يبدو أن النظام السياسي في العراق والذي أُستحدث بعد عام 2003 كُتب عليه ان تكون نهاياته مفتوحة وخواتيم ربما لن تكون مشاهدها الأخيرة بأحسن من ذلك التوصيف الذي يُدعى (التشاؤل)، فالطبقة السياسية التي دخلت البلاد مع الدبابات الأمريكية ونالت إستحسان بول بريمر ومن هم بعده أو حتى قبله لم تستطع على الأقل أن تمتلك الحدود الدُنيا من الوطنية في مقوماتها من توفير الماء والكهرباء والوظائف التي هي من ضروريات الحياة، وليس باب البَطَر أن يكونوا من دُعاة السيادة والكرامة ونبذ التبعيّة.
تلك المنظومة السياسية التي تجمع المتناقضات والمتعاكسات فهي التي عاثت فساداً في هذا البلد وأحرقت الحرث والنسل لتبدأ دورة حياتهم السياسية الجديدة بِمُطالبة روادها بضرورة توفير الأرضية اللازمة لإيجاد مؤتمر وطني شامل يدعو إلى تصفير الأزمات، وربما للبدأ بدورة حياة جديدة للعبث والفساد متناسين أن الغُفران يأتي مرة واحدة للفعل الخاطئ، لكن تكراره يعني أن التسامح يكون في قمة الغباء والسذاجة، ولهذا وفي لحظات الذروة العقلانية في تفسير مايحدث في العراق يكون الإستنتاج الذي لايقبل التأويل هو أن يبقى الوضع العراقي على ماهو عليه قلِقاً مُرتبكاً قد يميل إلى الإنحدار لكن من الصعوبة أن تجد من يُساعده على النهوض خصوصاً وأن هناك أطرافاً داخلية وخارجية إقليمية ودولية ترغب ببقاء الوضع على ماهو عليه، مايبدو حصول إتفاق جمعي وتعاون مُتبادل لإعلان الوصاية السياسية والإقتصادية أو الإنتداب عليه بعد أن أدركوا أن هذا البلد مَنجم لاينضب من الخيرات التي يطمع بها الطامعون في إقتناع كامل أن شعبه لايستحق التنعّم بخيرات بلاده.
يبقى الوضع كما هو ليس إلى التفاؤل أو حتى للتشاؤم يتحكم به (كونترول) خارجي لتحريك بيادق اللعبة من الداخل وفق ماتقتضيه المصالح والضرورات.
ثوب السياسة في العراق لم يعد يحتمل مزيداً من الترقيع تحت عناوين مؤتمر وطني شامل أو حتى إنتخابات مُبكرة لأنه أصبح ثوباً مُهلهلاً بان عليه التمزق ولن ينفعه أي ترقيع الذي هو بواقع الحال ترحيل للأزمة إلى إشعار آخر، لسبب بسيط لايحتاج إلى (مُتفيقه) وهو أن دُعاة هذه الحلول أصبحوا يُمثلون الحجم الأكبر من المشكلة وليس جُزءاً من الحلّ، فهل يستطيع أياً منهم أن يجمع النقيضين؟.
واقع النظام السياسي في العراق مُستعصي الحلول يحتاج إلى نهايات واقعية أو حتى إلى عملية كُبرى لإقتلاع ذلك الورم الخبيث الذي إستفحل في الجسد وأصبح ينهش في أعضائه ويحتاج إلى جرّاح ماهر وعملية إستئصال ناجحة…فهل يحدث ذلك؟ هذا مايأمله العراقيين عسى أن يُغيّر واقعهم.