10 أبريل، 2024 2:05 ص
Search
Close this search box.

هل هناك ليبراليون واسلاميون سياسيون حقيقيون في العراق ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

المقدمة
الليبرالية توجه مقابل التوجه الاسلامي في العراق ، وعندما تسأل أي شخص لا يؤمن بالتوجه الاسلامي يقول مباشرة انه ليبرالي . والليبرالية عموما تعني الايمان بدستورية الدولة، والديمقراطية، والانتخابات الحرة النزيهة، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد والسوق الحر والملكية الخاصة .
في حين ان الاسلام يؤمن ويحرص على تطبيق التعاليم الاسلامية بحذافيرها في جميع الاحكام والمعاملات ، والتفاعل مع القضايا الاسلامية منها استعداء الاطراف التي تكن الشر للامة الاسلامية .
هذان التوجهان السياسيان هما السائدان في المشهد العراقي وانسحب كالسيل من البيت السياسي العراقي الى الشعب العراقي المعروف عنه بتعدد الولاءات فبات الشعب العراقي منقسم ما بين اسلامي وليبرالي ، وكلا يتمتع بميزات معينة منها سيادة التوجه الاسلامي على التوجه الليبرالي بشكل واضح .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه ، هل ان متبني هذين التوجهين يطبقون أبياتهما وفعلا هناك ايمان منهم بهذين التوجهين على سبيل المعاملة السياسية وليس تطبيق النظرية ؟
– الاسلاميون
واذا بدأنا بالتوجه الاسلامي يجب علينا ان ننوه اننا لا نتكلم او نناقش الاسلام بحد ذاته كدين عدالة وانسانية ومساواة ، بل نناقش من يتبنى افكاره سياسيا اليوم وليس افكار قادته الحقيقيين ورجاله الذين اسسوا اعدل دولة اسلامية في التاريخ الانساني كرسول الله صل الله عليه واله وابن عمه امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام .
عندما تحاول تشخيص التوجه ( الاسلامي السياسي ) تجد ان هناك توجهين ، الاول هو الشيعي والثاني هو السني … اذ ان الشيعي يتميز عن نظيره السني بان له القدرة على السيطرة على اتباعه بشكل مذهل ، بل يملك ارادتهم كليا فلو قال لهم ( على سبيل المثال ) ارموا انفسكم في النار فانهم لا يتوانوا لحظة ، وهذا الامر لا يتمتع به التوجه السني الذي يعتمد على العشيرة ( حسب ما سمعت من السنة انفسهم ) .
الشيعة يملكون مرجعية عليا متمثلة باربع مراجع يحضون بقبول سياسي مطلق ان كان سنيا او شيعيا بدليل ان كل السياسيين بتعدد طوائفهم يحاولون التقرب اليهم بل لا يجرئون على انتقادهم ، وهذا الامر اتاح لها ( أي المرجعية ) ان تتدخل بمواضيع مصيرية وان تغير مشهد باكمله رغم ان اتباعها يصرون على انها لا تتدخل في الامور السياسية .
وعادة هذه المرجعية لا تبرر مواقفها ، بل تجد من يبررها بصورة عفوية ، فلو سأل سائل وقال : لما لم تتخذ المرجعية موقفا بهذه المسألة يظهر احدهم ويقول : انها لا تتدخل في السياسة ، ولو تدخلت يظهر اخر ويقول : انها صحيح لا تتدخل بالسياسة لكنها يجب ان تتدخل في هذه المسألة ، وفي الحالتين هو يعبر عن ضبابية في مواقف المرجعية ، هل هي تتدخل في السياسة او لا تتدخل ! .
بدوره هناك توجه ومرجعيات شيعية اخرى ( بدون تشخيص رموزها ) لا تلتزم بخط المراجع الاربعة ، وترى من نفسها انها اكثر تفاعلا مع القضايا العراقية وتراها تتدخل بكل صغيرة وكبيرة في العراق وتبدي رأيها وتشارك في نشاطات معينة ، منها مشاركتها في تظاهرات تحسين الخدمات التي عرفت بتظاهرات 25 شباط عام 2010 ، ومشاركتها وافتائها بقتال ( داعش ) قبل ان تفتي المرجعية العليا بذلك .
