كان نص المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي فيه مسايرة للظروف السائدة في ظل دستور 1970 الملغى، وان هذا يتقاطع مع ما عليه الدستور الحالي، فان المادة القانونية بتعيين القضاة من خلال المعهد القضائي أيضا صدرت في ظل ذلك الدستور وفي نفس الظروف لأنها وردت في الفقرة (أولاً) من ذات المادة والتي جاء فيها الاتي (يشترط في من يقبل في المعهد القضائي او يعين قاضيا او عضوا في جهاز الادعاء العام ان يكون عراقيا بالولادة ومن أبوين عراقيين بالولادة)، وبذلك تكون علة وجود النصين واحدة، واذا من انتفت من احدهم تنتفي عن الأخر، فما الداعي للطعن بشق وترك الشق الثاني طالما سبب النعي عليهم واحد.
السبب الثاني: أن نص المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي مخالف لأحكام الدستور ولمبدأ الفصل بين السلطات وفقاً لما جاء بأحكام المادة (47) مـن الدستور التي نصت على (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات).
مناقشة السبب: يجب الالتفات إلى نص المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي، لم تصدر في ظل الدستور السابق، وإنما اصبح النص فيها بموجب الدستور النافذ، لان النص الطعين قد تم تشريعه بموجب القانون رقم 3 لسنة 2007 قانون تعديل قانون التنظيم القضائي، وهذا نفى توفر السبب أعلاه، ومع ذلك ما هو وجه التدخل في سلطة القضاء بموجب النص الطعين، فهل يتم التعيين من مجلس النواب أو مجلس الوزراء، حتى ينهض لدينا سبب التداخل بين السلطات؟، بل على العكس هو اختصاص حصري لمجلس القضاء الأعلى هو من يختار وهو من يعين، مثلما يختار المقبولين في المعهد القضائي ومن ثم تعيينهم وعلى وفق قانون التنظيم القضائي أعلاه.
السبب الثالث: إن ممارسة السلطة التشريعية لاختصاصاتها بسـن القـوانين مقيـدة بحـدود معينـة وهـي عـدم المساس باستقلال القضاء كونـه يعـد مساساً لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية الأمر الذي يستلزم عدم وجوب إصدار القوانين المتعلقة بشؤون القضاء إلا بناء على اقتراح من السلطة القضائية فيتوجب أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى بالتشريعات التي تخص القضاء باعتباره الجهة التي تتولى شؤون الهيئات القضائية وفقاً لما جاء بالمادة (90) من الدستور وبالتالي فإن اتجاه المشرع إلى تشريع المادة (36/ثالثاً/أ) المطعون بدستوريتها يعد تدخلاً في عمل السلطة القضائية
مناقشة السبب: ان السبب أعلاه اذا ما كان له حضور فانه يجب ان يسري على مجمل القانون وليس على فقرة من فقراته، لأنه صدر في ظل دستور لم يمنح السلطة القضائية استقلالها المؤسساتي، ولم يكن في حينه مجلس قضاء اعلى حتى تتم استشارته، فكيف لنا ان نقبل به سبباً للطعن بجزء منه وترك ما تبقى. كذلك بالنسبة لسائر النصوص القانونية الأخرى التي تنظم العمل القضائي، كما لابد من الالتفات إلى امر اخر، بان النص الطعين كان قد تم تعديله بموجب قانون تعديل سابق رقم 3 لسنة 2007 وبناء على مقترح من مجلس القضاء الأعلى وفي ظل الدستور النافذ، فلماذا يتم الحكم بعدم دستوريته اذا كان السبب عدم استشارة مجلس القضاء الاعلى.
