23 ديسمبر، 2024 11:32 م

هل هي فعلا مبادرة لحسن النيّة ؟

هل هي فعلا مبادرة لحسن النيّة ؟

في بيان لرئاسة حكومة إقليم كردستان , قال نيجرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم ( أنّ الإقليم قد وافق على تصدير مئة ألف برميل من النفط يوميا عبر شبكة خطوط أنابيب العراق من الأول من نيسان وذلك كحسن نيّة مع استمرار المفاوضات مع بغداد ومن أجل إعطاء هذه المفاوضات فرصة من الاجراءات الإيجابية لعملية تصدير النفط ) , وعلى ما يبدو أنّ هذه المبادرة قد لاقت ترحيبا بغداد و واشنطن و يونامي , من اجل التوّصل لاتفاق بين بغداد و أربيل لتصدير النفط .

ولا شّك إنّ أي مبادرة جدّية لحل الخلاف القائم بين بغداد و أربيل في موضوع النفط وجعل هذه الثروة تحت تصرف وزارة النفط الاتحادية , سيكون موضع ترحاب الشعب العراقي قبل واشنطن و يونامي , ولا شّك أنّ مثل هذه المبادرة ستضع حدا للخلاف القائم على الموازنة العامة الاتحادية من أجل إقرارها والنهوض بسمتلزمات البلد التنموية المتوقفة .

لكنّ أحدا لا يعرف طبيعة هذه المبادرة ( المكرمة ) و النوايا الحقيقية لحكومة الإقليم , فهل يعني أنّ هذه المئة ألف برميل يوميا هي مساهمة حكومة الإقليم في قانون الموازنة العامة ؟ أم إنّها بداية للاتفاق على تسليم كامل النفط المنتج من حقول الإقليم لشركة سومو للتصرف بها ؟ فإذا كان الجواب نعم إنّها بداية لتسليم كامل النفط المنتج من حقول الإقليم إلى شركة سومو , ففعلا إنّ هذه المبادرة تستحق كل الترحيب بها , وهي فعلا تعبير عن حسن النيّة لحل هذه المشكلة المستعصية , وإذا كانت حكومة الإقليم تعتقد أنّ هذه المئة الف برميل هي نسبة مساهمتها في قانون الموازنة العامة مقابل حصتها في هذه الموازنة والبالغة 17% من الدخل القومي بعد استقطاع النفقات السيادية , فهذه المبادرة هي إجحاف و تجاوز صارخ بحقوق أبناء الشعب العراقي , والموافقة عليها هي خيانة للأمانة و تفريط بأموال الشعب العراقي .

فإذا ما أردنا حساب قيمة هذا النفط الذي سيدخل في حساب شركة سومو و منذ اليوم الأول من نيسان وحتى آخر يوم في هذه السنة , وبموجب الأسعار التي تمّ على اساسها احتساب الموازنة العامة والبالغة 85 دولار للبرميل الواحد , فإنّ قيمة هذا النفط سوف لن تتجاوز المليارين ونصف المليار دولار , مقابل حصة الإقليم التي تتجاوز العشرين مليار دولار , فهذه فعلا كما قال الله تعالى في كتابه الكريم ( تلك إذا قسمة ضيزى ) , أو كما في المثل الشعبي ( جسمة افنيخ وي أخوته ) .

فإذا كانت هذه المبادرة فعلا هي تعبير عن حسن النيّة كما جاء في بيان رئاسة الإقليم , فالأولى أن تسارع حكومة الإقليم لحل هذا الإشكال مع بغداد وبشكل نهائي , والاتفاق على الموازنة من أجل إقرارها , وليس بهذا الشكل المطاطي , والبلد حتى هذه اللحظة بدون موازنة , ينتظر عطف حكومة السيد نيجرفان البرزاني .

ولا اريد أن اكون متشائما و أستبق الأحداث والمفاوضات , لكنّي وبحكم متابعتي لنهج حكومة إقليم كردستان , فإني اشّك بنوايا هذه المبادرة , ولا أعتقد أنها ترمي لحل هذه المشكلة حلا جذريا وعادلا ومنسجما مع الدستور العراقي الذي يعتبر النفط هو ثروة كل العراقيين , فليس هنالك نفطا كرديا و آخر عربيا و آخر تركمانيا , فالنفط وكل ثروات البلد هي ملك لكل أبناء الشعب العراقي بجميع مللهم ونحلهم , والتصرّف به من أي طرف منفردا هو تجاوز على حقوق كل أبناء الشعب العراقي , كما أتمنى أن لا تكون هذه المبادرة سببا لتسويف وتأخير إقرار قانون الموازنة العامة بحجة المفاوضات والاتفاق على حل هذه المشكلة , فيبدو أنّ حكومة الإقليم تراهن على إبقاء البلد بدون موازنة .