19 ديسمبر، 2024 4:17 ص

هل وضع العبادي لبنة مقارعة الفساد؟

هل وضع العبادي لبنة مقارعة الفساد؟

هل وضع العبادي الخطوة الاولى لمسيرة مليون ميل في محاربة الفساد؟ وهل فعلا ستتمكن اتفاقية تفاهم مع الامم المتحدة ان تنهي ملفات فساد فلكية تجاوز عمرها عشرات السنين وبحجم مئات المليارات وتعيد للعراق حقوقه ومكانته وكرامته الدولية؟ بل ياترى، هل يستمكن 21 خبير مدقق حسابي دولي من كشف ملفات الفساد بقضها وقضيضها، بما فيها 361 مليار دولار  فقدت بين عامين 2004 و2014 من ميزانية البلاد، فضلا عن الالف المشاريع والعقود الوهمية او غير المكتملة خلال ما تبقى من عمر حكومة العبادي؟ واذا جاز واسلمنا انهم سيتمكنوا من وضع اصابعهم على المستور والمحظور بموجب الصلاحية المطلقة التي منحهم رئيس الوزراء، فهل سيتمكنون من تسمية المفسدين حتى لو كانوا رؤوساء وزراء سابقين او قيادة كتل سياسية حاليا خصوصا من وزن الثقيل، ويقدموهم الى القضاء بهذه البساطة؟ وان صح زعما وليس اقرارا، فهل يتمتع القضاء العراقي بالنزاهة والشجاعة الكافية مقاضاتهم؟ وانزال العقوبات بهم؟ وكيف لو طالت الاتهامات معظم المهيمنين على القرار السياسي في العراق بما لا تبقي ولا تذر، فهل سيذعن السياسيون ويسلموا انفسهم الى احكام موأبدة من دون ان يحركوا ساكن…؟ اسئلة لا حد لها ولا حصر ترمي بظلالها على تجربة فساد تاريخية يصعب بمكان لملمت اطرافها والوقوف على كل تشعباتها، وقراءة نتائجها وما يمكن ان ترتكه على مستقبل العملية السياسي المترنحة في العراق.
العراق الذي بات ومازال يصنف بين الاسوء دول العالم فسادا الى جانب السودان والصومال، لم يستطع ايقاف آفة الفساد او الحد منها رغم مزاعم جميع الحكومات التي توالت على الحكم بان اولى اولوياتها هي محاربة الفساد والمفسدين. ولا تكمن الصعوبة القضية في كشف المستور ورفع الستار عن المحظورفحسب، بقدر ما تشكله عملية الكشف من خطورة على انفراط العقد السياسي واحتمالية دخول البلد في ائتون احترابات غير مألوفة. ان تسمية المتورطين وتقديمهم الى القضاء تشكل في ابسط معانيها اعلان حرب تحتم على المتورطين – وهم كثر – شد الوثاق والتصدي بلا قيود ولا ضوابط.
فلم يكن حال العراق تحت حاكمية بريمر باقل فسادا ولا اكثر رقابة ومحاسبة، ان لم تكن هي البذرة الخبيثة التي تفرعت عنها الشجرة الخبيثة. وحتى بعد استلام العراقيين للسلطة برئاسة الدكتور اياد علاوي، جاء الفصل الثاني من الفساد باسوء ما ما كان عليه الفصل الاول من الديمقراطية الهزيلة. فالحكومة العراقية المؤقتة وضعت حجر الاساس للفساد المبرمج والممنهج. فمازالت فضائح ملف وزارة الدفاع حازم الشعلان والنقل لؤي العريس والكهرباء أيهم السامرائي… وما تبعها من فساد في وزارة اخرى بما تصك الاذن وتزكم الانوف بوقاحتها وبشاعتها، دون ان يتمكن القضاء من انزال عقوبات ولو شكلية بحق مرتكبيها، عدا احكام غيابية بائسة لا تغن ولاتسمن من جوع. فيما توالت مسرحيات اسقاط التهم عمن تحصن بنفوذه السياسي بطرق ووسائل للشك والسخرية في آن واحد.
ان مستوى اداء القضاء العراقي في مواجهة الفساد والارهاب كان مخيب للامال والرهانات للحد الذي فقد الاعتراف بنزاهته وصحة استقلاله كسلطة قضائية رقابية.
ولا ينحصر الفساد بالدول النامية فحسب، بل ان معطم دول العالم تتعرض وباستمرار الى مفارقات واشكاليات مالية كالذي حصل لوزير مالية جنوب افريقيا ومن قبله وزير مالية اليابان… لكن العراق يتميز ويرقى عن غيره من دول العالم بنوعية الفساد وسذاجته للحد الذي يضحك الثكلى. فان امكانية حصول شركات وهمية على عقود فلكية تتجاوز المليار دولار (عقود الكهرباء في زمن الشهرستاني) والاسلحة الروسيىة وغيرها امر انفرد به العراق دون منازع. وما يزيد الطين بله، ويشيب له رأس الوليد، ان جميع نتائج التحقيقات تنتهي باسقاط التهم واطلاق سراح المتهمين بسرعة قياسية كالتي حصلت مع رئيس مجلس النواب وغيره من المتهمين.
ان مهمة الخبراء الدوليين لن تكن مهمة سهلة وساغة خصوصا وان القضية لا تقف عند اموال عينية مفقودة من موازنة الدولة، بل ان الامر يتجاوز طبيعة العقود ومطابقتها وخضوعها للضوابط الحكومية وصحة تنفيذها وتسليم بضائعها وفقا لشروطها التعاقدية، نهايك سرية العطاءات وعدم وقوع التواطؤ سلفا… كما ان عقود الاستثمار والبناء هي الاعقد بطبيعتها اللوجستية والفنية وطبيعة مطابقة المواد المستعملة في عمليات البناء وكذلك في حالة المعدات، مما سيتطلب وقتا يتجاوز عمر الحكومة الحالية.
وعلى ما تعتور مهمة الفساد من صعوبات وغياب استراتيجية محاربته وعدم توفر الادوات لتقليم مخالبه، وضعف الرقابة المالية والمهنية التخصصية، الا ان خطوة العبادي باشراك جهود دولية متخصصة قد تكون بداية جريئة لتحديد نقطة الانطلاق لمواجهة الفساد السرطاني والحد منه ولو على مراحل لاحقا.
وان صح القول، فان التغيير لا يتحقق الا من خلال اشراك عنصر خارجي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات