عبيد الله بن الحر الجعفي (توفي عام 68 هج/687م) شاعر من بني منجح،ولد ونشأ في الكوفة ، اشترك في حرب القادسية ، وناصر معاوية بن أبي سفيان ، فكان يكرمه ، ثم حارب بني أميّة ، وكانت له مواقف من الفتنة ، ثم مات قتلاً بيد رجل يقال له (عياش) ، ويروي ابن حمدون أنه كان شاعراً شجاعاً فاتكا، كان لايعطي الأمراء طاعة ، له وقائع عظيمة هائلة ، قتل وقد تفرّق أصحابه في بعث وبقي في عشرة ، صرعه (أبو كدينة الباهلي) ، إنه ألقى نفسه في سفينة ليعبر الفرات ، فعالجه الملاح فاتحدا فغرقا جميعا …
وله اشعار منها ما أنشأه في رثاء ابي عبدالله الحسين (ع) ذكرها البغدادي في خزانة الادب ج 1 ص 296.قلت لم نجد في كتب التاريخ والحديث ما يدل على حسن حال عبيدالله الجعفي ولذا ينكر على النجاشي ذكره في عداد سلفنا الصالحين من مصنفي الامامية هذا مع ان النجاشي هو الاولى بالعلم بأحوال الرجال لاحاطته وقوة وبصيرته. ولعله رحمه الله اكتفى في ذلك بما عرف من صحة اعتقاده وعدم مشاركته في نصر معاوية على اميرالمؤمنين عليه السلام.ولما دخل على معاوية وكان له مكرما، قال لعلك يابن الحر قد تطلعت نحو بلادك ونحو علي بن ابي طالب (ع) قال عبيدالله ان زعمت ان نفسي تطلع إلى بلادي وإلى علي (ع) إني لجدير بذلك. وإنه لقبيح لي الاقامة معك وتركي بلادي. واما ما ذكرت من علي (ع) فانك تعلم انك على الباطل.
فقال له عمرو بن العاص كذبت يابن الحر وأثمت فقال له عبيدالله بل انت اكذب مني ثم خرج مغضبا. ولما رجع من الشام إلى الكوفة، وعرف ان امرأته بالكوفة قد أخذها اهلها وزوجوها من عكرمة، خاصمهم إلى علي بن ابي طالب فقال له: يابن الحر أنت الممالئ علينا عدونا فقال ابن الحر: اما ان ذلك لو كان لكان أثري معه بينا وما كان ذلك مما يخاف من عدلك وقاضى الرجل إلى علي عليه السلام، فقضى له بالمرأة، فاقام عبيدالله معها منقبضا عن كل أمر في يدي علي عليه السلام.كما في خزانة الأدب للبغدادي ج 1 ص 297 .
عبيد الله بن الحُرِّ الجُّعفي ؛ رجل دعاه الحسين عليه السلام لنصرته، لكن الحظّ لم يحالفه في مرافقة قافلة الحسين، واعتذر عن نصرة الإمام، رأى الإمام خيمته في منزل قصر مقاتل، فبعث إليه الحجّاج بن مسروق يدعوه للالتحاق بمعسكره عليه السلام ومناصرته. فاعتذر أنه خرج من الكوفة لكي لا يكون مع الحسين، لأنه لا نصير له في الكوفة.
نقلوا قوله إلى الحسين فسار إليه هو وجماعة وتحدّثوا معه عن أوضاع الكوفة، وطلب منه الإمام أن يغسل ذنوبه بماء التوبة ويسارع إلى نصرة أهل البيت (ع)، فأبى ذلك ؛ولكنه عرض أن يُعطي الإمام فرساً مسرجاً وسيفاً بتاراً، فقال له الإمام الحسين عليه السلام: “يا ابن الحر، ما جئناك لفرسك وسيفك، وإنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي اتّخذ المضلين عضداً؛ لأنّي قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقّهم إلاّ أكبّه الله على وجهه في النار”(الفتوح لابن أعثم الكوفي 84:5، موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام:365)، ثم خرج الحسين وعاد إلى خيمته.