السبب الرابع: إن المادة المطعون بدستوريتها مخالفة لما ورد بقانون المعهد القضائي رقم (33) لسنة 1976المعدل حيث نصت المادة الأولى منه ( يؤسس في مجلس القضاء الأعلى معهد، يسمى (المعهد القضائي)، يرتبط برئيس مجلس القضاء الأعلى، يهدف إلى إعداد مؤهلين لتولي الوظائف القضائية، حكاماً ونواب مدع عام، وتأهيل موظفي مجلس القضاء الأعلى والمرشحين لإشغال الوظائف فيه، ورفع كفاءتهم، وكذلك رفع المستوى القانوني للعاملين في الدوائر القانونية لمؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية) ونص أيضاً في المادة (22) منه على (لا يعمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القانون) وبذلك ووفقاً لقانون المعهد القضائي آنف الذكر تكون مهمة إعداد القضاة ونواب الادعاء العام من مهام المعهد القضائي حصراً استناداً لما ورد بالمادة الأولى من قانون المعهد القضائي كونه القانون المختص بإعداد القضاة وأعضاء الادعاء العام.
مناقشة السبب: ان عدم الدستورية تكون بمخالفة النص القانوني لنص دستوري، أو لانحراف في عملية تشريعه على خلاف اليات التشريع الدستورية، لان الدستور هو القاعدة القانونية الاسمى ولابد من تطابق جميع النصوص القانونية لمواد ومبادئ الدستور، وهذا من بديهيات فقه القانون والقضاء الدستوري، أما مخالفة نص قانوني لنص اخر له نفس القوة في التدرج التشريعي، فانه لا علاقة له بالمخالفة الدستورية وإنما نكون أما تنازع بين القوانين الداخلية، وهذه تخضع لقواعد فض التنازع بين تلك القوانين ومنها القاعدة القانونية الواردة في المادة (10) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل وملخصها القانون اللاحق ينسخ السابق، وقاعدة الخاص يقيد العام وغيرها من قواعد فض التنازع، وهذا التنازع ان كان له وجود، فانه لا يشكل مخالفة دستورية ولا يجوز ترجيح نص على نص اخر واعتبرا احدهم اسمى من الآخر لان لهما نفس القوة في التدرج التشريعي، ويبقى كلا النصين قائمين حتى يتم الغاء احدهم او كلاهما من السلطة التشريعية، أو يتولى مطبق القانون إهمال احدهم واعمل بالآخر، وهذا فعلا ما كان عليه الحال في مجلس القضاء منذ أواخر عام 2015، لم يتم تفعيل ذلك النص، وفي النتيجة هو خيار مشرع، وليس لأي جهة ان تتدخل في خياراته طالما ضمن نطاقها الدستوري، مع قانون المعهد القضائي أيضاً صدر في ظل دستور عام 1970 وفي نفس صدور قانون التنظيم القضائي.
السبب الرابع: مهمة إعداد القضاة ونواب الادعاء العام من مهام المعهد القضائي حصراً.
مناقشة السبب: ما المانع من قبول المحامين أو الموظفين الحقوقيين ممن لديهم خدمة لا تقل عن عشرة سنوات وتعيينهم قضاة ومن ثم يتم تأهيلهم في دورات داخل المعهد القضائي أو معهد التطوير القضائي، مع الالتفات ان من يقبل من المحامين هم ذاتهم قد يقبلون في المعهد القضائي، فضلا عن انهم من ذوي الخبرة الأكبر لان شرط القبول في المعهد القضائي يشترط ان تكون له ممارسة تقل عن ثلاث سنوات بموجب المادة (7/تولا/ك) من قانون المعهد القضائي رقم 33 لسنة 1976 المعدل بينما نص المادة (36/ثالثاً/أ) من قانون التنظيم القضائي اشترطت مدة ممارسة لا تقل عن عشرة سنوات.
ملاحظة: قرار المحكمة الاتحادية العليا لم ينشر في موقعها الالكتروني لغاية الان مع انه صدر بتاريخ 9/1/2022 وانما تم العثور عليه في هوامش قانون التنظيم القضائي في قاعدة التشريعات وعلى الرابط الاتي
https://iraqld.hjc.iq/LoadLawBook.aspx?SC=260420225031484