على الرغم من كثرة الازمات وضراوة الحروب التي حلت على التشيع ، ومنذ تولي حكام الجور السلطة في البلاد ، ألا أنهم يخرجون في كل هذه المحن وهم أقوى من السابق ، ومع وجود التحدي الاقتصادي الذي استخدمه الطاغية ضد المجتمع العراقي ، ومحاولة خنقه وقتله ، إلا انه ظل محافظاً ومتماسكاً ، ولم يتأثر بالماكينة الاعلامية والقمعية للنظام البائد ، وظل محافظاً على بنيته الاجتماعية ومنهجه الفكري ، وظل هذه المجتمع محافظاً على تماسكه وتوازنه ، الى درجة لفت انظار العالم ، وخير مثال عل ذلك هو دوره الابرز في حربه الضروس ضد تنظيم داعش ، الذي سطر فيها أروع الملاحم والبطولات ، حتى أضحى درساً بليغاً للعالم اجمع ، وكل هذا حصل في ظل ازمات وصراعات ، جعلت من المجتمع الشيعي مدافعاً عن نفسه اكثر من كونه المهاجم .
التشيع ومنذ ولادته كإتباع اهل البيت (ع) تعرضوا وعلى مدى عقود من الزمن الى أنواع التنكيل والقتل والتعذيب ، بل والتهجير المنظم والذي كان من أهم الاسباب المباشرة في تراجعهم سياسياً ، إذ لم يظهر لنا سياسيين شيعة خصوصاً في العراق ، قادرين على ادارة الملفات الكبيرة والمهمة ، ويمكننا فقط الوقوف عند شخصية واحدة ألا وهي السيد محمد باقر الحكيم (قدس) ، والذي كان صوت المظلومية الشيعية ، والمنادي بحقوق التشيع ، على الرغم من الاساليب الصدامية المتبعة ضد الحكيم ، بل عموم معارضيه ، إلا ان الشهيد الحكيم أستطاع من تسخير كل الجهود والإمكانات من أجل خلاص العراق من الطخمة البعثية .
بعد احداث عام 2003 أستطاع الشيعة من مسك زمام السلطة ، وعملوا على طمأنة الجميع أن لا انتقام في لغة الشيعة ، بل عمدوا الى أعادة الجميع الى مكانته ، وعلى الرغم من عدم مشاركة السنة في بادئ الامر في الانتخابات إلا ان الشيعة كانوا حافظين لهذا المبدأ ، في ضرورة مشاركة الجميع في السلطة ، كما لم تؤثر النزعة الطائفية على توجهات شيعة العراق، وظلوا متمسكين بالوحدة الوطنية إلى أبعد الحدود، وللإنصاف كانوا هم أكثر من ضحى لاستقلال العراق ووحدته، وأكثر من خسر وتضرر، وكأن السلطات تكفلت بالانتقام منهم نيابة عن المحتل الأجنبي.
وحينما وصلت الأوضاع إلى أزمتها المتفجرة الحالية، لم يطرح شيعة العراق شعار الانفصال أو فكرة مشابهة على الإطلاق بل أجمعت الفصائل الشيعية الفاعلة في المعارضة العراقية حتى اليوم على وحدة العراق الوطنية وضرورة الحفاظ عليها كهدف استراتيجي ثابت.
إن وحدة العراق بحدوده الرسمية الحالية ووحدة شعبه بكل فئاته وقومياته وأقلياته، مطلب شيعي وخط ثابت يتمسك به شيعة العراق، وهو ما يمكن ملاحظته في كافة سياقات الخطاب الشيعي مهما اختلفت مصادره.
إن شيعة العراق أثبتوا تاريخياً أنهم يضحون بحقوقهم من أجل المصلحة الوطنية، وأن مطالبتهم بحقوقهم السياسية والمدنية ورفضهم للسياسة الطائفية هو نهج وطني مخلص، من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية، وهو أمر يجب أن يأخذه في الاعتبار كل عراقي مخلص ويضعه في قمة الأولويات والثوابت الخاصة بمستقبل العراق.