عندما تم الاعلان عن قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 على الأرض الفلسطينية ، أعلن العراق الحرب على “الكيان الصهيوني” وكان جزءًا من التحشيد العربي ، الذي حاول استعادة الاراضي الفلسطينية . وقد حقق العراقيون نجاحًا ملحوظا على بعض الجبهات ضد الميليشيات الإسرائيلية .
وبعد اعلان الهدنة لم يوقع العراق على اتفاقياتها ، كما جرى التوافق عليها في حينه. ولذلك فهو من الناحية القانونية، لا يزال في حالة حرب مع إسرائيل .
إذن ما الذي تغير بعد وصول الاحزاب الاسلامية الى الحكم بمساعدة امريكا وإيران ؟ وكيف يمكن لدولة في حالة حرب مع إسرائيل أن ترسل وفوداً سرية ، وتعلن أنها ستساهم في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
كثير من المؤشرات كانت تدل على وجود سياسيين واحزاب عراقية تسعى لاقامة علاقات أقوى مع اسرائيل بعد القضاء على نظام الحكم السابق . ومما عزز ذلك قيام بعض الميليشيات التابعة لهذه الاحزاب باضطهاد الفلسطينين المقيمين في العراق ، وتهجير الكثير منهم .
ومن هنا بدأ التملق الاسرائيلي تجاه العراق ، حتى وصل الى تصريح وزير المالية موشي كحلون بأن حكومته رفعت العراق من “قائمة الأعداء” المعتمدة رسميًا ، وإن ذلك يتيح إمكانية التبادل التجاري بين البلدين، في محاولة لادخال العراق في اتفاقيات التطبيع . اضافة الى تصريحات من مصادر داخل إسرائيل والبيت الأبيض بأن دول أخرى ستقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في المستقبل القريب !
وياتي ذلك كله تحت مظلة تفكيك النظام القديم في المنطقة العربية واستبداله بنظام إقليمي جديد يستند على الازدهار الاقتصادي على وفق المروجين له .
في حين أشار الرئيس محمود عباس إلى أنه لا يمكن تحقيق السلام دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
رغم ان منظمة التحرير قد عقدت اتفاقيات اوسلو مع اسرائيل عام 1993 .
وهناك من يتسائل عن حق تركيا وقطر في تطبيع العلاقات مع اسرائيل في حين تم مهاجمة الإمارات والبحرين . فالموضوع اذا” يتعلق بمصالح سياسية لاتندرج تحت الحرص على القضية الفلسطينية فعلا .
ومن جانب آخر تم إنشاء تحالف عربي شرقي جديد يشمل العراق ومصر والأردن. وأن الدولتين الأخريتين لهما بالفعل معاهدات صلح مع إسرائيل ، فهل سيحذو العراق حذوهما ؟
وردا على أنباء عن استعداد إسرائيل لفتح سفارة في بغداد . اعلن العراق ان قوانينه تمنع التطبيع مع اسرائيل ، مما يدل على عدم وجود مانع من ذلك سوى تعديل القوانين ! ؟
وقد تجاهلت الحكومة العراقية موضوع تطبيع العلاقات بين الامارات والبحرين من جهة واسرائيل من جهة اخرى ، في اشارة مقصودة لافساح المجال امام احتمال ممكن للتطبيع مع اسرائيل مستقبلا .
وقد اكد المتحدث باسم الحكومة أحمد الملا طلال للصحفيين إن العراق لن يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، في إشارته إلى اتفاق الإمارات الأخير مع إسرائيل لتطبيع العلاقات.
وكشفت وزارة الخارجية الاسرائيلية أن ثلاثة وفود حزبية عراقية ضمت 15 شخصا، قد سبق وان زارت إسرائيل في العام الماضي .
ولعل اقوى تصريح حول قرب التطبيع مع اسرائيل ما ادلى به نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي من تصريحات مثيرة للجدل حول استعداد العراق للتطبيع مع إسرائيل .
وقال الأعرجي ، العضو السابق في التيار الصدري ، إن “العراق مستعد تمامًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، والظروف مناسبة تمامًا”.
ان حذف عبارة (فيما عدا إسرائيل) من الجواز العراقي ، يعني رفع الحظر عن زيارة اسرائيل من دون قيد او شرط .
وقد لوحظ في وسائل التواصل الاجتماعي ان هناك من يشجع التعامل مع اسرائيل تحت مسميات مختلفة مثل الظلم الذي لحق بـاليهود المهجرين من العراق في اربعينات القرن الماضي ، اوالدعوة إلى إعادة أملاكهم المحجوزة . او إعادتهم الى العراق .
وفيما يتعلق بموقف إيران ، فانها قد عارضت قيام الامارات والبحرين بالتطبيع مع اسرائيل الا انها سكتت عن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل، الذي يعتبر ، اعترافا لبنانيا باسرائيل . وحزب الله كما هو معلوم يعد من ضمن المسؤولين الكبار في لبنان رغم تصريحهم بانها لجان (فنية) .
وهكذا تتعامل ايران مع موضوع التطبيع على وفق مصالحها في المنطقة ، وكل شئ قابل للتفاوض .
اما الولايات المتحدة فانها سوف ترهن انسحابها الشكلي من العراق بتلبية مطاليبها في تطبيع العلاقات مع اسرائيل ، اضافة لضغوطها السياسية والاقتصادي .
ان الوضع السياسي والامني والاقتصادي المتدهور في العراق ، والصغوطات الخارجية عليه قد تدفعه الى نوع من التطبيع مع اسرائيل ، رغم المعارضة الشكلية من بعض الفصائل المسلحة . ولكن التهديد بضرب مصالحها سوف يدفعها الى القبول بالتطبيع .
ان العراق سيتعامل مع هذا الموضوع على ضوء السياسات الجديدة بالمنطقة ، وخصوصا بعد حمى التطبيع والسلام مع اسرائيل .
ان اسرائيل تسعى الى تحقيق اختراق كبير للسياسة العراقية في الامد القصير . وهي بالتاكيد قد وضعت العراق في دائرة التطبيع المرسومة . وكما هو معروف فان للعراق خصوصية تاريخية ودينية كبرى لاسرائيل .
ولذلك فاننا سوف لن نتفاجأ اذا مارأينا العراق يشارك بعمليات التطبيع مع اسرائيل ، حيث ان التعامل السري الحالي معها من المرجح أن يؤدي ألى اعلان صريح وعلني . ويتم ذلك بدفع من الاحزاب والسياسيين الذين يهيؤون الاجواء للتطبيع ، حيث ان مصالحهم لها الاولوية على كل ماعداها . اما ايران المؤيدة لنظام الحكم فانها سوف لن تحرك ساكنا طالما يتم تأمين مصالحها السياسية والاقتصادية .