18 ديسمبر، 2024 10:01 م

هل هناك حقاً بصيص أمل في عراق متقدم ومزدهر

هل هناك حقاً بصيص أمل في عراق متقدم ومزدهر

ليس هناك أي مجتمع واعي في العالم لا يرغب ( الغالبية العظمى منهم ) العيش في أجواء التقدم والتحضر والأمان والإستقرار والمستقبل الواعد له ولأجياله القادمة وأن تسود وتطبق فعلاً مبادئ المساواة والعدالة وإحترام الإنسان في البلد الذي ينتمي اليه ، وهو الوطن بالمعنى الحقيقي . ويشذ عن هذه القاعدة العامة ، مع الأسف ، بعض الشعوب أو المجتمعات التي تتسم بتخلف تكوينها وتاريخها وتفكيرها بحيث تنعدم عند غالبية أفرادها الرؤية الصحيحة والتقييم المنطقي والعقلاني لوجودهم ودورهم في الحياة ولا يستشعرون بأهمية هذا الوجود الذاتي والدّور الإنساني لهم . فمثل هؤلاء هم عبارة عن تجمع بشري في بقعة جغرافية تسمى ” دولة ” مؤطرون بقيم ومبادئ وممارسات تساهم في تعطل أو تشويش تفكيره الواعي وخلق حالة من العتمة في رؤى وإدراك المواطن لكل ما يدور حوله من أحداث في تلك التجمعات البشرية . وَمِمَّا يؤسف له ان مثل هذه المجتمعات تبقى تعاني بإستمرار من مختلف المشاكل سواء ما يتعلق بالجوانب الإقتصادية والتنموية أو الجوانب الإجتماعية والإنسانية والحياتية أو ما يتعلق بجانب الأمان والإستقرار ، بحيث تستمر هذه المعاناة لفترات زمنية قد تطول لعقود وحتى لقرون لكي تستطيع تلك المجتمعات من كسر قيود التخلف وإيجاد الطريق والنهج الصحيح الذي يضعها على بداية السُلّم من أجل التحول الحقيقي بإتجاه التقدم والتطور والتحضر وفق الأسس الإنسانية المتعارف عليها في المجتمعات المتحضرة . ولكي نشخص ونطمئن بموضوعية ووضوح ، لا يقبل الجدل ، بأن إحدى هذه المجتمعات المتخلفة عن ركب التقدم والتحضر قد بدأت المرحلة الأولى فعلاً لتسلق سُلَّم التقدم والتحضر وبأن عملية التحول الإقتصادي والإجتماعي الحقيقي قد بدأت فعلاً ، لابد أولاً من التأكد مسبقاً بأن عدد من الأمور الأساسية والشواهد ، مهما كانت بسيطة أو شكلية في نظر الغالبية ، قد تحققت فعلاً في ذلك البلد وبشكل صحيح . عندها يمكن الإطمئنان على مستقبل ذلك البلد وإمكانية تمتع مواطنيه بالحياة الإنسانية الكريمة . ومن بين العديد من هذه الإمور والشواهد نورد بعضها لصعوبة حصرها في مقالة واحدة :
أولاً : أن يكون البلد محكوم بنظام المؤسسات ، أي ترسيخ النظام المؤسسي في إدارة الدولة وفق قوانين ونظم واضحة ومتعارف عليها في النظم الديموقراطية الحقيقية المطبقة في العالم المتقدم والمتحضر أيضاً . أي ان الدولة بجميع قراراتها وتوجهاتها وسياساتها ، على الصعيدين الداخلي والخارجي ، تخضع وتصدر فقط من قبل مؤسسات الدولة دون تدخل أو إرباك من جهات أو منظمات أخرى ضمن المجتمع وتحت أي من المسميات والعناوين . وهذا ببساطة يعني إستقلالية حقيقية لكل من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ووضوح تام لدور كل من هذه السلطات . فالسياسة الخارجية ، على سبيل المثال ، بكل أبعادها ترسمها الدولة وتترجمها وزارة الخارجية فقط ويتعامل كافة المسؤولين عن إدارة الدولة ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، وفق ذلك . وفي مجال الأمن الداخلي والخارجي فالمسؤول عنها فقط وزارات الداخلية والدفاع بفروعها المتعددة الرسمية دون أن تكون هناك قوى أو تشكيلات مسلحة أخرى ، وتحت أي مسمى ، تتشكل أو تتواجد أو تتدخل في الشأن الأمني والدفاعي عموماً .
