29 سبتمبر، 2024 7:22 ص
Search
Close this search box.

هل هناك أمل بميلاد (سيسي) آخر في العراق ؟! 

هل هناك أمل بميلاد (سيسي) آخر في العراق ؟! 

في غمرة احتفالات الشعب المصري بفوز المرشح (عبد الفتاح السيسي) في انتخابات الرئاسة ، التي جرت على مدى ثلاثة أيام اعتبارا”من يوم الاثنين المصادف 26 أيار الماضي ، يخالج البعض من بقايا العراقيين الذين ما برحوا متمسكين بعراقيتهم شعور غامر بالارتياح والغبطة ، ليس فقط لأنه بادر بقطع دابر التطرف الديني الأهوج الذي كاد أن يطيح بكيان مصر التاريخي والحضاري والإنساني ، مثلما يفعل الآن بالكيان العراقي الموشك على الانقراض فحسب ، بل وكذلك لأنه فضّل (الأمن) على ما يزعم أنها (الحرية) ، أو كما عبر بطريقة تهكمية خصمه في المنافسة (حمدين صباحي) ، في مؤتمره الصحفي يوم الخميس المصادف 29/5/2014 قائلا”(إن الشعب المصري اختار القوة بدلا”من الحقيقية) ، وكأن معنى القوة لا يأتي إلاّ مقترنا”بالشر المستطير ولا يتحصل إلاّ متلبسا”بالظلم المطلق . والحال لماذا نستبشر نحن الذين لا علاقة لنا بأحداث مصر وما يجري فيها حراك شعبي ، إلاّ من باب كونها دولة شقيقة يشدنا إليها الدين الإسلامي والهوية العربية ، ناهيك عن عوامل التاريخ وعناصر الثقافة وأرومة اللغة ؟ . الحقيقة إن ما يجعلنا ننظر بعين التعاطف مع هذه التجربة الفريدة ، ليس فقط كون الشعب المصري – وهذا بكفي بحد ذاته لتقدير مواقف هذا الشعب – أثبت انه من أكثر الشعوب العربية حرصا”على سلامة شخصيته الاجتماعية ، وأشدها تمسكا”بثوابت بهويته الوطنية / المصرية ، خلافا”لما لمسناه لدى بقية البلدان العربية التي ضربتها زوابع الربيع العربي كما يقال فحسب . وإنما – وهنا أتحدث كعراقي – لأنه أجاد التمييز وأحسن الاختيار ، حين وضع ثقته في قيادة أثبتت التجربة أنها شخصية صلبة لا غبار على وطنيتها ، مثلما لا خلاف حول غيرتها على وحدة الشعب المصري وحرصها الشديد في الدفاع عن مصالحه والمنافحة عن تاريخه . وبالتالي فان فوزه جاء بمثابة استجابة لرغبة دفينة ورغبة مقموعة توطنت في عقلنا اللاوعي ، حيال بزوغ شخصية عراقية – عسكرية أو مدنية فالأمر بالنسبة لنا سيان – من هذا الطراز القيادي الوطني ، الذي لا يبحث عن أمجاد شخصية لتخليد أسمه ولا يسعى خلف مكاسب آنية لتعظيم سلطانه ، بقدر ما يروم تحقيق أماني شعبه للعيش في بيئة إنسانية تنعم بالأمن والكرامة والاستقرار ، بعد أن يكون قد تخلص من كل مظاهر التطرف الديني والتعصب الطائفي والعنف الاجتماعي . والحال إذا كان من حق الإنسان أن يحلم ، فهل يا ترى لدينا الحق بأن نتجرأ للحلم بإمكانية أن يحظى العراقيين (بسيسي) آخر ، يمتلك جزء – ولا نقول كل – مواصفات (سيسي) مصر ، بحيث يجعل من أحلامهم حقائق ملموسة ومن أمانيهم وقائع معاشة ؟! . وإذا كانت هناك مؤشرات على وجود مثل هكذا قائد / زعيم في بيئة موبوءة بشتى مظاهر العنف والفوضى والفساد مثل بيئة العراق ؟ !، وهل يا ترى إن طبيعة المجتمع العراقي المحكوم بجدليات الهدم / التدمير الذاتي ، تسمح بميلاد وصيرورة ذلك المهدي المنتظر ؟! . وقبل أن نعطي إجابات قاطعة سواء بالنفي أو بالموافقة إزاء حقنا بالحلم والتمني ، فضلا”عن سماح أو ممانعة خصائص المجتمع العراقي لانبثاق مثل هذا النمط من القادة / الزعماء . فان قراءة سريعة للمسارات التاريخية والحضارية في كل من المجتمعين المصري والعراقي ، مرجح أنها ستساعدنا على حسم خيارنا لصالح هذه الإجابة أو تلك ، ولأن هذا الأمر يحتاج منا الكثير التفاصيل والمعلومات لإثبات هذا الرأي دون ذاك أو العكس ، الشيء الذي يتعذر علينا القيام به في إطار هذا الموضوع المبتسر على نحو فاضح . ولأجل ذلك فإننا