23 مايو، 2024 1:45 ص
Search
Close this search box.

هل نحن أغبياء كما يتصورون ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

ليس اذكر جديدا على أذهان القرّاء الكرام ممن اطلع ولو على بعض كواليس السياسة القذرة إذا قلت بأن كل الدول والأحزاب والحكومات أو غالبيتها تلجأ الى اختراع وفبركة عدو للشعوب والأمم التي تحكمها أو تريد أن تحكمها وتخلق منه فزّاعة يخوفون ويهددون بها وقت ما شاءوا وأنّى أرادوا , حتى تخضع وتخنع وتستلم لهم هذه الشعوب والأمم في أدارتهم والتنازل عن جميع حقوقهم فقط من أجل صد ودفع هذا العدو الغاشم الذي يريد القضاء عليهم وتدمير حياتهم , ولا يخفى على كل ذي لب أن الحقيقة هي غير ذلك تماما وأن القضية برمتها ما هي إلا فلم سينمائي من إنتاج وإخراج وتمثيل هؤلاء الساسة الفاسدين المنافقين الساقطين من اجل خداع الرأي العام الذي ينتمون أليه حتى يخدعوا ويدجلوا على فسادهم وظلمهم وانحطاطهم في إدارة البلاد والشعوب أما لانعدام الكفاءة السياسية والإدارية وأما لانعدام العدالة والأخلاق المهنية المحترمة في السياسة والإدارة وأما لكليهما وهذا هو الأكثر جدا لشديد الأسف في تاريخ الأمم والحضارات , فبقراءة سريعة ومستعجلة ولو لما حصل خلال القرن الفائت فقط سوف ترى العجب العجاب لكثرة هذه المسرحيات التراجيدية التي افتعلها وأنتجها الحكام الطواغيت لشعوبهم وأممهم , بل والأعجب أن ترى إن هذه المسرحيات نجحت نجاحا منقطع النظير في التأثير في مشاعر الشعوب وإراداتهم وتحركاتهم حدا وصل الى التعبئة الجماهيرية المسلحة والعسكرية , فيذكر التاريخ كثيرا من هذه المسرحيات عندما عجز الحكام الطغاة عن تهيئة وتوفير ابسط مقومات الحياة الكريمة والرفاه والسعادة لشعوبهم وتيقنوا أن بقاء الحال على ما هو عليه من الفشل الصارخ نتيجته اليقينية والتي تفرضها طبيعة جريان الأحداث حسب القوانين التاريخية الصارمة في المجتمعات البشرية هو الثورة ورفض الحاكمين وحكوماتهم الجائرة والاستماتة من اجل تغيير الواقع والأنظمة القائمة وطبعا النتيجة دائما ما كانت مع إرادة الشعوب في التغيير, فكان لابد لهؤلاء الحاكمين الإرهابيين ومن خلال فرق المستشارين الطويلة والعريضة من أصحاب الدهاء والمكر ومن مختلف المذاهب والمشارب أن يشغلوا الرأي العام والناس عن حقيقة أوجاعهم ومظلومياتهم وحقوقهم المهدورة والمنحورة على مذبح شهوة السلطان والملك العاقر العقيم , وأفضل ما يشغل المجتمعات هوالحروب والصراعات وصناعة الأعداء , فتظل الشعوب والأمم تستنزف من طاقاتها ودمائها وخيراتها في هذه الحروب الخاسرة قطعا , ولا يدرون ولا يعلمون أن كل ما يرفع من شعارات ورايات هي رايات وشعارات زائفة خداعّة باطلة لا يراد بها إلا عدم رؤية الحقيقة كما هي ( وهي بقاء القائد الضرورة على عرش الملك والسلطنة ) فتنجر وتنجرف في دوامات صراعات لانهاية لها .
وهذا هو عين ما وقع ويقع في العراق من قبل طبقة السياسيين الانتهازيين النفعيين ومن دار في أفلاكهم الظلماء من كتّاب وصحفيين وإعلاميين ووعاظ وخطباء بل ومرجعيات بائسة لاهثة وراء السلطة والنفوذ وهلم جرا من طوابير العبيد والجواري المعبئة لخدمة السلطان العنّين , ففي كل يوم بل في كل لحظة هناك بعبع يخوفون ويهددون به الناس , فكثرت البعابع والفزّاعات التي ترعب وتقتل الأمل والطموح بحياة هادئة سعيدة محترمة , حتى وصلنا هذه الأيام الى بعبع شرس كما يقولون ألا وهو بعبع الثورة السورية الجماهيرية حيث جندوا كل ما يمكن أن يجند في محاولة لغسيل دماغ المجتمع العراقي بأن ثورة السوريين نتيجتها الحتمية هو وصول السلفية المتطرفة الدموية الى دكة السلطة وبالتالي أن هذه الحكومة سوف تقضي على العراقيين وتدمر حياتهم , ولا ادري من أين جاءوا بهذا التحليل وكيف اقنعوا به البعض , طبعا أنا لا أقول تحليل بل هو اختلاق لخرافة لهم فيها مآرب كثيرة , وإلا فأن كل الوقائع والأحداث تقول في حال نجاح الثورة السورية فليس النظام السياسي البديل هو نظام سلفي قائم على الملكية أو الخلافة أو ما شاكل , أبدا ليس هذا المتوقع فالشعب السوري لا يختلف كثيرا عن شعوب المنطقة من حيث وجود تيارات متنوعة ومختلفة منها الإسلامي والعلماني والسلفي والاخواني والدرزي والمسيحي والشيعي والعلوي والليبرالي والشيوعي والبعثي وغيره وغيره كثير , فليست القضية بجرة قلم أو بقول كن فيكون فيوجد النظام السلفي المتطرف الدموي , ثم أيها العزيز أين راحت الولايات المتحدة الأميركية وأوربا وأين راحت تركيا الاخوانية العلمانية وأين راحت إسرائيل الجار اللصيق لسوريا بل وأين راحت إيران وحزب الله وأين راحت روسيا والصين وأين راح فلان وفلان …….. أين راحت كل هذه العوامل الكبيرة والمؤثرة عن مجرى ومسار ثورة الشعب السوري حتى نصدق بهذه النكات الرخيصة التي يطرحها هؤلاء الساسة المفلسون من أي خدمة وعطاء للشعب العراقي.