هذه المرجعية لا تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة ، بل ان الحكومة والسياسيين يحاولون تهميشها بسبب تدخلاتها وعدم توانيها في اظهار اخطائها او اخطاء السياسيين ، ما يعني ان الحكومة نفسها والكتل السياسية ( بسنتها وشيعيتها ) تسعى وتدعم المرجعية التي يمكن ان اسميها ( الهادئة ) وليست ( المراقبة والمتربصة ) .
السياسيون الشيعية اغلبهم ينتمون الى احزاب سياسية ومنقسمون في اتباعهم كلا المرجعيتين ، لكن الملاحظ ان ولائهم لاحزابهم اكثر من ولائهم لمرجعياتهم بدليل ، ان بعضهم خرج من خط مرجعيته الدينية التي كان يتبعها على اثر خلاف معها ، وقيام توجه سياسي شيعي معروف بشن حملة مقابلة على احد المراجع لانه بدأ بحملة ضده وحاول اسقاطه سياسيا .
ما يعني ان ( الايمان السياسي ) الشيعي في العراق مقدم على الايمان بتعاليم المرجعية ، وهذا الامر يدخل ضمن نطاق المكاسب والمصالح الشخصية ، ما يعني ان السياسي العراقي لا يمكن له ان يتنازل عن امتيازاته لاجل المرجعية الدينية ، لكنه بنفس الوقت لا يستطيع ان يفرط بالانتماء اليها .
وبعبارة اوضح ان السياسي الشيعي يتعامل بنهج سياسي بعيد عن الانتماء الشيعي ، وربما بنفس ما يتعامل به العلماني او الليبرالي ، بدليل ان هناك مسؤولين عراقيين اسلاميين يصافحون النساء (وهو محرم شرعا) علنا لكي لا يقال عنهم متخلفين .
اذن ان الاسلامي يفصل اوتوماتيكيا بين الاسلام كعقيدة وايمان وبين عمله السياسي الذي يفرض عليه ان يكون بهذا الاطار .
اما الاسلاميين السنة فهم لا يملكون سيطرة وقوة شخصية المرجعية الدينية الشيعية على اتباعها في كل العالم ، لان السنة لا يؤمنون بالاجتهاد المتحرك الذي لا يتوقف على مرجعية او رمز واحد في حقبة تاريخية معينة انما كل عصر له قادته ومراجعه ، وهذه الخصلة لا يتمتع بها السنة بتاتا ما اتاح لاجندات معينة ان تستغل عدم سيطرة رجال الدين السنة على جمهورهم وقاموا بتأسيس افكار متطرفة تكفيرية خرجت من رحمها تنظيمات ارهابية كالقاعدة وداعش وغيرها ، لبكن بطبيعة الحال هذه التنظيمات لا تمثل السنة .
– الليبراليون
هناك ادلة كثيرة تشير الى ان من يدعون الليبرالية في العراق لا يفهمون معنى الليبرالية ، بدليل عندما سيطر تنظيم داعش الارهابي على مدينة الموصل نرى ان من يدعون الليبرالية كانوا اكثر تطرفا من داعش انفسهم فاعلنوا عدم ايمانهم بدستورية الدولة، او بالديمقراطية والانتخابات التي اوصلتهم لمواقعهم وعدم ايمان بحقوق الإنسان او حرية الاعتقاد والملكية الخاصة .
ومن تناقضاتهم ايضا هي دعوتهم الى ضرورة عدم تدخل رجال الدين بالسياسة (التي سنظهر بطلانها) وبنفس الوقت انهم يتوافدون على المرجعيات الدينية من اجل ان تتدخل في قضية معينة .
– فصل الدين عن السياسة
1- الاسلامي يؤمن بأسس واخلاقيات الاسلام في التعامل مع المجتمع (الدين معاملة) ، وما دامت هي أسس عنده فانه لابد ان يستخدمها في الجانب السياسي اذا انخرط في السياسية ، واذا حققها فانه سيكون في اعلى درجات الاخلاص والرفعة والعمل المثمر وسينهي ما ساد في السياسة من ابتذال وقتل المصالح وتصدير المصلحة العليا الوطنية .
