23 ديسمبر، 2024 9:33 ص

هل يتغير العالم بعد خاشقجي؟!

هل يتغير العالم بعد خاشقجي؟!

يراه الكثيرين صحفياً أيد النظام الحاكم بالرياض ثم غير موقفه، وبدون تقييم الرجل وما قاله، فإن قضية “خاشقجي” تفتح الباب للتفكير فيما هو أبعد من الواقعة نفسها وماذا سيحدث بعد مقتله!

وإن تتبدى في الأفق انتهاج ولي العهد محمد بن سلمان استراتيجية مغايرة في التعامل مع مشاكل الشرق الأوسط، أتوقع مزيد من الانخراط في أزمة اليمن وسوريا، وقد يصبح الاحتكاك العسكري المباشر مع طهران سيناريو غير مستبعد في المستقبل.

مستقبل الشرق الأوسط وكيف ستدار ملفاته غداً يمثلا التساؤلات الأكثر أهمية لدى صناع القرار اليوم بل ويمهدان الطريق نحو رسم خريطة التحالفات الجديدة بالمنطقة غداً والتي تتبدى ملامحها اليوم.

اليوم.. تنسيق بين مصر وإسرائيل في سيناء لاحتواء ودحر الإرهاب المتهم برعايته قطر، وولي العهد محمد بن سلمان يؤكد أن البعض يحاول إحداث شرخ “على حد وصفه” بين تركيا والسعودية وذلك تعليقاً على مقتل خاشقجي خلال مشاركته في مؤتمر الاستثمار “دافوس في الصحراء” المنعقد بالرياض وأكد على أن هذا الشرخ لن يحدث مطلقاً مادام هناك الملك سلمان آل سعود بالمملكة، ورغم الخلافات الاستراتيجية العميقة بين أنقرة والرياض في الملف السوري والعراقي، تلك التصريحات تطرح تساؤل.. هل التنسيق التركي السعودي اليوم في قضية مقتل خاشقجي يعتبر مجرد ابتزاز تركي روتيني لتحقيق مكسب في سوريا أم هو صفحة جديدة لانسجام سياسات الطرفين غداً كمحاولة لاستقطاب تركيا بعيداً قليلاً عن إيران؟

إيران تحاول اللذاذ بالفرار من تطويق واشنطن لقدراتها النووية والعسكرية وكذا طموحاتها وذلك بالضرب على وتر المصالح الاقتصادية الأوروبية وخاصة النفطية منها، بل نشرت “سكاي نيوز عربية” الإماراتية خبراً هذا الأسبوع عن لجوء طهران لعرض النفط في بورصة الطاقة وبيعها لشركات خاصة رفضت الإعلان عن اسمها وهي واقعة غير مسبوقة كتكتيك مستجد للتحايل على العقوبات الأمريكية حيث تم بيع 280 ألف برميل من اجمالي مليون برميل بقيمة 74.85 دولار أي أقل من السعر المعتاد ب 4 دولار. وإذا تحقق السيناريو الأكثر رعباً (إيران النووية) على غرار إسرائيل سيحدث خللاً كبيراً في ميزان القوى لتصبح دول المنطقة بين قوتين نوويتين مناوئتين بل وقد يقود إلى سباق تسلح نووي واسع بين الدول كافة.

بل والأهم هنا عدم انتباه أغلب الساسة والمفكرين لتداعيات صعود الصين لمكانة القوة العظمى بالمستقبل القريب على نجاح معادلة النووي الإيراني، بكين الحليف المخلص لطهران سقطت من حسابات الكثيرين في تلك المعادلة.

وفي طهران، تماطل الشركات الأوروبية في الخروج من إيران خاصة مع نجاح برلين في تدشين خط الغاز “نورد ستريم” من روسيا، وباتت الرسالة واضحة لواشنطن بأن مصالح الأوروبيون تأتي أولاً مادام العم سام يضع بأنانية مصالحه أولاً أيضاً، بل موقف أوروبا من قضية خاشقجي تجنب توجيه الاتهام وحمل تخوف من تكرار الأزمة التي أثارتها الخارجية الكندية مع السعودية منذ أيام وكلفت أوتاوا الكثير.

ولو أدعى العم سام علناً بنية الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي التي مضى على توقيع ريجان وجورباتشوف عليها 3 عقود من أجل كبح جماح القدرات النووية الروسية كما ورد في تصريحات ترامب مؤخراً بما يخدم الأمن الأوروبي، إلا أنني أتوقع الكثير من التغيرات في ميزان القوى الذرية بالمستقبل خاصة مع عدم شمول المعاهدة السابقة الترسانة الصينية إذ اقتصرت فقط على السوفييت والأمريكان!، تسويات اليوم تدفعني للتنبؤ بميلاد كتلة قارية بين القوى الكبرى في أسيا وأوروبا مقاومة لحكم العم سام للعالم.

انسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي متوسط المدى وانسحاب من اتفاق إيران النووي وانسحاب غير معلن من أزمة القرم وأزمة أوكرانيا وانسحاب خامس منتظر من اتفاقية “النافتا” التي غذت اقتصاد أميركا لعقود بموارد جارتها الشمالية كندا والجنوبية المكسيك بالسوق الحرة المفتوحة التي غطت القارة الشمالية… انسحاب وراء انسحاب دون ضمان ورؤية ثاقبة لمصالح الحلفاء الذين تتركهم واشنطن خلفها، هكذا ترى الإدارة الامريكية الحالية الصفقة الأمثل! بل وستشهد رد فعل شديد الخطورة على المصالح والأمن القومي الأمريكي داخل أمريكا وخارجها وهو ذات التوجه الذي تتشاركه مع حليفها الدائم بريطانيا التي لم تنجح حتى الأن لصياغة صفقة لـ “البريكست” للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وفي منعطف طرق.. ومع فرض عقوبات جديدة على طهران، يتوقع أن يزيد اعتماد أميركا على النفط الخليجي، ومع تزايد احتمالات نفاد المخزون العالمي من النفط خلال قرن من الأن، سيتراجع تأثير ورقة النفط حتماً، فهل تنتهي حروب الشرق الأوسط حينها!

خريطة الحلفاء والأعداء غداً.. في تساؤل كبير؟

خيوط رفيعة وأخرى سميكة تتقاطع بين سياسات دول الغرب والشرق ليحمل الغد الكثير من التغيرات في تلك الخريطة التي اعتدنا عليها بالأمس، ومع الأخذ بالاعتبار التحولات بالنظام العالمي الجديد المرتقب حيث الثنائية القطبية بين واشنطن وبكين خلال 3 عقود على الأكثر، ستصبح خريطة الشرق الأوسط أكثر تعقيداً.