17 نوفمبر، 2024 2:38 م
Search
Close this search box.

هل يستفيد العراق من حروبه وازماته ويضع حداً لتكرار سيناريوهات الاندحار ؟

هل يستفيد العراق من حروبه وازماته ويضع حداً لتكرار سيناريوهات الاندحار ؟

مرَ العراق المعاصر منذ عام 1970 لغاية اليوم بفترات إزدهار وفترات إندحار ، المتابعة الدقيقة لهذه الفترات الزمنية تشير الى إن العراق في كل 10 سنوات يَشهد هذه الاوضاع المزدوجةالمعقدة ، يبدأ او ينهي عقده إما بحروب أوازمات واضعاً حد لفترة انتعاش كان من الممكن لو استمرت ان تخلق حالة من الأستقراروالازدهار للمجتمع العراقي بمجمله .
شَهدت فترة السبعينات في العراق ازدهاراً كبيراً وكان من الممكن لو بقت تلك الفترة وامسكت بتلاليب العلم والفكر وابتعدت عن الزعامات والتحزب لَنقلت العراق الى مصاف الدول المتقدمة وسارت بمحاذاة ماليزيا وسنغافورة وتايلاند واندنوسيا ، للاسف انتهت هذه الفترة بانقلاب على المجموعة المُؤسسة والساقية لبذور العقود السابقة .
نأتي الان إلى عقد مهم من تاريخ العراق المعاصر وهو عقد الثمانينات ، حَطمت بدايتهُ اّمال العراقيين، وزَجت بهم في أتونِ حرب مشتعل،يَإسَ العراق والعالم من انها ستقف يوماً ما ، قَتلت الحرب مع ايران كل ماتم بناءه ،أَحبطت امال الشباب الذي كان يَتطلع مستقبلهُ بعين واثقة متأملة ،انتهى دور المؤسسات المدنية وأُستبدلَ ببناء الالة الحربية الساندة لجبهات القتال ، اصبح العراق يكافح من اجل انهاء الحرب ، توقفت الكثير من المشاريع السيتراتيجية او أُجلت ، إنسحبت الكثير من الشركات الاجنبية التي كانت تعمل في العراق.
بعد معاناة كبيرة وطويلة، انتهت الحرب وتنفس العراق الصعداء وبدأت مرحلة جديدة من الامل والتطلع لتعويض السنوات الثمانية الماضية التي اتعبت الاقتصاد العراقي الفتي ، فعلاً كانت مرحلة جديدة أَعطت العراق املاً جديداً في استمرار مسيرته التنموية وبناء مؤسسات مدنية قادرة على تحقيق قفزات كبيرة في التنمية ، تميزت هذه الفترة باستقطاب كبير وجديد للشركات الاجنبية،وعروض كبيرة قُدمت من قبل شركات امريكية واوربية كبرى لبناء مصانع في العراق وخير مثال على ذلك شركة جينرال موتورز الامريكية.
العقد الثمانيني يكاد ينتهي وينهي معه اطول حرب في التاريخ المعاصر، والأمل يحذوا العراقيين والعالم بان هناك دولة عربية اذا ما أًحسنت التخطيط والادارة وأَقتنصت الفرص المتاحة لها ستصبح دولة مركز في الشرق الاوسط . العراق الجديد والعراق الخارج من اطول حرب منتصراً شامخاً ، يُنظر اليهِ بنظرة احترام واكبار،بدأتْ الدول تتقاطر على العراق وتطلب منه توقيع الاتفاقات والمعاهدات ، تخلت العديد من الدول الكبيرة في ذلك الوقت عن مكانتها المتقدمة للعراق ، فاسحتاً المجال للعراق ان يتبوأ المرحلة بكل تفاصيلها .
انتهى عقد الثمانينات وبدأَ عقد التسعينات وما كادت السنة الاولى تنتهي إلا والعراق يقع مرة ثانية في حرب مع العالم جميعاً ، اذن نحن في مشكلة متكررة ، العراقيون لا يستطيعون الحفاظ ومواصلة مرحلة التنمية ، هذه المرة العراق يدخل في نفق مظلم لا يخرج منه الا من خلال حرب استمرت اشهرلاخراجه من الكويت ، دمار لمنشاته المدنية والعسكرية والبنية التحتية وحصار استمر ثلاثة عشرعام اذل العراقيين واجاعهم وضربات جوية مزاجية لمنشأته المدنية والعسكرية، وفرق تفتيش اممية تدخل وتخرج منشأْت ومؤسسات العراق ولا يستطيع احد ان يعترض ، واخيراً اطفال العراق يموتون باعداد كبيرة بسبب نقص الغذاء والدواء.والشيء المثير،انه رغم كل هذا البلاء والازمات والحروب التي مر بها العراق خلال العقدين المذكورين اعلاه، هناك الأن الكثير من العراقيين يتغنون ويحنون لعصر الثمانينات والتسعينات .