وكان شجاعا لا يعطى للأمراء طاعة وربما كان يخرج في خمسين فارسا.ولما دخل على معاوية قال: يابن الحر ما هذه الجماعة التي بلغني أنها ببابك قال أولئك بطانتي أقيهم وأتقى بهم إن ناب جور أمير. وجرى بينهما كلام في علي عليه السلام فخرج عبيدالله مغضبا وارتحل إلى الكوفة في خمسين فارسا وسار يومه ذلك حتى إذا أمسى بلغ مسالح معاوية، فمنع من السير، فشد عليهم وقتل منهم نفرا، وهرب الباقون، وأخذ دوابهم، وما احتاج إليه ومضى، لا يمر بقرية من قرى الشام إلا أغار عليها حتى قدم الكوفة. ولعله لذلك قيل له الفارس الفاتك.. كما خزانة الأدب للشيخ ابن عمر البغدادي ج 1 ص 297
و بعد واقعة كربلاء ندم أشد الندم على تفريطه في نصرة الإمام، ولام نفسه في أبيات مطلعها: “فيا لك حسرة ما دمت حيّاً . . . ” (حياة الإمام الحسين 363:3، نقلاً عن مقتل الخوارزمي)، قال البعض أن اسمه عبد الله بن الحر.
ولم يشارك ابن الحر في نصرة يزيد لعنه الله على حرب الحسين واهل بيته عليهم السلام.
فلما قتل مسلم بن عقيل عليه السلام بالكوفة وتحدث أهل الكوفة إن الحسين عليه السلام يريد الكوفة خرج ابن الحر متحرجا من دم الحسين ومن معه من أهل بيته وبذلك نطق أيضا عندما واجهه الحسين عليه السلام قائلا له: ما يمعنك يابن الحر أن تخرج معي ، قال ابن الحر لو كانت كائنا من احد الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك.
ولما قتل الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام ندم ابن الحر على تساهله وتركه لنصره، ورثاه بشعره المعروف. ذكر ذلك البغدادي في خزانة الأدب ج 1 ص 296:
يالك حسرة مادمت حيا
تردد بين حلقي والتراقي
حسينا حين يطلب بذل نصري
على أهل العداوة والشقاق
ولو أنى أواسيه بنفسي
لنلت كرامة يوم التلاق
مع ابن المصطفى نفسي فداه
فيا لله من ألم الفراق
غداة يقول لي بالقصر قولا
أتتركنا وتزمع بالطلاق
فلو فلق التلهف قلب حي
لهم اليوم قلبي بانفلاق
فقد فاز الأولى نصر وآحسينا
وخاب الآخرون أولي النفاق
و كان عمر بن قيس ممن دعاهم الإمام عليه السلام في هذا المنزل إلى نصرته أيضاً، فتقاعس ولم يستجب لنداء النصرة. إنَّ نداء الإمام لمناصرته يوجب التكليف على الناس، وكل من يسمع نداء((هل من ناصر؟)) ولا يستجيب، فهو من أهل النار، ونداء النصرة هذا ؛ قائم على مر التاريخ ، فكلّ يوم عاشوراء ، وكل أرض كربلاء، والسعادة هي التضحية بالنفس والمال في سبيل الدين، وفي ظل قائد إلهي، وليس هناك أشقى ممن يسمع نداء الإمام المعصوم فلا يستجيب له، ويبخل بالتضحية في سبيل الله بنفسه التي هي أمانة الله عنده.
ومن شعره أيضا ، ما مطلعه ؛ ولما دعا المختارُ للثأر أقبلتْ كتائبُ من أشياع آل محمدِ
ولما دعا المختار للثأر أقبلت
كتائب من أشـــياع آل محمدِ
وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم
وخاضوا بحار الموت في كل مشهدِ
همُ نصروا سبط النبي ورهطه
ودانوا بأخذ الثأر من كل ملحدِ
ففازوا بجنات النعيم وطيبه
وذلك خير من لجين وعسجدِ
ولوأنني يوم الهياج لدى الوغى
لأعملت حد المشرفي المهندِ
ووا أسفا إذ لم أكن من حماته
فأقتل فيهم كل باغ ٍ ومعتدِ
تقول الروايات: بأنه لم يكن يجسر أحد من الشعراء وغيرهم على المجاهرة برثاء الحسين (عليه السلام) والبكاء عليه مدة ملك بني أمية وسلطنتهم، عدا من شذ ممن كان يقول الأبيات المعدودة في الرثاء مجاهراً بها، وبما يبديه من حزن وجزع وبكاء على الإمام الشهيد (عليه السلام) وقد نقلت بعض الأبيات في رثائه التي قيلت على عهدة بني أمية في أوائل ملك العباسيين.
ويستدل من هذه الأبيات أن رثاء الإمام (عليه السلام) والنياحة عليه في أوائل العباسيين وفي أواخرهم تبارى شعراء الإسلام فيه. وكان في مقدمة هؤلاء الشعراء شعراء الشيعة الذين أكثروا في هذا الرثاء والنحيب، نظراً لما لا قوه من الحرية نتيجة ضعف العباسيين. ولقد اختلفت الروايات وتباينت الأخبار في أول من قام بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) وقبور آله وأصحابه، ورثائه، والنوح عليه وعليهم، بعد أن تم دفن الأجساد من قبل أفراد من قبيلة بني أسد.
وقد تواترت هذه الروايات بأن أول هؤلاء الراثين والنائحين على القبر هو عبيد الله بن الحر الجعفي، لقرب موضعه من ساحة الشهداء.
( إن أول من زار قبر الحسين (عليه السلام) بعد مصرع الحسين ودفن الأجساد كما روى عن أبي مخنف هو عبيد الله بن الحر الجعفي، الذي كان من شجعان العرب ومن شعرائهم الأفذاذ وكان من المحبين للإمام (عليه السلام) وحضر معه معظم حروبه. وعندما سمع بقدوم الحسين خرج من الكوفة وأتى قصر بني مقاتل حتى نزله الحسين في طريقه إلى كربلاء…). وبعد أن يذكر الكاتب اجتماع الحسين بعبيد الله، وامتناع هذا عن نصرة الحسين يقول:
( فودع الحسين عبيد الله بن الحر، ثم سار الحسين إلى كربلاء وترك عبيد الله في فسطاطه، وبعد رحيل الحسين أتى منزله على شاطئ الفرات فنزله. ولما كان مقتل الحسين جاء إلى كربلاء ووقف على أجداث الشهداء، وبكى بكاءً شديداً، واستعبر، ورثى الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بعد أن جرى ما جرى بينه وبين ابن زياد، ووقف باكياً متأوّهاً، منشداً قصيدة طويلة في رثاء الإمام وندمه لعدم اشتراكه في القتال.
وهذه الأبيات من تلك القصيدة :
يــقـول أمــيــر غــادر وابــن غــــــادر ألا كــنــت قــابــلت الشــهيد بن فاطمه
ونــفــسي عــلــى خــذلانــه واعـتزاله وبــيــعــة هــذا الــنــاكث الــعهد لائمه
وفــيــا نــدمــي أن لا أكــون نــصرتـه الأكــــل نــفــس لا تــســــدد نــائــمـــه
ويــا نــدمــــي أن لــم أكــن من حماته لــذو حــســرة مــا أن تــفــارق لازمه
ســــقــى الله أرواح الــــذيــن تــآزروا عــلــى نــصــره سقياً من الغيث دائمه
وقــفــت عــلــى أجــداثهــم ومــحالهم فــكــاد الــحشى ينقض والعين سـاجمه
لــعــمري لقد كانوا سـراعاً لي الوغى مــصــاليت في الهيجا حـماة خـضارمه
تــآسوا عـلى نـصـر ابـن بـنـت نـبـيهم بـأسـيـافـهـم آســـاد غــيـل ضـراغـمـه
فـإن تـقـتـلـوا فـكــــل نــفـــس تــقـيــة عـلـى الأرض قـد أضـحت لذلك واجمه
ومــا أن رأى الـــراؤون أفـضـل منهم لــدى الـمـوت ســادات وزهـر قـمـاقمه
أتـقـتـلـهـم ظـــلـمـاً وتـرجــوا ودادنـــاً فــــــدع خــطــة لـيـسـت لـنـا بـمـلائمه
لـعـمـري لــقـد راغـمـتـمـونـا بـقـتـلهم فـكـــم نـــاقـــم مـنـا عـلـيـكـم ونـاقـمـه
أهــــم مـــراراً أن أســيـــر بـجـحـفـــل إلى فـئــة زاغــت عـــن الـحـق ظـالمه
فــكـفــــوا وإلا زرتــكـم فـي كــتـائـــب أشــــد عـلـيـكـــم من رصوف الديالمه
أما الحر بن يزيد الرياحي (رض)(61هج/680م) أحد شهداء معركة كربلاء ؛ الذي كان من قادة شرطة عبيد الله بن زياد والي الكوفة في خلافة يزيد بن معاوية ، وكان من وجوه وشجعان العرب ، أرسله والي الكوفة مع ألف فارس ، لمنع الإمام الحسين (ع) من الدخول إلى الكوفة.
سار بجيشه لتنفيذ هذا المهمّة، فالتقى بركب الإمام الحسين (ع) عند جبل ذي حسم، ولمّا حان وقت صلاة الظهر صلّى وأصحابه خلف الإمام الحسين (ع) .