ومع كل ذلك وغيره دعونا نتنزل وكما يقولون هم جدلا ونسلم أن الثورة السورية سوف تفرز حكومية سلفية , فمع ذلك أيضا لا داعي لنشر هذا الرعب والهلع في صفوف العراقيين لأنه وببساطة متى كان العراق لا يجاور السلفية بل والسلفية المتطرفة المتشددة فمنذ أول لحظة لتغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 وكانت السلفية الوهابية السعودية وهي تعتبر أم ومفقس لتفريخ السلفية المتطرفة في العالم , ومع ذلك كان العراق وبقي شعبه العزيز رغم كل محاولات الإرهاب والدمار , بقي عزيزا بأبنائه الكرام في كل بقعة من ربوعه المتنوعة في الشمال والجنوب والشرق والغرب , وباءت محاولات التمزيق والتفريق بالخيبة والفشل وبقيت عراقيتنا الرائعة على رغم أنف كل الطغاة وعبيد السلطة والجاه .
 ومن المضحكات أن من يسمع هؤلاء الفاشلين الفاسدين يتصور أن النظام الحالي في سوريا كان من أفضل الجوار والأخوة للعراق متناسين كم من المفخخات والإرهابيين تم تزريقه في جسد العراق من هذا النظام الجائر ونسوا بل تناسوا كم هرجوا ومرّجوا هم بأنفسهم عن إرهاب هذا النظام مخابراته وأجهزته القمعية الإرهابية ومدى إضراره بالعراق وشعبه الى حد يفوق كل ما قالوه عن السعودية وغيرها من حاضنات الإرهاب والتخريب طيلة عشرة أعوام عجاف من البؤس ونقص الأمن والثمرات فهل أصبح هذا النظام اليوم الحمل الوديع والأخ الشقيق المشفق على مصالح العراق , ومع كل هذا حتى لو جاءت الثورة السورية بحكومة سلفية فهي أهون منه أو مثله على اكبر التقديرات فلماذا كل هذا الهلع يا ساسة السجون السرية والمقابر الجماعية ؟؟؟
مع كل هذا وذاك أذا أصروا على دجلهم (وكلاواتهم) نقول أليس انتم من عقد الاتفاقية الأمنية بعيدة المدى مع الولايات المتحدة الأميركية بحجة حماية العراق من الاعتداءات الخارجية المستقبلية؟؟ أليس انتم وبالإجماع من وقّع وطبل وزمجر بأهمية الاتفاقية وإنها هي الخير العميم لأهل العراق وعلى طول المستقبل السحيق؟؟ فلماذا تخافون ولماذا ترتعبون ولماذا ترتجفون؟؟؟ فما دامت أميركا في الوجود فأنتم في جنانها ترتعون , وفي نعميها تلعبون , لا خوف عليكم ولا تحزنون , فببركات أميركا تحمى الديار ويهون كل المعتدين والأشرار , فلا تخافوا ولا تخشوا دركا , فلا ينبغي لمن كان مع أميركا أن يخاف أو يخشى .
لكن الحقيقة هي ليست ما يقال على الإطلاق , إنما الحقيقة أن كل ما يهولونه ويبثونه من أباطيل وأراجيف ورعب وتخويف , هو من اجل بقائهم في السلطة , ويعلمون جيدا ويتيقنون أن بقاءهم في السلطة والزعامة لا يمكن أن يقع ويكون إذا كان بأعمالهم وما قدموا لبلدهم وشعبهم , فهم يدركون تماما أنهم لم يقدموا إلا الضيم والظلم إلا الشقاء والتعاسة إلا الهوان والمذلة , فكان رأيهم ورأي الملأ منهم خصوصا والانتخابات على الأبواب , عليكم بهذه المسرحية والأكذوبة والخرافة حتى يتسنى لنا لي الرقاب والأعناق بصناعة العدو الفتاك ذو الفك المفترس كي يرى الناس أننا سفينة نوح في الطوفان القادم فيسرعوا بالالتحاق بنا , فنحن أملهم الوحيد .
والصدق أقول إنه ليس هناك من طوفان على الأبواب وخسئوا أن يكون هم سفينة نوح العظيمة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب