17 نوفمبر، 2024 5:29 م
Search
Close this search box.

هل هناك إمكانية لتحرير مدينة الموصل؟؟؟

هل هناك إمكانية لتحرير مدينة الموصل؟؟؟

لقد وردت الكثير من التحليلات والمقالات وآراء شخصيات عسكرية مختلفة؛ وكانت التوقعات تتراوح بين إمكانية تحرير مدينة الموصل بكل سهولة وخلال فترة زمنية بسيطة، وبين توقعات عدم إمكانية تحرير المدينة خلال أقل من ثلاث سنوات، وبين توقعات عدم إمكانية تحرير مدينة الموصل من قبضة داعش على المدى المنظور من قبل الجيش العراقي والقوات العراقية المختلفة من دون الإستعانة بقوات برية على الأرض من قبل دول أخرى.

وفي الحقيقة إن أردنا أن نكون واقعيين فلا يمكننا تبني أي من وجهات النظر السابقة من دون دراسة الواقع بشكل مستفيض وألإستفادة من الأمثلة التأريخية المشابهة ومعرفة الواقع الإجتماعي والسايكولوجي لحركة داعش والمنتمين إليها من غير العراقيين بل حتى من العراقيين، فضلاً عن سكان المدن المحتلة وبالذات أهالي مدينة الموصل بين المعارضين لداعش، والساكتين عنهم، والمتعاونين معهم، فضلاً عن المنتمين إليهم من العراقيين من أهالي المدينة وأهالي المناطق الأخرى.

 

أمثلة تأريخية

 

وقبل الدخول في الموضوع أحب أذكر القراء الكرام الذين كانوا معاصرين للحرب الأهلية في لبنان في نهاية السبعينات من القرن الماضي وبالذات الحادثة التالية في ربيع عام ١٩٧٨. حيث تم طرد القوات السورية من المنطقة الشرقية لبيروت، وبدأت معارك شرسة بين القوات السورية في المنطقة الغربية لبيروت وبين قوات الكتائب اللبنانية بقيادة بيير الجميل، حيث كانت تضرب بيروت الشرقية يومياً بمئات قذائف الهاون وصواريخ غراد الروسية الصنع من الجيش السوري المتواجد في بيروت الغربية.

وقام الجيش السوري في إحدى الأيام بتشكيل قوة من المدرعات والمشاة من الضباط والجنود ألذين تجاوز عددهم الثلاثمئة مقاتل وأقتحموا المنطقة الشرقية وتوغلوا إلى أعماقها على حين غرة من قوات الكتائب، ولكن ما إن علمت قوات الكتائب بهذا التوغل المفاجئ حتى قاموا بمواجهة تلك القوات بقذائف ال (آر.بي.جي) التي عطلت اغلب المدرعات، فضلاً عن القناصة الذين كانوا يستعملون قناصات  ( F16 ) المجهزة بكواتم الصوت والتي كانت تصوب وتقتل من مسافة الفي متر، وخلال ساعات من المعارك الشرسة إضطر الجيش السوري بأللجوء إلى مستودع إحدى المباني تحت الأرض لحماية أنفسهم، ولم يستطع أي منهم الخروج من المستودع حيث بمجرد خروجه يتعرض إلى القنص من مصادر متعددة ويقتل على الفور، ولم تستطع القوات العسكرية السورية في المنطقة الغربية من إرسال أي تعزيزات حيث أي قوة مدرعة كانت تدخل كانت تواجه بقذائف ال (آر.بي.جي)، وأي قوة راجلة تدخل كانت تواجه بالقنص، وبقي الوضع على هذه الحالة لفترة تجاوزت الأسبوعين، وكان من المتوقع أن تباد القوة السورية المقتحمة عن بكرة أبيها بسبب نفاذ المؤونة، فأضطر في نهاية الأمر الرئيس السوري حافظ الأسد أن يتهاتف مع رئيس حزب الكتائب بيير الجميل، وأتفقوا على أن يسحب بيير الجميل القناصة ويسمح للمقاتلين من الجيش السوري بألإنسحاب إلى بيروت الغربية، وبألمقابل يتعهد الرئيس السوري حافظ ألأسد بعدم تكرار عملية إقتحام منطقة بيروت الشرقية، والتزم ألرئيس حافظ ألأسد بهذا ألتعهد ولم تدخل قواته بيروت الشرقية لفترة ثلاثة عشر عاماً حتى إحتلال الكويت حين سمحت قوات التحالف الدولي لسوريا بإستخدام الطيران للقضاء على نظام الرئيس عون ودخولهم إلى كامل مدينة بيروت عام ١٩٩٠بشرط مشاركة سوريا لقوات التحالف لتحرير مدينة الكويت .

لقد ذكرنا بهذه الحادثة التي يعرفها جميع من عاصر أحداث الساحة اللبنانية في تلك الفترة للتعريف بصعوبة إقتحام المدن الآهلة من قبل قوة خارجية إذا كان المقاتلين في داخل المدينة يمتلكون السلاح البسيط والذخيرة الكافية لمواجهة هذا الهجوم، وتتضاعف هذه الصعوبة كلما كانت المدينة أكبر وكلما كان أهل المدينة مساندين للقوة الداخلية ومعادين للقوة الخارجية. لقد فرحت أغلب قطاعات الشعب العراقي بإنتصار قوات جيشنا الباسل وقوات الحشد الشعبي في معركة تكريت، ولكن تفاجأ الناس ولم يفهموا سبب توقف الجيش والحشد الشعبي من القتال بسبب مجموعة من القناصين، ألحادثة المذكورة أعلاه تقرب الصورة، فمن يدرس تجارب التأريخ لا يتفاجأ بأحداث المستقبل.

 

موقف أهالي الموصل

لقد عانى أهالي الموصل ألأمرين، عانوا معاناة كبيرة من كثير من أفراد الجيش العراقي غير المنضبطين  خلال الفترة السابقة، حيث التصرف السيئ لجندي أوضابط واحد غير منضبط يعم بالسوء على مئات الجنود والضباط المهنيين والمنضبطين، وعلى ألأخص إذا لم يتم معاقبة من يسيء التصرف من العسكر السيئيين مع المدنيين، بل إن عدم معاقبة العسكريين المسيئيين يسمح لهم بالتمادي في الإساءة ويولد نقمة عميقة في نفوس الأهالي وإن كان هؤلاء المسيئيين يمثلون أقلية بسيطة من ألجيش العراقي، وهذا ماحدث بالفعل داخل مدينة الموصل، لذلك فأني لا أستبعد ما نقل في وسائل ألإعلام من تعاطف الكثير من أهالي الموصل مع الدواعش عند أول دخولهم لمدينة الموصل، هذا بالنسبة للوضع في داخل المدينة، ولكن فضلاً عن ذلك فإن الكثير من أهالي الموصل كانوا ناقمين بسبب ألأحداث ألأخرى خارج المدينة، كتوجيه الإتهامات للسياسيين السنة الذين لا يوالون المالكي بسبب عدم ولائهم بالدرجة ألأولى حيث تم غض الطرف عن الإرهابيين الحقيقيين بسبب ولائهم، وأتهم ألآخرون بتهم ألإرهاب بسبب عدم ولائهم، كما إن ألتعامل مع إعتصامات ألأنبار وألحويجة عمق المشاعر العدائية تجاه ألحكومة وما يمثلها من قوات أمنية وعسكرية. ولكن في نفس الوقت فإن أهالي الموصل يعانون معاناة مرة من داعش وأساليبهم ألإجرامية، إنهم بين نارين، فألكرة الآن في ملعب الحكومة لتغيير المعادلة وكسب ود أهل المدينة للمعركة القادمة ضد القوى التكفيرية من داعش والقاعدة وما شابههم.