2- ان الاسلام هو اساسا سياسة فكيف يكون دينا اذا لم يستخدم فيه سياسة ، ثم انه لو نظرنا في سيرة قادة الاسلام لرأينا ان الجانب السياسي اخذ بعدا اكبر من جانبهم الديني ، بدليل ان اختلاف الامة الحالي على قادة الاسلام من الفريقين تتمحور في نهجهم السياسي وفق المنظور الاسلامي .
3- ان هذه المقولة تستخدم لاقصاء المنافسين الاسلاميين من العمل السياسي لتفرغ الساحة للعلمانيين ، وهذه المقولة اساسا تبين بان العلمانيين لا يؤمنون بالديمقراطية التي هي تستند على (حكم الشعب) بكافة طبقاته وفئاته ، والا لماذا يحرم رجل الدين من العمل السياسي.
4- على اي اساس استندت العلمانية على ان السياسة هي من اختصاصهم لتحرم على الاسلامي ؟
5- ان صراع الحضارات السائد احد اطرافه هو الاسلام ، وهو صراعا سياسيا وليس دينيا ، وهذا كفيل بإسقاط دعوة فصل الدين عن السياسة .
– الاسلاميون الليبراليون
مصطلح جديد يطلقه البعض من السياسيين العراقيين على انفسهم ، رغم الاختلاف والتناقض بين ادبيات التوجهين ، فعلى الصعيد الايديولوجي فان (الاسلاميون) يدعون الى تطبيق احكام الشريعة الالهية ويرون ان الانسان لا يستطيع العيش بدستور وضعي في حين ان الليبراليون يرون ان الدستور الالهي منطلقا لديكتاتورية الاسلاميين ، واما على الصعيد الاجتماعي ، الاول يدعو ( مثلا ) الى ضرورة الستر والثاني عنده التخلع من ضروريات الحداثة ، الاول يرى ان المرأة مقدسة والثاني عنده لا مانع من ابتذالها بحجة حقوق الانسان وحق العيش والتمتع بالحياة ، اما على الصعيد السياسي ، فالليبراليون يحرمون على الاسلاميون العمل السياسي ويدعوه الى فصل الدين على السياسة وممارسة الدين في دور العبادة فقط… الخ
لكن يبدوا ان هؤلاء اطلقوا على انفسهم هذه الصفة ليكونوا مصداقا لقوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم .
فهؤلاء يريدون ان يبقوا على صورة الولاء لقادتهم الاسلاميون وليبقوا بنظرهم (مؤمنين) – وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا – ، كما تعبر عن حالة الاستنكاف التي يشعرون بها من توجههم الاسلامي عندما يلتقون غير الاسلاميين – وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم – .
نعم … هناك اسلاميين يمارسون سرا اعمالا غير اسلامية بالمرة عندما يختلون بانفسهم او يسافروا لدولة سياحية ما ، لكنهم يحاولون الحفاظ على اسلاميتهم في العلن ولا يستنكفوا من توجههم . في حين ترى ان هناك ليبراليين يمارسون اعمالا اسلامية فتراه يصلي ويصوم ويمارس العبادات لكنه لا يحب ان يحسب على الاسلاميين .
ان (الاسلاميون الليبراليون) ، يريدون من اطلاق هذا المصطلح عليهم ، بان لا ينتقدهم الليبراليون عندما يعلنوا توجهاتهم الاسلامية (المفترضة) ، وان لا ينتقدهم الاسلاميون عندما يمارسون اعمالا غير اسلامية في العلن .
بحثت كثيرا عن هذا المصطلح في الادبيات السياسية فلم اجده حتى في دول عربية شرقية ربما تعرضت لنفس ظروفنا السياسية ، الا في العراق (الجديد) ، وهي تمثل حالة العهر والنفاق السياسي في العراق الذي نعيشه ، وسهولة استغفال الناس .
– الخلاصة
ان التعاطي السياسي في العراق ان كان اسلاميا او ليبراليا ، يستند على اساس المصالح وتدعيم الامتيازات الشخصية ، والتجارب السابقة اظهرت هذا الامر بشكل جلي من خلال ان جميع مآسي العراق هو نتيجة خلافات سياسية على مصالح احزاب وشخصيات ، فلم يشهد العراق أي ازمة على قانون التقاعد مثلا او توفير الطاقة الكهربائية ، بل كانت الازمات منحصرة على حصص الكتلة الفلانية وماذا يجب ان يكون القيادي الفلاني في المنصب الفلاني .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب