يقول أنطونيو غرامشي : ” القديم يحتضر والجديد يتعّسّر بالولادة ” .. وبين الاحتضار والولادة ثمة مخاض عسير في بعض الاحيان .. يفرز الكثير من المفاجئات , وعند مراجعتنا للقديم المحتضر .. بالصعق والعصف الاميركي .. لابد لنا ان تطرّق الى ظلامية اربعة عقود , والى حال الناس البائسين الخارجين من رحم قرون الاستبداد والقهر .. نظام مستبّد قلب موازين النظر الى الحق وشوّه القيّم ومسخ الاعراف لمجتمع كان في محل الذروة من الانسانية .. ليُحيله الى مجتمع ذو ثقافة متهّرّئة سمتُها الاستبداد بجميع انواعه وتلويناته … مجتمع نصفه مأزوم بالشبع ونصفه مأزوم بالحرمان … فللأستبداد الدور الكبير في هدم الفضيلة في المجتمع , لانه يتعّدى على حقوق مواطنيه ويحرمهم من اسحقاقاتهم المادية وبالنتيجة خسارتهم للتقدير المعنوي الذي يستحقونه .. مما يؤدي به الى موت الشعور بمصلحة البلد في نظر المواطن , فلا يهمه سوى مصلحته الشخصية التي يُغّلّبٌها على الصالح العام , بل يحيله الى كائن يلعن الوطن الذي لم يقدّم له شيء ويطالبه بكل شيء , وليُحيل المواطن الى رقم لايّعنيه شيء اسمه مصلحة الوطن … هذا هو حال المواطن المحروم , وأما حال من تنعّم بالسلطة سنين هو او اقاربه او منطقته وقد فقدها على حين غرّة , فانه اما ان يكون حاضنا او منفّذا ارهابيا , وفي احسن حالاته يكون صامتا , لامبال بالارهاب , طالما هو لايستهدفه , ورقم سلبي لايتعاون مع الاجهزة الامنية بالاخبار عن مخابىء الارهاب … ومن هذا المدخل نلُج الى الحديث عما يجري في العراق هذه الايام وفي الحبيبة بغداد بالخصوص … تفجير للسيارات المفخخة بالجملة وفي اماكن مكررة .. وكأنما هو اعلان حرب وابادة جماعية لعامة الشعب العراقي , ولشريحة الشيعة الامامية بالخصوص ( الاغلبية السكانية في العراق ) , وبأيادي قذرة ومعدومة الضمير وفاقدة للانسانية .. من ابناء سقط متاع الارض .. يقودهم ويوّجّه حركتهم بقايا مزابل البعث الصدامي , ومن مؤسسته الحزبية – الامنية .. لان من فقد السطوة والجاه والاستعلاء بالامس , وأضحى مشردا في فيافي الارض ( خوفا من قصاص ضحاياه ) , وان كان بامر الاميركي بريمر – هذا الصنف من الناس على اتم الاستعداد لفعل أي شيء دنيئ .. التفجير والقتل والنهب والسلب وحرق الممتلكات العامة وبحرفية عالية , يحرّكها حقد دفين وثقافة سوء ترّبى عليها هؤلاء , يحرّكهم اعداء التجربة الوليدة في العراق , وباغداق فلكي للمال .. وعلى راسهم النظام السعودي – الوهابي القذر , وفكره الطائفي الاستئصالي الناصبي , وبتخطيط وتوجيه صهيوني مكشوف لكل ذي بصيرة ( لكي تنعم اللقيطة اسرائيل بالامان الدائم ) , فاسرائيل لا تغلُب باختراق او خلق منظمات ارهابية وان كان باطار اسلامي كالنصرة وقاعدة العراق – الشام , السيئة الصيت — فهم شراذم ولقط وسقط متاع الارض , يربطهم ويحركهم الحقد وتكفير وتخوين الاخر المختلف , لاقامة دولة الخلافة المزعومة , وفي وضع مأساوي لانرى بارقة امل للخروج منه – وفي هذه اللحظات التاريخية المفصلية { ولما للدماء الانسانية من شرف يعلو شرف الكعبة المقدسة } , نرى : { نحن ابناء الاضاحي التي يهدر دمها كل يوم في بغداد الحبيبة وبقية المحافظات } الحاجة الى شخص قوي يضبط نوازع الشر وفوضوية الغرائز , بسياسة حازمة ويد حديدية , وليكن اسمه مستبد عادل او دوكتاتور صالح , يحتاج لظلم القلة لاقامة المصلحة العامة — لان الكثير منا متدني الوعي , ونعاني من انقسام مجتمعي حاد , واخيرا نحن فاقدين للبوصلة بين الحرية والفوضى . لك الله ياعراق اضاعه اهله !