طالما اتهمت من قبل أصدقائي ومن يعرفونني بأنني كثير التفاؤل بخاصة فيما يتعلق بمستقبل العراق غير ان قرائتي الأولى لنتائج آخر استطلاع للرأي العام أجرته الشركة المستقلة للبحوث بددت كل تفاؤل ممكن. لقد أظهرت النتائج ادنى مستوى للتفاؤل وأعلى مستوى للتشاؤم بين العراقيين. فمنذ عام 2003 وهو تاريخ أول استطلاع للرأي العام أجريته في العراق وحتى هذا الشهر من عام 2016 لم أشهد مثل هذا التشاؤم بين العراقيين حيث أفاد 85% من العراقيين ان العراق يسير بالإتجاه الخاطئ. وفي الوقت الذي كانت فيه الإستطلاعات السابقة تظهر تفاؤلاً ملحوظاً بين بعض فئات الشعب العراقي مثل الأكراد وبعض المناطق العراقية الأخرى التي طالما تمتعت بنوع ما من الإستقرار الأمني أو ببعض البحبوحة الإقتصادية فإن الأرقام الحالية تظهر تشاؤماً ملحوظاً وبشكل مطلق بين كل أفراد الشعب العراقي بمختلف انتمائاته. فأكثر من 95% من الأكراد و80% من الشيعة و85% من السنة يعتقدون ان العراق يسير بالإتجاه الخاطئ.
الا أن الأهم مما أظهرته النتائج الحالية هو ان الشعب العراقي كما يبدو قد نفض يديه من الدكتور حيدر العبادي وان شهر العسل الذي عاشه السيد رئيس الوزراء نهاية عام 2014 وبداية عام 2015 قد انتهى. لقد حظي السيد العبادي باجماع واسناد نادر من قبل كل العراقيين حيث بلغت نسبة من يفضلون العبادي في نهاية عام 2014 وبعد فترة وجيزة من استلامه مهامه بحوالي 85%. لا بل انه حظي بأعلى مستوى ثقة لرئيس وزراء منذ عام 2003 في الأوساط السنية حيث أيده أكثر من 66% من السنة. في حين أن تأييده بين الشيعة كان أعلى من ذلك بكثير. الا ان اكثر من سنة من الإنتظار والأمل غير الواقعيين كما يبدو جعلت العراقيين يديرون ظهرهم للعبادي ويولون وجههم شطر اليأس والإحباط. فقد انخفضت شعبية العبادي من 66% كما أسلفنا في نهاية عام 2014 الى حوالي 20% فقط.
لقد نجح العبادي حقاً في تحطيم أرقام الرأي العام القياسية كافة. فبعد ان حطّم في نهاية عام 2014 الرقم القياسي في أعلى مستوى شعبية لرئيس وزراء عراقي منذ بدأنا بتسجيل أرقام شعبية الساسة العراقيين عام 2003، ها هو في شباط 2016 يحطّم الرقم السياسي لأدنى مستوى شعبية لرئيس وزراء عراقي حيث أفاد حوالي 70% من العراقيين بأن العبادي قائد غير مفضل لديهم.
ويبدو أن عام 2016 جلب أخباراً غير سارة أخرى للسيد رئيس الوزراء حيث أكدت الأرقام اعلاه حقيقة بدء تعالي الأصوات المطالبة برحيل العبادي والباحثة عن بديل عنه. ومع ادراكي لحقيقة ان بديل العبادي قد يكون أسوأ لمستقبل العراق نظراً لسيطرة قوى التطرف على المشهد العراقي الحالي الا أن تباطؤ العبادي في اجراء اصلاحات حقيقية قد يعجّل في طلاقه الكاثوليكي مع العراقيين. وقد يتسائل البعض ما الذي يمكن للعبادي ان يفعله في ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة والوضع الأمني الداخلي والإقليمي المعقد حالياً أقول أن هناك قاعدة فقهية أساسية تقول أن درء الفاسد قبل جلب المنافع. فإذا كان السيد العبادي غير قادر على جلب منافع حقيقية للعراقيين بسبب الظروف الاقتصادية والامنية المحيطة فليس أقل من درء المفاسد عنهم. وأي درء للفاسد أهم من الضرب على يد ورأس الفاسدين من جهة الذين يهددون حياة وأمن العراقيين من عصابات وميليشيات سائبه من جهة أخرى.