ثانياً : عندما يشعر عموم المواطنين بأن المسؤولين كافة ، ( إبتداءً من أعلى موقع في الدولة وهو عامل النظافة نزولاً لأدنى موقع وظيفي وهو رئيس الدولة ) ، ( للعلم ليس هناك خطأ كتابي في التعبير عن أعلى وأدنى موقع وظيفي لأن عامل النظافة لا يختلف عن رئيس الدولة في وظيفته وأهميته في المجتمع ) هم أساساً في مواقعهم لخدمة المجتمع بتجرد ومسؤولية دون أي تمييز أو تحيز أو محاباة . ووجودهم في هذه المواقع ليس للمنافع والإمتيازات الشخصية له ولغيره وإنما هي خدمة عامة مخلصة وبمسؤولية أخلاقية إتجاه المجتمع بإعتباره هو وكل أتباعه ، عائلياً وإجتماعياً ، جزء مهم من المجتمع ومستقبله .
ثالثاً : الشعور المطلق للمواطن بالأمان على نفسه وعائلته ومحيطه بالشكل الذي يمكنه أن يمارس حياته اليومية الطبيعية دون تعرضه للمخاطر التي تؤثر عليه وعلى عائلته أو تشغل باله بعدم الأمان .
رابعاً : عدم السكون أو التغاضي من قبل أجهزة الدولة عن أي جريمة أو حدث مأساوي مهما كان سواء على مستوى فردي أو جماعي ، ولا يمكن غلق أي ملف عن أي ضحية ، مهما كانت حتى لمخلوق مجهول ، ( بشري أم حتى غير بشري ) ، ويبقى الدفاع عن حقوق الإنسان على مستوى مؤسسات الدولة أو منظماتها الإجتماعية مهما طال الزمن مبدأ مهم في حياة المجتمع . أي لا يمكن غلق أي ملف يخص حياة أي مواطن مهما كان دون الحفاظ على حقوقه وكرامته .
خامساً : شعور المواطن بالعدالة والمساواة والإحترام عند مراجعاته لدوائر ومؤسسات الدولة أو غيرها وإطمئنانه بأن معاملاته ستأخذ مجراها الطبيعي دون إبتزاز أو تمييز .
سادساً : أن تسود الثقافة العامة لعموم الشعب بأن الوظيفة العامة إبتداءً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئاسة البرلمان الى المواقع الوظيفية الأخرى بمختلف مستوياتها ما هي إلا خدمة للمواطنين وليس إمتياز لشاغليها يتمتعون بالجاه والتميز والسيطرة لمصالحهم الذاتية . أي الوظيفة بكل مستوياتها تمثل مسؤولية وليس إمتياز ومنافع ذاتية .
سابعاً : بعض المؤشرات العامة الأخرى ( والمهمة في نظري ) يجب أن تلاحظ وتشخص لكي نتحقق من إمكانية بداية التحول لأي مجتمع نحو التقدم والتحضر . من بين هذه المؤشرات ما يتعلق بتفاعل أفراد المجتمع للممارسات اليومية الحياتية . على سبيل المثال نظام المرور وثقافة الفرد في هذا الجانب على إعتبار ان نظام المرور يستحوذ على مساحة واسعة من وقت وجهد وتكاليف وتفكير وتعامل وإرهاصات لمستخدمي الطرق . فوجود نظام مرور كفوء ومنظم ومحترم من الجميع يعتبر دلالة واضحة على إمكانية المجتمع أن يفهم معنى التقدم والتحضر وإحترام القانون . فإحترام قواعد ونظم المرور واحدة من مؤشرات التقدم .
ثامناً : جمالية المدن والمناطق ونظافتها تعتبر من أهم المؤشرات لتقدم وتحضر المجتمعات . فلا يمكن أن تجد في أي دولة متقدمة ” ومحترمة ” ظواهر سلبية مثل إنتشار الأزبال والنفايات في داخل المدن وشوارعها أو حولها . فكل فرد في المجتمع المتقدم حريص على نظافة بيته ومحيطه ومنطقته وكل بقعة يتواجد فيها ، فهي تربية وسلوك في حياته .
تاسعاً : إحترام الإنسان من جميع النواحي سواء عند مراجعاته لمؤسسات الدولة لتمشية معاملاته وأموره بدون تمييز أو تأخير أو محاباة ، أو من ناحية تسهيل حياته من ناحية تبسيط الأجراءات المطلوبة لتمشية أموره وخلق حالة فريدة من الثقة في التعامل .
هذه بعض من الأمور والشواهد القليلة التي يمكن من خلالها إختبار حالة أي مجتمع ومقارنة أوضاعه بالفقرات المشار اليها أعلاه لكي نقيم إمكانية أن يتحول أي مجتمع الى مجتمع متقدم أو متحضر أو يبقى بوضعه وتخلفه . وما على القارئ العراقي أو غيره إلا أن يختبر ويحلل الفقرات المنطقية أعلاه على الواقع العراقي للوقوف على حقيقة مستقبل العراق ويقارن واقعه الحالي بالفقرات المشار اليها أعلاه . ولأختصر الطريق على القارئ ، ليس هناك من أي أمل لتقدم وتحضر العراق ما دام تحت حكم الإسلام السياسي . فالأكثر تخلفاً في إدارة أي دولة هي الأحزاب ذات الطابع الإسلامي مهما كانت . والتاريخ والواقع شاهد على ذلك .