 

كيف يمكن أن يسند أهل مدينة الموصل ألحكومة

 

في قتالها مع داعش؟؟

 

لقد شاهدنا فشل داعش وخسارتهم الفادحة في معركتهم لإحتلال مدن قام أهلها بمقاومة داعش، كمدينة كوباني في سوريا، ومدينة بامرلي وتلعفر في العراق، ولكن هذه الأمثلة سيكون أثرها معاكساً عند تفكيرنا بإسترجاع مدن أخرى من داعش، كمدينة تكريت ومدينة الموصل، ولكن هذه المعادلة ستكون لصالح الحكومة وجيشها إن قبل أهل الموصل التعاون مع الحكومة ضد داعش، إن مقاومة أهل المدينة لداعش سيكون دوره اكبر بكثير من دور الجيش المهاجم من خارج المدينة، بل إن تلك المقاومة الداخلية إن تمت بالتنسيق مع الجيش المهاجم سيكون لها الدور الحاسم في القضاء على داعش قضاءً مبرماً.

يمتلك أهل الموصل خصال أيجابية كثيرة تمكنهم من مقارعة داعش بشكل فعال ومؤثر، فأعلى نسبة من الضباط في العراق هم من  مدينة الموصل، كما إنهم يمتلكون خبرات قتالية نتيجة للحروب السابقة التي خاضها العراق خلال الفترات السابقة، نعم لقد مرت فترات زمنية طويلة على تلك الحروب، ولكن لهؤلاء الضباط دور مهم في التخطيط مع شباب المدينة في مقارعتهم لداعش.

يمكن إتباع إحدى سياستين لتحرير مدينة ألموصل من عصابات  داعش مع أقل مقدار من الخسائر للجهة المهاجمة، سياسة ألأرض المحروقة وهي السياسة التي إتبعها النظام السوري في القضاء على إنتفاضة مدينة حما ألسورية عام ١٩٨١، حيث هدمت اكثر من تسعين بالمئة من مباني المدينة، وكما كانت سياسة صدام مع المدن المعادية كمدينة الدجيل، ولكن الضرر سيكون كبير جداً على أهالي المدينة  حيث سيقتل الآلاف من ألأبرياء وسيتم إستلام مدينة خربة مع ابنية متهدمة يصعب تعميرها، والسياسة الأخرى هي سياسة التنسيق الكامل بين ألخارج والداخل، وهي السياسة المثلى ولكنها تتطلب خطوات كثيرة ومدروسة بشكل معمق من قبل الحكومة، كما تتطلب إعادة ألثقة بين الحكومة وأبناء المدينة، ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟؟؟؟

 

لماذا هناك صعوبة في كسب أهالي ألموصل ؟؟

 

وهل يمكن تذليل تلك الصعاب ؟؟

 

هناك صعوبة كبيرة في كسب ود أهل الموصل، و هناك صعوبة كبيرة أيضاً في كسب ثقتهم، كل ذلك للأسف ألشديد بسبب السياسات الخاطئة للسنين ألسابقة في ألتعامل مع أهل المدينة. إن ألكثير من أهل الموصل هم من الضباط ألشجعان وذوي النخوة وألمروءة، لقد كان بإمكان الحكومات السابقة إستخدام تلك الطاقات في بناء جيش مهني بقدرات عالية، ولكن عوضاً عن ذلك تم ألإستغناء عن الكثير من تلك الطاقات، ولكن لم يفت الوقت، فلا زالت هناك إمكانية في إسترجاع تلك ألطاقات، فهؤلاء الضباط  لا يمكن إلا للقلة ألقليلة منهم أن يتعاونوا مع داعش، وحتى من تعاون مع داعش فالكثير منهم تعاون طلباً للرزق، أو خوفاً، ولكن ليس قناعةً إلا للقلة القليلة جداً منهم. يمكن كسب ود أهل ألموصل وكسب ثقتهم من قبل حكومة الدكتور حيدر العبادي إذا ماأتبعت سياسات واضحة ضد الطائفية وضد التهميش بحيث يتولد لدى ألأهالي شعور بأن هناك فرقاً شاسعاً بين حكومة المالكي وحكومة العبادي، لقد نجح العبادي نجاحاً جزئياً ولكن أمامه خطوات كثيرة ووقت ضئيل، أستطيع أن أقول إن ألعبادي قد نال تأييداً لم ينله أي رئيس في ألعالم في وقتنا الحالي على المستوى ألعالمي وألإقليمي وألداخلي، ولم يكن هذا ألتأييد بسبب خصال خاصة يتمتع بها ألعبادي، ولكن بسبب مجيئه بدلاً عن المالكي ألمسؤول عن هذا الفشل الكبير الذي تعرض له البلد خلال حكم الثمان سنوات السابقة. إن ألتأييد ألذي ناله ألعبادي قد ضعف بسبب تراجعه وتوقفه عن إتخاذ قرارات جريئة وكبيرة كألتي إتخذها عند بداية توليه للسلطة. لا زالت أمامه فرصة سانحة ولكن وقت ضيق، نسأل ألله ونأمل أن يحقق مافيه خير ومصلحة هذا الشعب خلال المستقبل القريب بمشيئة ألله.