ثمّ عرض عليه الإمام الحسين كتب أهل الكوفة التي يطلبون فيها منه المجيء إليهم.
فقال الحر: فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدّمك إلى عبيد الله بن زياد.
ثمّ لازم ركب الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخذ يسايره حتّى أنزله منطقة كربلاء.
لمّا رأى الحر إصرار القوم على قتال الإمام الحسين بدأ يفكّر في أمره، وأقبل يدنو نحو الحسين قليلاً قليلاً، (فقال له رجل من قومه، يقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت، وأخذه مثل العرواء، فقال له: يا ابن يزيد، والله إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟
قال: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً، ولو قطّعت وحرّقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين.
وقف بين يدي الإمام الحسين معلناً توبته، قائلاً: «إنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال(عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك.
ثمّ قال للإمام الحسين (ع) : لمّا وجّهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي: أبشر يا حرّ بخير. فالتفت فلم أر أحداً، فقلت: والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين وما أحدّث نفسي باتباعك. فقال(عليه السلام): لقد أصبت أجراً وخيراً.
خاطب الحر(رض) عسكر الأعداء بقوله: أيّها القوم، ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرضها عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله… يا أهل الكوفة، لأُمّكم الهبل والعبر أدعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأحطتم به، ومنعتموه من التوجّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي والنصراني والمجوسي، ويتمرّغ فيه كلاب السواد وكلابه، وها هو وأهله قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه. فرموه بالنبل فرجع حتّى وقف أمام الحسين(عليه السلام).
استأذن الحرُُّ الحسينَ للقتال، فأذن له، فحمل على جيش عمر بن سعد، وهو يرتجز ويقول:
إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف ِ ** أضرب في أعناقكم بالسيف ِ
عن خير مَن حَلّ بلاد الخيف ِ** أضربكـــم ولا أرى من حيف ِ
ثمّ أحاطوا به من كلّ صوب وحدب، وأردوه قتيلاً، «فأتاه الحسين، ودمه يشخب، فقال: بخٍ بخٍ يا حر، أنت حرّ كما سمّيت في الدنيا والآخرة.
ثمّ أنشأ الحسين(ع) :
لنعم الحرّ حرّ بني رياح ِ ** وحرّ عند مختلف الرمــاح ِ
ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً ** فجاد بنفسه عند الصباح ِ
وهو من جملة شهداء عاشوراء الأجلاّء. وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة، دعاه ابن زياد لمقاتلة الحسين (ع) وانتدبه على ألف فارس. يُروي أنّه لمّا خرج من قصر الإمارة لهذه المهمّة نودي من خلفه: أبشر يا حرُّ بخير(قاموس الرجال 3: 103، أمالي الصدوق: 131).
لقي الإمام الحسين(ع) في منزل “قصر بني مقاتل” أو منزل “الشراف”. واعترض مسيره إلى الكوفة، وظل يسايره إلى كربلاء. ولمّا رأى الحرّ أنّ القوم عازمون على حرب الحسين، تذرّع بأنّه يريد سقي فرسه في صباح يوم العاشر، وفارق جيش ابن سعد والتحق بركب الحسين(ع)، ووقف بين يدي الحسين(ع) معلناً توبته، ثم استأذنه للمبارزة والقتال دونه.
إنّ هذا الاختيار المثير، واختيار الجنّة على النار، قد جعل من شخصية الحرّ شخصية محبوبة وبطولية.
تقدم الحر إلى العدو وكلمهم أبلغَ القول ووبخهم على محاربة الحسين،وقد أوشك كلامه أن يثير بعض جيش ابن سعد ويصرفهم عن حرب الحسين(ع)، فرماه جيش العدو بالسهام. فعاد إلى الحسين(ع)، وبرز بعدها إلى الميدان وقاتل قتال الأبطال حتى استشهد رضوان الله عليه.
وكان عند القتال يرتجز ويقول:
إنّي أنا الحـرّ ومأوى الضيف
أضـرب في أعناقكم بالسـيفِ
عن خير من حلَّ بأرض الخيف
أضـربكم ولا أرى من حـيفِ
(بحار الأنوار 45: 14)
ممّا يدلّ على شجاعته واستماتته في القتال والذبّ عن سيّد الشهداء، ومدى معرفته لأحقيّة هذا الطريق. بعد استشهاده حمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يديه وبه رمق، فجعل الإمام الحسين (ع) يمسح وجهه ويقول: “أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة” حتى فاضت روحه الطاهرة مستشهداً بين يدي سيد شباب أهل الجنّة .
