لا يختلف اثنان على القول بأن التعثر السياسي والتدهور الاقتصادي والمالي في العراق قد بلغ الذروة، وان الأزمات المفتوحة على غير صعيد باتت تبعث على الخوف من ان يشرع استمرارها الأبواب على المجهول، خصوصاً وان ما يظهر من واقع الحال على مستوى المنطقة لا يطمئن حيث ان العراق يترك لمصيره.
في تقدير البعض ان مرد التعامل الإقليمي والدولي هذا مع العراق يعود لكون ان ازمته الحكومية وغير الحكومية لم تعد محلية بل هي أزمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأزمات المنطقة المتشعبة والمعقدة، وبالتالي فإن الحل لن يكون مجتزأ بل سيكون من ضمن تسوية شاملة بدأ العمل على انضاجها في مطابخ دول القرار.
وفي رأي هؤلاء انه لا يفترض بأهل القرار في العراق انتظار هدوء العاصفة التي تضرب المنطقة، وعليهم العمل قدر الإمكان ترتيب البيت الداخلي للحد من الخسائر التي يُمكن ان تلحق بهذا البلد نتيجة حالة اللاتوازن التي تعنيها المنطقة طولاً وعرضاً، وهذا يحتم عليهم الإسراع في طي الملف الحكومي والانصراف إلى مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط التي لم يعتد العراق على مثيل لها منذ عقود من الزمن.
وتجمع المعطيات بأن المعنيين بالشأن السياسي والمالي قد تنبهوا إلى المخاطر التي تحدق العراق ، وقد تولّد لديهم في الساعات الماضية قناعة بضرورة انتشال الحكومة من النفق الموجود فيه، حيث تتقاطع المعلومات عند ايجابيات ظهرت أمس وهي ايجابيات قابلة للتطوير مع قابل الأيام بما يؤدي إلى تقديم الرئيس المكلف مصطفى الكاظمي توليفته الحكومية إلى البرلمان قبل رمضان . وهذه الإيجابيات مبنية على ثوابت حصلت كان من بينها اللقاء المطوّل الذي جمعه مع رؤساء الكتل السياسية حيث حصل وفق بعض المعلومات توافق على مخارج للتأليف و بروز مؤشرات ومعطيات تؤكد اتجاه عملية التأليف إلى بر الأمان.
وتؤكد المعلومات بأن الإيجابيات التي ظهرت أمس في حال استكملت اليوم وغداً فإننا ربما نكون أمام إعلان حكومة قبل قبل رمضان ، من دون الكشف عن شكل هذه الحكومة لكن يقال بأنها ستكون حكومة ترضي كل الأطراف، وان هذا الاستعجال في نزع الألغام التي كانت موجودة امام ولادة الحكومة جاء بعد ان وصلت الأزمة إلى منعطف خطير مع عودة التظاهرات بزخم قوي إلى الشارع.
وفي مقابل المنطق الذي يُؤكّد بأن كل الخطوات التي جرت في الساعات الماضية تدل بشكل واضح على اقتراب صعود الدخان الأبيض الحكومي، فإن منطق سياسي آخر يرى انه من المبكر الحديث عن قرب ولادة الحكومة، إلا إذا حدثت لحظة تجلي وذهب الجميع إلى اعتماد قاعدة تبادل التنازلات للوصول إلى حلول.
وفي رأي أصحاب هذا المنطق بأن الوضعين الداخلي والإقليمي يتطلبان وجود حكومة تكنوسياسية تكون قادرة على مواكبة التطورات المحتملة، وهذا الرأي يعارضه الرئيس المكلف الذي ما زال متمسكاً بحكومة تكنوقراط متجاوزاً مقولة ان ما كان يصح قبل اغتيال اللواء قاسم سليماني ودخول المنطقة في آتون النار لا يصلح الآن، ولكن السؤال هل يستطيع الرئيس المكلف تشكيل مثل هكذا حكومة وان يؤمن لها الغطاء السياسي بالطبع لا.. لكنه ووفق مقربين منه سيبقى يصارع لتحقيق هذا الهدف إلى أبعد الحدود، ما دام الذين سموه لا يستطيعون ان ينزعوا عنه صفة التكليف، لكنه في مطلق الأحوال لن يستطيع البقاء في المركب وحده.
وفي تقدير مصادر متابعة ان المرحلة السياسية الآن بلغت حدّ حك الركاب واثبات الوجود، وان مساحات المناورة ضاقت كثيراً، ففي اليومين الماضيين وصلت الأمور بالفريق الذي سمى الرئيس المكلف التفتيش عن مخارج دستورية لانتزاع التكليف منه لكنه وجد انها معدومة، ووصلت الأمور إلى حدّ التفكير بالاعلان عن عدم المشاركة في الحكومة وتركه لوحده ساعتئذٍ لن يستطيع الإقلاع، حيث في أسوأ الأحوال في حال استطاع العبور بالحكومة إلى المجلس فإنها ستسقط بضربة عدم نيل الثقة.
وترى المصادر اننا وصلنا إلى منعطف، فإما يُصار إلى التوازن في آخر لحظة على تأليف الحكومة، وإما ان يتخذ الرئيس المكلف قراره بالمتابعة، بمعنى البقاء على حافة الانتظار ومعه البلد وإما يعتذر.