 

لماذا ثقة أهل الموصل معدومة في الحكومة ؟؟

لقد بينا بعضاً من أسباب فقدان الثقة، ولكن هناك أسباب أخرى، منها تجربة الصحوات، لقد كانت ألأنبار من أخطر المناطق على ألأميركان وعلى ألجيش والشرطة العراقية ومنتسبي الحكومة عام ٢٠٠٣ و ٢٠٠٤ حيث سحلت جثث ألجنود ألأميركان في شوارع ألفلوجة، ولكن ما إن بدأت تجربة الصحوات حتى إنقلبت ألموازين، فأصبحت ألفلوجة أأمن مكان للأميركان وللجيش والشرطة العراقية، وتم القضاء شبه التام على القاعدة في الانبار، ولكن المالكي لم يحسن التعامل مع الصحوات، فأوقف معاشاتهم، واوقف إسنادهم، وعاملهم كأعداء، في الوقت ألذي كانت القاعدة تفتك بهم، وواجههم المالكي في إعتصامات الأنبار وقتل العشرات منهم في إعتصامات الحويجة،  فإندحروا إندحاراً كبيراً، فأصبحوا لقمة سائغة للقاعدة وداعش التي قتلت المئات منهم، إن هذه التجربة كانت وستبقى ماثلة أمام كل من يريد أن يتعاون مع الحكومة في قتالهم لداعش.

ألأمر الثاني هو قضية إجتثاث البعث، وإني أستميح عذراً من الأخ طارق الحلبوس في ذكر المحادثة التالية بيني وبينه عام ٢٠٠٦ عندما كنت وزيراً للإتصالات، ولا أظنه سيمانع من نشرها الآن لأنها تكشف ماكان يريد إيصاله إلى الحكومة في وقتها حيث كنت في ذلك الوقت ممثلاً للحكومة في التقريب بين الشيعة والسنة، وكان الأخ طارق الحلبوس ممثلاً لمؤتمر أهل الرمادي في عمان، وكان حديثاً طويلاً ومتشعباً، وكان مما قاله إن قضية إجتثاث البعث موجهة ضد السنة، فلم اوافقه الرأي وقلت له ( أن إجتثاث البعث موجه ضد الشيعة والسنة على حد سواء، وإن الإجتثاث يرفع إذا ما قدم المجتث طلباً بذلك) فأجابني بألإيجاب ولكنه قال ( ان الشيعي إذا رفع عنه الإجتثاث يتحول إلى إنسان موالٍ للحكومة بشكل كامل، أما السني فلأنه سني فإن ولاءه يظل مشكوكاً فيه، وتبقى قضية إجتثاث البعث سيفاً مصلتاً على رأسه تضربه الحكومة به متى ما شاءت ذلك) لم يقنعني كلامه في ذلك الوقت، ولكن بمرور الوقت ومن إطلاعي على أسلوب حكم المالكي عرفت أن هذه حقيقة واقعة، لذلك انا الشيعي من الذين كانوا أشد الناس عداءً لفكر البعث وحزب البعث، أستطيع أن أقول إن قضية إجتثاث البعث هي قضية غدت بسبب سوء تطبيقها موجهة ضد السنة بالدرجة الأولى، بل الأمر أوسع من ذلك، فقد إستخدم المالكي قضية إجتثاث البعث بشأن الشيعة في المناصب العالية في البلد لضمان ولاءهم له، فمن شك بولائه ضربه بسيف الإجتثاث، فهيهات للشيعي ضمن الماضي البعثي أن يفكر ولو للحظة أن يخل بولائه للمالكي، لقد بدأ عهد حيدر العبادي بإعادة النظر بقانون المسائلة والعدالة، وبقضية تجريم فكر البعث، لقد اصبح فكر البعث في قمامة التأريخ، وأصبح من المستحيل رجوع هذا الفكر المتخلف، ولا أظن أنه يوجد إنسان في العراق اليوم يدرس فكر البعث، ويبشر بهذا الفكر ويدعوا إليه، إن أول من إجتث فكر البعث وأول من حول أفراد حزب البعث من حزب سياسي يتبنى الطرح السياسي القومي العربي إلى زمرة من الأتباع والعبيد للحاكم هو المقبور صدام حسين، للأسف لا زال الكثير من سياسيينا اليوم يفكرون بالعواطف وبمشاعر الإنتقام. إن مثل هذه الطروحات البائسة لا توفر الأرضية الصالحة لتلاحم أبناء شعبنا ليكونوا يداً واحدة أمام عدوهم الداهم وعدوهم جميعاً متمثلاً بفكر داعش التكفيري الإرهابي الخارج عن الدين والمعادي لجميع المسلمين سنتهم وشيعتهم بل حتى لغير المسلمين من مسيحيين وأزيديين وغيرهم.

