ما كنا نخافه حضر ، وما كنا نتجنبه حصل ، لم يعد أمامنا الا القبول بواقعه ، والتكيف مع أحداثه حتى وان كان باهضا للثمن ،المتغيرات الجارية في لغة الشارع العراقي بحاجة الى أكثر من وقفة تأمل لمعرفة ما سيتمخض عن هذا الفوران السياسي الذي بدأ يكبر مع مرور الايام ليشكل حجر عثرة غير مألوفة في طريق حكومة نوري المالكي لتصحيح مسار سياسته الخاصة في بناء وتجديد العلاقات الوطنية لأكثر من سبب، والتي اندثرت سماتها التاريخية بفعل دخول أكثر من عامل سياسي وطائفي ومذهبي صاغته ايادي خفية ومحترفة في زرع الفتن والنعرات بين ابناء الوطن الواحد..قلناها واكدناها في اكثر مقال انه ليس عيبا ان يتكون الشعب العراقي من الشيعة والسنة ، وليس عيبا ان يتزوج الشاب الشيعي من الكوفة من شابة سنية من تكريت ، وانها ليست بجريمة مخلة بالشرف ان يسكن الشيعي من مدينة كربلاء المقدسة مدينة الرمادي ويتأقلم من اهلها السنة ويتفاعل بروحية وطنية مع افراحهم ويشارك أحزانهم باعتباره جزء مكمل لنسيج هذا الوطن الذي لم نجده ذات يوم احتكره الشيعي أو السني لوحدهما ، بل وجدناه وهذا قدره منذ الازل ان تكون خيمة جامعة يستظل تحت ظلالها الجميع دون ان نحددها بالتسميات كما يحلو الان للبعض ان يفضل طائفته ومذهبه على الوطن ..
لذلك حين نتالم على ما يتعرض له المواطن العراقي سنيا كان أم شيعيا في ظل حكومة المالكي على حد سواء ندرك تماما ان حجم المؤامرة التي وفر لها المالكي الاجواء هي اكبر من ان نجد بعضا من فصولها تظهر من خلال بعض المسيرات المؤيدة له في بعض المناطق الخاضعة لسلطته الحزبية والامنية التي تشبه الى حد كبير بالمظاهرات التي كانت تؤيد حكام الانظمة التي سقطت تحت اقدام جماهيرها الغاضبة ، وهي خطوته الاولية لقمع الاصوات المناهضة لسياسته التقليدية المتبعة التي تفتقر الى العقلانية والحكمة لتجاوز ما يعانيه البلاد من الازمات ، و التي لم ولن نجد لها حلولا ومعالجات على المدى القريب والبعيد ، ما دام القائمون على ادارة البلاد لا يقيمون وزنا أخلاقيا وانسانيا لمكانتها ، بل و لا يرغبون لها الرقي والمنعة من الآفات والعاهات ، لان سلامتها وعافيتها انتكاسة لمشاريعهم الربحية والمادية القائمة على خلق الازمات والنكبات ، المتابع لمقالاتنا السابقة يقف بلا شك على حقيقة موقفنا من حكومة نوري المالكي ، بل وعلى حقيقة مخاوفنا من يتحول الغضب العراقي الى بركان يحرق الاخضر واليابس بلا هوادة في ظل كل الاحتمالات الواردة ، ان تكون الايام القادمة أياما عصيبة للمشهد السياسي العراقي نتيجة لتشابك الخيوط بعضها ببعض ، ودخول أكثر من طرف في رسم الاحداث ، فهذه ايران الشيعية على بعد اقرب مسافه من ضوئها الاخضر لتمرير ما يضمن من سلامة مصالحها السياسية والاقتصادية في العراق المضطرب ، وهذه تركيا العثمانية التي تسعى ان تعيد ولو جزءا بسيطا من بريق امبراطوريتها السنية التي حكمت المنطقة قرابة 400 عام ، لكي تتمتع بحلاوة التقسيم اسوة بغيرها من المتربصين ، وتلك دول الشرق والغرب تمول وكلاءها لتكون قريبة من الاحداث وتداعياتها التي يتركها اي فراغ سياسي محتمل في العراق.. ومن ثم خطوة المالكي الغير المدروسة بغلق الحدود مع خطوط التعامل التجاري والاقتصادي كرد على مظاهرات الرمادي التي انطلقت سنية الملامح ولكن سرعان ما تحولت بفعل التماسك الوطني الى شيعية سنية بل الى صوت عراقي موحد ثائر قرر ان يترك السكوت على دعاة الطائفية والفتن الذين ابتلى بهم الشعب العراقي ، وعمدوا الى تمزيق الوحدة الوطنية على اسس الطائفية والمذهب ، هذه الخطوة ذات بعد سياسي متعدد الاهداف ، والتي من شأنها ان تؤثر سلبا على حركة السوق العراقية بشكل مباشر ، وتخلق ازمة مضافة الى ازمات حكومة المالكي ، التي من الصعوبة ان تصمد بوجهها ، في ظل حاجة العراق لهذه المنافذ التي تغذي واقع أمنه الغذائي المهدد بالانهيار نتيجة لعدم وجود دراسة وافية لاحتواء تداعيات الازمات السياسية المحتملة ، وعدمية وجود بدائل التي تنقذ الاسواق من حالات الركود والشلل التام ، بسبب النظام الاستهلاكي الذي تعتمده الدولة لتوفير حاجات السوق العراقية وافتقارها الى اسس المواجهة الفعلية للوقوف بوجه شحة المواد الغذائية التي تسببها غلق منافذ الحدودية…..