نأتي الان الى بداية اول عقد من الالفية الثالثة ، للاسف لم يكن افضل من سابقيه وتكرر نفس السيناريو ، شَكلت بدايته اسوء مرحلة في تاريخ العراق ، مرحلة شبهها الكثير باحتلال هولاكو لبغداد ،انها مرحلة الاحتلال الكارثي للعراق واسقاط دولته ومؤسستاته المدنية والعسكرية، وتغيير هويته العربية الى هوية هجينة .أحتلوا العراق بحجج تدمير اسلحة الدمار الشامل ، لم تكن هناك اية اسلحة للدمار الشامل ، بدات المرحلة بدخول كبير للقوات الامريكية والبريطانية الاسترالية ،رافقها وعود كبيرة لبناء عراق جديد ، لكنها للاسف لم تكن الا مجرد اكاذيب. تميزت المرحلة باخطاء كارثية ارتكبها الامريكان اولها حل الجيش العراقي واجتثاث البعث وتشكيل مجلس حكم يقوده الحاكم الامريكي بول بريمر ،دستور جديد وانتخابات نيابيةومحلية كل اربع سنوات، رافقها فترة مقاومة شرسة للاحتلال افقدته توازنه وجعلته يفكر بالانسحاب وترك العراق . حرب اهلية فككت نسيج العراق الاجتماعي ، هجرة كبيرة للعرقيين الى دول الجوار ،ظهور الارهاب باقوى صوره متمثلاً بالقاعدة والمليشيات والفصائل المتطرفة مع مشاهد اعتاد العراقيون على رؤيتها يومياً تمثلت بالجثث في الشوارع .
شهدت السنين الاخيرة من هذا العقد استقراراً نسبياً وبدا في الافق ان هناك امل وان العراق من الممكن ان يعود مجدداً . جَرت انتخابات وشُكلت أحزاب ووُقعت اتفاقية جلاء مع القوات الامريكية وبدأت عجلة الحياة تعود مجدداً بخطوات يشوبها الحذر ، انتهى العقد والكل اعتقد ان العراق تجاوز ازمته ومن الممكن ان يبدأ المسيرة من جديد .
بدأَ العقد الثاني من الالفية الثالثة بتوقيع اتفاقية الجلاء للقوات الامريكية ، مع ظهور واسشراء الفساد الاداري والمالي والتهميش والاقصاء والاعتقالات والبناء الغير مهني لمؤسسات الدولة العسكرية ، تحزبت الجامعات والمؤسسات الحكومية وتحزب الجيش وباقي التشكيلات العسكرية والامنية ، مَهدت هذه الامراض الى احتقان الشارع وإلى نشاطات الارهاب المتمثلة بالتفجيرات اليومية والاختطاف والاغتيال وغيرها من الممارسات . تميزت بداية العقد بالعديد من الاحداث المهمة التي كان لها شان كبير في وصول العراق الى مرحلة الاندحار والتفكك،أهمهاظهور المظاهرات الكبيرة في مختلف المدن العراقية المعبرة عن سخط الشعب ضد حكوماتهِ وكان ختامها الاعتصامات التي بدأت على الخط السريع في الانبار ومن ثم امتدت لتشمل صلاح الدين والموصل وديالى وكركوك ، اعتصامات متواصلة كانت بداياتها مشجعة وأعتُبرت من اهم الحلول السلمية لاستعادة الحقوق ، تجاوب حكومي محدود للمطالب أدى الى إنحرافها، وبدأت تشكل اتون حرب وقوده خطب الجمعة المحرضة وعسكرة بعض اجزاء ساحاتها ، سنة كاملة من الاعتصام ولا حلول ، انتهت السنة بأعتقال اكبر رموزها وهو الدكتور احمد العلواني ودخول القوات الامنية داخل الساحات وحرق الخيم وازالة المنصات ، لكن يتفاجأ الجميع بظهورداعش بقوة واحتلاله للمدن السنية وتهديده بغداد وباقي المحافظات العراقية ،تلاه نزوح ملايين العراقيين من مدنهم وقراهم الى مخيمات النزوح والى مدن اقليم كردستان .
مَهدت هذه المرحلة لعودة التواجد الامريكي والايراني والغربي داخل حدود العراق وبدء مرحلة تحرير المدن وإغاثة النازحين ، تحررت تكريت والرمادي والفلوجة والموصل وبقية البلدات والقرى ، اندحر داعش داخل المدن العراقية وبقى مرابطاً في الصحاري والجبال ينتظر فرصة اخرى ملائمة لعودته ، السؤال هل يقع العراقيون بنفس الخطا الذي عادةً ما يرتكب كل عشرة سنوات ، نحن في عام 2018 تجاوزنا خطر داعش وخطر التقسيم وخطر المجاعة والنزوح وبقى امامنا اخطار اخرى تتمثل بالفساد والتدخل الخارجي وعسكرة الفصائل والعشائر وعدم وجود رؤية واضحة وتأخر ملف المصالحة الوطنية ، والاكثر من ذلك اضمحلال ثقة المواطن بحكومته ومؤسساته ، يضاف اليه ما يحدث هذه الايام من تزوير كبير وفاضح للانتخابات وتلاعب باصوات الشعب وحرق المخازن التي تحوي صناديق الانتخابات .
يمرالعراقيون حالياً في وضعين متناقضين،الاول يبعث الامل ببناء العراق على اساس عادل والمتمثل بأندحار داعش وتمكن العراق من إصلاح و بناء مؤسسات عسكرية وأمنية قادرة على حماية كل اطياف الشعب العراقي وعدم التمييز بين مكوناته . ألوضع الثاني لا يبعث بالامل ويكاد يخنق الوضع الاول ويجرده من بريقه ،ويتمثل بالفساد والتزويروهي قضايا ليست بالجديدة لكنها برزت في انتخابات 2018 بصورة كبيرة جداً وتكاد تنسف كل الانتصارات السابقة . نكرر السؤال هل تكون بداية العقد الثالث من القرن العشرين مشابهة لبدايات العقود السابقة . الكرة في ملعبنا جميعاً ، اذا انزلق العراق هذه المرة الى حروب او ازمات مشابهة لسابقاتها ، فان حالة الاستشفاء والاستقرار لدى العراقيين حالة بعيدة كل البعد عن سلوكيات ومنهجيات العراقيين جميعاً .

أحدث المقالات