 

لا يستطيع الأخ حيدر العبادي تغيير المعادلة إلا بتغيير نهج المالكي، لقد قتل العشرات من الشباب وبالتأكيد بينهم الكثير من الأبرياء في بروانة وغيرها من مناطق ديالى وجنوب بغداد، لقد قتل ألأخ قاسم الجنابي وهدد العبادي بالإقتصاص من المجرمين، ولكنه كان كلاماً إلى حد الآن فحسب، وما لم يتخذ العبادي مواقف صلبة على الأرض خلاف نهج المالكي فلا يتوقع أن يضحي أهل الموصل بأرواحهم من أجل  نظام يفكر بنفس الإنتقام والثأر خلاف منهج رسولنا الأعظم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم جميعاً افضل الصلاة والسلام. لقد تردد في بعض المواقع أن القتلة هم من بعض أفراد الميليشيات، مما لا ينكر أن هناك الكثير من الطيبين والمؤمنين والمجاهدين الحقيقيين ضمن هذه الميليشيات، كما لا ينكر أن هناك الكثير من الأشرار بين صفوفهم، إن مشاركة هؤلاء الأشرار بين صفوفهم لن يزيدهم إلا خبالاً حسب النص القرآني، فيجب على قيادات هذه الميليشيات إن كانت حقاً كما تزعم إنها تقاتل في سبيل الله، آن تكون هي المبادرة إلى ألأقتصاص من هؤلاء القتلة المجرمين، وبخلافه فلن ينعم الله عليهم بالنصر، وإن كان نصراً فهو نصرُ دنيوي محدود عاقبته عقاب أخروي دائم.

 

ما هو المطلوب بعد ضمان تعاون أهل الموصل ؟؟

إن أتبعت السياسات الصحيحة التي تطرقنا إليها آنفاً بحيث أمكن كسب ثقة أهل الموصل وولائهم للحكومة، فعندها يجب إتباع منهج دقيق وفعال لإضعاف داعش ثم القضاء عليهم، إن هذا المنهج يعتمد بالدرجة ألأولى على الجهد الإستخباراتي، لا يمكن أن يتم تحرير مدينة الموصل ما لم يوجد جهد إستخباراتي واسع ومهني وفعال لكشف أفراد داعش ومناطق تجمعهم وتواجدهم، ومراكز قياداتهم ومستودعات أسلحتهم وعتادهم، عندها يمكن توجيه ضربات محكمة عليهم تفقدهم القدرة على المواجهة والإستمرار في القتال.