نسمح لأنفسنا أن نشير على من يريد التوسع والتعمق حول هذه المسألة الحساسة ، الرجوع إلى كتبنا المتواضعة ((الهوية الملتبسة : الشخصية العراقية وإشكالية الوعي بالذات)) و(( أقنعة وأساطير : مقاربات نقدية حول سوسيولوجيا الثقافة العراقية )) أو (( استعصاء الإصلاح في العقل العراقي : مقاربة حول المعوقات والتوقعات )) ، حيث أشير إلى ما نعتقد أنها بعض الأسباب والعوامل التي جعلت من المجتمع العراقي يصل إلى هذا الدرك الخطير من المواقف الشاذة والسلوكيات المنحرفة . بيد إننا نكتفي هنا بالإجابة عن السؤال الأول فنقول ؛ انه من سلامة عقل المرء ونضج تفكيره عدم الإسراف في الأحلام والإمعان في التمنيات ، ذلك لأن بعض الأحلام – وحتى التوقعات إن لم تكن قائمة على معطيات ووقائع – تؤذي صاحبها أن لم تودي به إلى التهلكة ، لاسيما تلك التي تتخطى حدود حاجات الفرد باتجاه مصالح المجتمع ، أو تتجاوز حرية المواطن إلى مصير الوطن ، أو تعبر حقوق إلى سيادة الدولة . ولهذا فان كل المعطيات المنظورة وغير المنظور تشير إلى انه ليس هناك حاليا”– وللأسف الشديد – ما يخولنا إبداء التفاؤل أو حتى التوقع بإمكانية وجود حلم بهذا الحجم من الجرأة والجسارة . ذلك لأن عقود من عمليات القمع السياسي والردع النفسي ، فضلا”عن التنميط الثقافي والتحنيط الفكري ، جففت نسغ الوعي الوطني لدى الإنسان العراقي وأماتت لديه بواعث الشعور بالمسؤولية ، بعد أن مسخت شخصيته الاجتماعية ونسخت ذاكرته التاريخية وسطحت وعيه الجمعي . وفيما يتعلق بالشق الثاني من سؤالنا ، فان هناك جملة من المعوقات والإشكاليات التي تجعل من المستحيل على الشعب العراقي – في ظل هذه الظروف والأوضاع – إنجاب قائد وطني يرقى إلى مستوى التحديات المصيرية التي تعصف به من كل جانب . لاسيما وان هناك عدة عوامل مساعدة ومشجعة لا تفتأ تطق العنان لجدليات الهدم / التدمير الذاتي – خصصنا موضوع مستقل لشرح الكيفية التي من خلالها تمارس هذه الجدليات فعاليتها في المجتمع العراقي – التي من أبرز وظائفها نسف كل نوع من أنواع التفاعل على مستوى البنيات والمؤسسات ، وتقويض أي شكل من أشكال التواصل على مستوى الإرادات والعلاقات ، وتحطيم أي نمط من أنماط التكامل في الثقافات والسرديات ، وتعطيل أي فعل من أفعال التبادل على مستوى الخبرات والمهارات . بمعنى إن كل تجربة أو ممارسة ؛ سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية أم حضارية ، لا تشرع من الأسس والأصول والقواعد التي سبق لغيرها من التجارب والممارسات أن وضعتها أو تركتها برسم التراكم المعرفي والتنضيد التاريخي والاكتناز الإنساني ، وإنما لابد – لكي تشعر القائمين بها بالرضا النفسي وينالوا القبول الشرعي –  أن تبدأ من نقطة الصفر ، بعد أن تكون قد تركت حقل الثقافة يباب وميدان السياسة خراب . ولأجل أن لا نطيل في موضوع أريد له أن يكون مقتضب ولكنه دال نقول ؛ أيها البقايا والشظايا من العراقيين التعساء ليس من حقكم أن تحلموا كما ليس من حقكم أن تتمنوا ، فهذا وذاك من ترف المطالب وكماليات الحقوق . وحيث إن الترف يزيل النعم كما تعلمون ، فالواجب يقتضي تحذيركم من مغبة رهن مصيركم ومصير أجيالكم ، بأمل أن يأتي يوم يحكم فيه العراق زعيم / قائد من نمط (السيسي) المصري ، ذلك لأن رحم المجتمع العراقي الحالي بات عاقرا”عن إنجاب من يقوم بإصلاح شأن هذه الأمة الكافرة بدينها والناكرة لجميل وطنها . لا بل إن ذلك الرحم العقيم أضحى لا يصلح أن يكون سوى مأوى لمخلوقات العالم السفلي ، التي لا تستهوي العيش إلاّ في الجحور المظلمة ، ولا تفتات إلاّ على بقايا الجثث المتعفة !!! .     
[email protected]

        

أحدث المقالات

أحدث المقالات