عصّبَ الحسينُ رأسَ الحر بمنديل. وبعد واقعة الطف دفنه بنو تميم (أهله) على بعد ميل من قبر الحسين، حيث قبره الآن خارج كربلاء في المنطقة التي كانت تسمى قديما بـ”النواويس” (المصدر:الحسين في طريقه إلى الشهادة: 97).
وممّا ينقل أنّ الشاه إسماعيل الصفوي حفر قبر الحر ووجد جسده سالماً،ولما أراد فتح العصابة التي على رأسه سال دمه، فأعادوها كما كانت. ثم بنوا قبّة على قبره (سفينة البحار 1: 242 نقلاً عن الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ـ قدس ـ).
روت كتب المقاتل وجميع المصادر التي أوردت أخبار واقعة الطف، سيرة الحرّ ودوره في الواقعة منذ لقائه بقافلة سيّد الشهداء، حتى توبته والتحاقه بجبهة الحقّ واستشهاده بين يدي الحسين(ع)، وكانت توبته المبكرة من أسمى سمات شخصيته ومن ألمع معالم حياته.
والحالة هذه ؛ فالعراقيون ، منذ مصرع الإمام الحسين (ع) وهم يبكون نادمين على وقوع تلكم المأساة المروّعة والفاجعة المفزعة ، التي إهتزَّ لها العرش ، وبكت عليها ملائكة السماء ، بمقتل إبن بنت نبي الأمّة الإسلامية .. خاتم الأنبياء الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار الطيبين وأصحابه المنتجبين .
لقد عاشت الأمّة الإسلامية بعد مصرع الإمام الحسين الألم الحبيس والأمل المتطلع إلى الأخذ بثاراته(ع) هو والمستشهدين بين يديه ، إلى أن أسقطت الأمّة باسم الثأر للحسين (ع) سلطان الحكم الأموي المتجبر الظالم ، وجاءت دولة بني العباس..أولئك الذين رفعوا شعارات الثأر لحقِّ آل محمد (ص)، لكنهم ؛ أخلفوا عهدهم للأمّة،فأبتعدوا عن طريق حق آل بيت رسول الله همُ أيضا،وأقترفت السلطة العباسية أشنع أدوارها في ظلم الطالبيين من ولد علي (ع) وآل بيت محمد (ص).
والحالة هذه أيضا؛فالتاريخ يعيد أدواره وصوره،بأشخاص ومسميّات وأزمنة ومواعيد وتواريخَ متعاقبة،وإنْ تباعدت القرون وترامت الحقب،لكن؛حقّ آل أبي طالب لمّايزل مهضوما !
لقد تاجر الأمويون بقميص عثمان ، ومن ثم؛ تاجر العباسيون بدم الحسين (ع) فأسقطوا دولة بني أميّة ، فهل يتاجر بعض سياسيو عراق اليوم بدم السيد محمد باقر الصدر (رض) ، ودم السيد محمد محمد صادق الصدر (رض) ، ودم الزعيم عبد الكريم قاسم (رحمه الله) ، ودم الشهيد محمد مظلوم (رحمه الله) ، ودم الشيخ عبد العزيز البدري(رحمه الله)، ودماء الفلوجة والنجف الأشرف .. وآخرين ، عندما أمهلت إرادة السماء ولم تهمل لسيف الدنيا إسقاط دكتاتورية حكم آل صدام حسين والبعث في العراق ؟!!!
هنالك عراقيون ؛ كانوا أيام (محنتنا) .. محنة العراق خلال حكم صدام حسين ، لا يختلفون عن عبيد الله بن الحر الجعفي ، وكان هنالك عراقيون ؛ لم يختلفوا عن الحربن يزيد الرياحي (رض) ، وكان هناك عراقيون؛ لم يختلفوا عن حبيب بن مظاهر الأسدي (رض) ، وعن هانئ بن عروة (رض) ، وعن زهير بن القين(رض) …
كان هنالك ؛ (حُسَيْن) قتله الظالمون .. وكان هنا؛ (محمد باقر الصدر) قتله الظالمون !
كانت هنالك ؛ الحوراء زينب .. لم يقتلها الظالمون .. وكانت هنا؛ بنت الهدى .. قتلها الظالمون !
كان هنا؛ عبيديون إبتعدوا عن المواجهة ، ففرّوا خارج الحدود .. تركوا الصدر وحيدا فندموا !!!
كان هنا؛ أحرارٌ أصروا على المواجهة حتى الإستشهاد،فماتوا مع الصدر،ودُفِنوا معه في العراق !!!