 

هناك أمر مهم يجب التفكير به بشكل جدي، وهو وجود ألكثير من أفراد داعش ألذين يعتبرون أنفسهم قد تورطوا في إنتمائهم لداعش، فقد يكون الحماس هو الذي دفعهم للإنتماء، ولكن بعدها حينما أكتشفوا إجرام داعش وإنحرافهم عن جادة الصواب وإنهم أناس خارجين عن ألإسلام، فإنهم يرغبون بألإنسحاب من داعش وألإبتعاد عنها، إن هذه الفئة حسب توقعي ليست بألفئة الصغيرة، ولكن كيف الوصول إليهم، إن أفضل طريقة للتعامل مع هؤلاء هو إعطاءهم الأمل في إمكانية إنسحابهم من داعش من دون معاقبتهم، وهذا لا يتم إلا بإصدار عفو عام عن جميع أفراد داعش ممن لم تتلطخ أيديهم بألدماء، إن حصل مثل هذا الأمر فهؤلاء يمكن أن يشكلوا خطراً حقيقياً على داعش، لأنهم يعرفوا مداخل داعش ومخارجها، ولعل هناك الكثير منهم من المتواصلين مع أهاليهم وأقربائهم وأصحابهم، ففتح العلاقة مع هؤلاء الأهل والأصحاب يفتح المجال للتواصل معهم، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بوجود درجة عالية  من الثقة بالحكومة والجيش والحشد الشعبي، ولكن هذا الأمر مفقود في يومنا الحالي، إن تغيير هذا الواقع وكسب هؤلاء يتطلب جهد كبير من رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، وهو الشخص الوحيد القادر على تغيير الصورة وعلى القضاء على داعش بأقل الخسائر إن أتخذ الخطوات الصحيحة في الوقت المناسب.

 

أصناف السياسيين الثلاث

هناك ثلاثة أصناف من السياسيين في عراقنا اليوم، صنف المصالح الخاصة وهؤلاء هم الأغلبية وهم السبب الأول لما نحن فيه من بلاء، وهؤلاء يجب أن ينحوا عن العملية السياسية، ولكن هذا ليس بألأمر الهين أو السهل، فللأسف الشديد أن ثقافة الفساد وألإفساد قد إنتشرت على مدى واسع جداً، وإن كان الناس يعيشون في حالة من ألإحباط على مستقبل البلد، فألسبب ألأساس هو وجود هؤلاء في ألسلطة على مستويات واسعة جداً.

الصنف الثاني هم الذين يقدمون المصلحة العامة على مصلحتهم الخاصة،  وهؤلاء عددهم ضئيل جداً، وأغلبهم بعيد عن السلطة، للأسف أن الكثير من هؤلاء بسبب بعدهم عن السلطة وعدم معرفتهم بالكثير من التفاصيل من غير ما ينشر في الإعلام، فألكثير من أفكارهم وتصوراتهم وبالتالي جهودهم ليست بناءة بالمستوى المطلوب، إن نياتهم صالحة، ولكن جهودهم تنصب على مستويات (هذا صحيح وهذا خطأ). نسأل ألله أن يحفظهم ويوفقهم ليكونوا في المستقبل على مستوى المسؤولية لقيادة وإدارة البلد.

 

الصنف الثالث هم أيضاً ممن يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ولكنهم يتميزون بالوعي، وهؤلاء عددهم أقل من الكبريت الأحمر، ليس همهم الأساس إثبات أنهم على حق والآخرون على باطل، بل همهم الأساس التفكير في أي كلمة ينطقون بها أو أي جهد يبذلوه، ينطلق من قاعدة (كم يكون لهذه الكلمة ولهذا الجهد من دور في تقليل معاناة الناس وبناء البلد وتحقيق مصلحته).

 

إن تولى الصنف ألثاني والثالث حكم البلد على مستوىً واسع فإني متفائل بمستقبل زاهر للبلد، وإن بقي الصنف الأول هو الحاكم على مستوىً واسع، فسيكون المستقبل مجهول، وتصبح الكثير من المخاطر التي نخشى منها متوقعة. نسأل ألله أن يحمي بلدنا ومواطنينا مما نخاف ونحذر، فقد عانى شعبنا معاناة لم يتحملها أي شعب آخر في المنطقة لهذه الفترة الزمنية الطويلة، نسأل ألله أن تكون تلك المعاناة سبباً لفرج من الله قريب، إنه سميع مجيب وإنه نعم المولى ونعم النصير.   

أحدث المقالات