لذلك نجد ان هذه الخطوة قد سببت في ارتفاع منسوب الاسعار خلال الايام القليلة الماضية ، وهي قابلة للارتفاع التي توسع من حجم التحديات التي تواجهها حكومة المالكي ، في وقت والانظار كلها تتجه صوب المحافظات التي بدأت تصعد من لغة استحقاقاتها بحشودها الغاضبة بل وتكسب المزيد من المؤازرين والمتضامنين لها لنهج الحكومة المغاير لطموحاتها ، وتطلعاتها التي تستمد شرعيتها من حجم معاناتها الانسانية والاجتماعية ….
الغريب والمثير في سوق الخردة المالكي السياسية هو ان مروجي مبيعات هذا السوق لم يتعظوا للدروس التي تتركها الاحداث الجارية ، لذا نجدهم يخطئون في طريقة عرضها للمزايدة خصوصا حين يعتمدون على الطريقة التقليدية عند الترويج للشعاراتها المزيفة والمنتهية صلاحياتها الزمنية ، بل واندثرت سبل الايمان بها في خضم ضجيج سياسي متردي لا يدل ملامحه الا على الفشل المشين ، حتى غدى الشارع على معرفة مسبقة بما هم عازمون عليها من نوايا وأهداف ، خصوصا ان المواطن ادرك اللعب السياسية جميعها ، ولم يعد الانسان العراقي الشيعي ذلك الانسان المجرد من المفهومية الكاملة لطبيعة خطاباتهم سياسية ، وكذلك الانسان السني الذي تزاحم على عتبه بابه من كل صوب مجموعات تدعي السلف الصالح ، وتحشر نفسها في ما هو غير قادر على العمل بموجب قواعدها
ائتلاف دولة القانون التي تحكم من سيطرتها المطلقة على البلاد تدفع بالأوضاع من السيء الى الاسوء بهدف كسر الطوق على ما يعانيها من تفكك في نسيج تحالفاتها المهددة بالانهيار ، لولا (الاجماع السني) التي ظهرت لتشكل ضربة قاصمة لحكومة المالكي ، وتزامنت يقظتها مع قرب اعلان نهاية الفصل السوري الذي سيدخل عامه الثالث وسط تكهنات شديدة الحساسية بسبب الدور الايراني الذي يترقب الاوضاع هناك عن كثب في ظل التواجد التركي السياسي على الارض السورية وتفاعله مع الاحداث الجارية هناك ، ومن ثم قدرته على المباغتة السياسية المدروسة التي تقلب الموازين ، وريما تفجر غلى غفلة من مفاجأة غير متوقعة في ضوء التركيبة الحاكمة التي تخلف نظام بشار الاسد التي يتم بحثها خلف الاسوار المغلقة …..
وهذا يعني ان ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي لم يعد ذلك الائتلاف القوي الذي اجبر(العراقية) خصمه اللدود على الترجل عقب الانتخابات ، بل ولم يعد بإمكانها ان تساير الاحداث والمستجدات السياسية بسبب تهاونها في ادارة البلاد على اسس الشراكة الوطنية ، وتفردها في اتخاذ قرارات احادية سببت في تعميق هوة الخلافات بين شركائها السياسيين مما ترك انطباعا سيئا لدى الشارع العراقي حال دون الاعتماد على خطاباتها السياسية ، حتى تحولت سياستها بمرور الايام الى مهنة مملة لا تدر الا بالوجع الشديد للعراقيين عموما ، ما يدور في محافظات الرمادي وتكريت والموصل والمدن العراقية الاخرى هو تحصيل حاصل لهذه الاوجاع ، وهو الحدث الاكبر تأثيرا الذي سيترك من أثره البالغ على المالكي وحكومته التي بدأت تظهر عليها علامات الاحتضار بالاستناد الى امتعاض المرجعية الدينية في النجف من سياسة المالكي ووقوعه الدائم في الاخطاء القاتلة على حساب المكتسبات الشيعية التي انتزعوها بعد عشرات السنين من الاقصاء والتهميش ، اضافة الى حجم المعارضة الشديدة التي يبديها الشارع بشكل عام لسياسته الهادفة لإغراق البلاد في جحيم الفوضى والاضطرابات السياسية .