22 ديسمبر، 2024 8:52 م

هل يحصد أردوغان مازرعته يداه ؟؟

هل يحصد أردوغان مازرعته يداه ؟؟

شكل مصرع 30 ناشط كوردي في بلدة سوروج التركية الحدودية مع سوريا اثر عملية انتحارية نفذتها الخلايا النائمة لتنظيم داعش وما أعقبها من حوادث اطلاق النار استهدفت قوات الجيش والشرطة وسقط فيها جندي وشرطيين نقطة تحول في السياسة التركية المتحفظة حيال الانخراط الفعلي في الحملة العسكرية التي يقودها التحالف الدولي ضد معاقل التنظيم المتطرف في سوريا والعراق .

الرد العسكري التركي لم يتأخر فقد منحت أنقرة لسلاحها الجوي الضوء الأخضر لدك أهداف حزب العمال الكوردستاني في العراق و داعش في سوريا ودخلت قواتها البرية في اشتباكات حدودية مع مقاتلي داعش كما وافقت الحكومة التركية أخيرا على السماح لطيران التحالف الدولي بتنفيذ غاراته ضد المتطرفين انطلاقا من قاعدة أنجرليك وهي اجراءات رافقتها حملة مداهمات واعتقالات طالت مايزيد على 250 مشتبه بانتماؤه لداعش وحزب العمال والتنظيمات اليسارية المتطرفة واغلاق المنتديات الجهادية على الشبكة العنكبوتية ناهيك عن تشديد الاجراءات على الحدود لمنع تدفق المقاتلين الأجانب الى سوريا.

طوال الفترة الماضية كانت علامات استفهام كثيرة تدور حول طبيعة العلاقة بين داعش وتركيا تخللتها اتهامات متتالية من أطراف اقليمية ودولية متعددة لأنقرة بدعم التنظيم المتطرف من خلال تسهيل مرور الأف المقاتلين الأجانب عبر أراضيها باتجاه سوريا أو حتى بالسلاح الذي قدم لمايسمى بالمعارضة المعتدلة وتلقفته أيادي مقاتلي التنظيم بطريقة ما !!! فرضية العلاقة التركية مع داعش عززتها صفقة اطلاق سراح الرهائن الأتراك في الموصل وأكدها التواطأ المفضوح في معركة كوباني أمام مرأى ومسمع العالم بأسره ، وهنا لايفوتنا بيان عدم دقة مايوصف اعلاميا ب “التردد التركي” في محاربة التنظيم المتطرف فالعلاقة بين أنقرة والرقة لم تكن عدائية بأي حال من

الأحوال بل ان تركيا استخدمت داعش كأداة للتعجيل بسقوط نظام الأسد من ناحية وتضييق الخناق على الأكراد الساعين لانتزاع منطقة حكم ذاتي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا من ناحية أخرى.

ان الصلات التي جمعت بين حكومة حزب العدالة والتنمية وداعش كلفت الرئيس أردوغان خسارة الأغلبية المطلقة في الانتخابات الأخيرة وهو ماأجبره على اللجوء لخيار تشكيل حكومة ائتلافية ( لم ترى النور بعد) ونسفت عملية السلام الهشة مع الأكراد وانهارت معها الهدنة مع مقاتلي حزب العمال نتيجة تساهله مع داعش أولا (من وجهة نظر الطرف الكوردي) واختلاف النوايا ثانيا ففي حين سعى أردوغان لطوي صفحة القضية الكوردية لغرض تحقيق انجاز سياسي داخلي يضاف لسلسلة نجاحاته في المجال الأقتصادي ومحاولة استيعاب الكورد بمنحهم المزيد من الحريات والمشاركة السياسية والحقوق الفكرية والاعتراف بأرثهم الثقافي وكذلك وقف استنزاف الجيش التركي في صراع مسلح ممتد منذ العام 1982 كان الأكراد يهدفون لتحقيق حلمهم باقامة منطقة حكم ذاتي في الجنوب التركي وهو مالايمكن لأي حكومة تركية الموافقة عليه .

لقد بدأت تركيا تدرك جيدا بأن المتغيرات الاقليمية التي أفرزها الاتفاق النووي مع ايران جعلت من هدف القضاء على داعش على رأس اولويات القوى الغربية وليس سقوط النظام السوري كما تطالب أنقرة وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني فيلب هاموند الذي شدد في كلمة أمام برلمان بلاده “على الحفاظ على النظام وبنية الدولة السورية وعدم السماح بتكرار ذات الأخطاء المرتكبة في ليبيا والعراق مع ضرورة حصول تغيير سياسي في الوقت ذاته” وهو مايشير الى رغبة أو اتفاق لاحق يقضي بتنحية بشار الأسد دون المساس بالنظام ومؤسسات الدولة ، ومن هنا فأن انضمامها الفعلي للحرب (أي تركيا) جاء في هذا السياق ورغبة منها في اقامة المنطقة الأمنة في الشمال السوري (وهو المقترح الذي تجاهلته القوى الغربية مرارا وتكرارا) لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين و دعم الفصائل الاسلامية المعارضة السورية التي تتردد واشنطن في دعمها قياسا بوحدات حماية الشعب الكوردية في الوقت ذاته يسعى الرئيس التركي باستهدافه العسكري لحزب العمال الكوردستاني للخروج من أزمته السياسية الداخلية باللعب على الوتر القومي الحساس ومحاولة استمالة الحركة القومية (78 مقعد) على وجه الخصوص للقبول بالانخراط في حكومة ائتلافية .

ان التحرك التركي المتأخر ضد داعش مهم وضروري لاعتبارات جغرافية وسياسية وأمنية وهو ماسيعزز من مكانة تركيا ونفوذها في المنطقة ودورها عموما خصوصا في ظل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة والتي بدأت عمليا بالتعامل مع دول الشرق الأوسط ككيانات مذهبية وهو مايتطلب انشاء تحالف سني منظم وحليف للغرب في آن واحد (تركيا هي المرشح الأقوى لتزعمه) يتولى ابتداءا مهمة القضاء على داعش المتمددة فعلا بحجة مواجهة المشروع الايراني الساعي لتحقيق أجنداته الخاصة هو الأخر تحت شعار مكافحة الارهاب وهو مايتطلب كبح جماحه لاحقا لغرض اعادة رسم خريطة المنطقة أو فدرلة دولها على أساس طائفي وعرقي على

أقل تقدير وهو مايمكن التنبأ به مع قرب انطلاق معركة تحرير الرمادي بقوات عشائرية سنية مدربة أمريكيا مدعومة بالجيش العراقي حصرا واجبار الحوثيين على الانسحاب من عدن .

الأيام القادمة كفيلة ببيان مآلات هذا المشهد المعقد ومدى قدرة أنقرة على خوض عدة حروب في أكثر من جبهة وفي وقت واحد ؟ أم ان الوقت قد حان ليحصد أردوغان مازرعته يداه؟