23 ديسمبر، 2024 3:28 م

هل يتمكن الأزهر الشريف من حمل لواء الوسطية

هل يتمكن الأزهر الشريف من حمل لواء الوسطية

الوسطية من يستطيع حمل لوائها يتمكن من جمع شتات الأمة ويعيد توحيدها ، وهذا الأمر ليس سهلاً كما يبدو لأنه يحتاج إلى توافر ميزات بحامل اللواء ، منها قدرته على تشخيص علل الأمة ليتمكن بعدها من وضع الحلول الناجعة لها ، ولكي يشخص العلل والأمراض بعيداً عن المجاملة أو الإستحياء أو الخوف فهو يحتاج للشجاعة ، لأن بعض أمراض هذه الأمة تعد صحفاً مقدسة ورموزاً فوق الشبهات والنقاش والطعن ، ولهذا يجب أن تتوفر فيمن يتصدى لذلك شجاعة القلب في مواجهة طاغوت المجتمع وفراعنة السياسة والحكم وكهنوت المعابد ولصوص القداسة ، وهذه المواجهة ستكون هي البداية الصحيحة لكون أهم أمراض مجتمعنا أنه أصبح مدجناً لرموز وشخصيات تسيطر عليه عبر إشاعة ثقافة القطيع من خلال الحكم بالموت السريري للعقل وهو الهبة العظيمة والكبرى من الله للبشر ، وبعد التشخيص الدقيق تبدو الخطوة التالية بإستخدام الخطاب الوسطي وهو الوحيد الذي يمكن من خلاله إحداث التغيير في أفكار المجتمع وهز قداسة المبتدع والضار منها وإحياء البديل الصالح لتبنيه وإشاعته لدى الناس وهو عمل صعب تواجهه عقبات ويؤدي إلى تحمل نتائج غير مرغوبة ، فأن تكون وسطياً في مجتمع نشأ وتربى على الحدية وإتخاذ المواقف المتطرفة فقطعاً ستكون مرفوضاً من كل الأطراف المتصارعة التي إتخذت التشدد في المواقف .وهذه المقدمة تطرقنا لها للتعريج على موقف الأزهر الشريف من قضايا الأمة المصيرية بإعتباره مناراً للعلم والعلماء ، واتضح لنا منها وجوب تمسك الأزهر الشريف بجانب الوسطية المعروف به كمنهج له كي يستطيع أن يواجه مشاكل الأمة ، والخطوة الأولى أن يتبنى ويحاور ويتكاتف مع الجهات الوسطية في كل مجتمع من مجتمعاتنا لكي يتكون محور الوسط القوي وهو المحور القرآني حيث جعل الله هذه الأمة وسطاً ، والوسطية لا تعني أن تتخذ مساراً مخالفاً للمتطرفين فقط ، بل تعني أيضا أن تطرح مشروعك للأمة كبديل صالح وسليم لكل أنواع التطرف وهذا المشروع سيكون هو الحل الأمثل للقضاء على أمراض المجتمع ، ولكي يتمكن الأزهر الشريف من طرح هذا المنهج الوسطي عليه أن يبتعد عن التبعية للأحكام والمواقف المسبقة ، وأن يبتعد عن المحاور السياسية ذات الأهداف التسلطية والنفعية ، ومن أجل إستنهاض هذا الطود من سباته لكي يأخذ دوره القيادي في نهضة الأمة من جديد ، فقد بين المرجع العراقي العربي الصرخي الحسني رغبته في أن يبادر الأزهر الشريف إلى حركة الإصلاح في الأمة وفقاً لشروط تجعل حركته منتجة الثمار ، وليس لأجل الإعلام والمنافع السياسية لبعض الجهات ، حيث ورد في حواره لصحيفة الوطن بتاريخ 21/ 2/ 2015 قوله ( إذا توفرت المقدمات الصحيحة والقيادات الواعية الشجاعة ، فإن الأزهر الشريف يمكن أن يكون الرائد والقائد والحامل للواء الوسطية ووأد الإقتتال والتناحر والتناطح الواقع في العراق وفي غير العراق ، وفي رد سابق على أنباء تواردت حول مبادرة للأزهر للإصلاح قلت إن كانَ فِعلا قد صدر هذا الكلام عن فضيلة شيخ الأزهر فأنا أحييه إبتداءً على شجاعتِه وصراحتِه ووضعِ يدِه على الجرح وتشخيصِه للخطوةِ الأولى الصحيحة التي تؤدي إلى الخطوات اللاحقة المؤسسة للحل الناجح والخلاص الحقيقي . لكن منذ سنوات طوال نسمع بالحوار بين الأديان والحوار بين المذاهب وتصرَف الأموال وتنعقِد المؤتَمَرات واللقاءات (والحوارات مجازاً) ووقعوا ميثاق شرف ومواثيق شرف لكن مع شديد الأسف لم نجد الشرف ولا مواثيق الشرف ، فلم نجنِ أيّ ثمرةٍ طيبةٍ عن ذلك ، بل وجدنا النتائج العكسية ، فسادَت وإنتشَرَت قوى التَكفير الديني وقوى التكفير الطائفي في المجتمع وإنخفض وإنمحى صوت الإعتدال ) . ومن هنا نجد أن المرجع الصرخي يتأسف على الجهود والوقت والأموال التي صرفت وبذلت في مؤتمرات ولقاءات للحوار والتقريب ولم الشمل ولكنها كانت تحمل أسباب فشلها بين جنباتها حيث يشير قائلاً ( ما ذكرته يكشف عن الأسس الفاسدة غير الموضوعية التي تعتمدها المؤتمرات واللقاءات ومواثيق الشرف ، ويكشف عن أن المتحاورين لا يتصفون بالصدق والإخلاص ، ولا يملكون العلم والفكر والروح والمنهج الحواري التقاربي الإصلاحي ، ولا يتّصِفون ولا يملِكون الأسلوب والسلوك والسيرة العملية والأخلاق الرسالية الإصلاحية ، ويكشف عن تبعية المؤتمرات والحوارات والمتحاورين لإرادات سياسية تبغي المكاسب السياسية الإعلامية والمصالح الفئوية الضيقة دون النظر إلى مصلحة المجتمع وتعددية المذاهب والأديان ، فمثل هذه المؤتمرات واللقاءات والمجاملات محكومة بالفشل قطعًا وتكون نتائجها عكسية عادة ) . وأخيراً نتمنى للأزهر الشريف أن يعود لممارسة دوره التأريخي المشرف في الدفاع عن هذه الأمة وهو أهل لذلك بإذن الله تعالى .