مع رفع جلسة مجلس النواب الى الأسبوع المقبل ، لإكمال تقديم الوجبة الثانية من مرشحي التشكيلة الوزارية الجديدة ( التكنوقراط ) ، برز على سطح الصراع السياسي ، والذي انتقل الى البرلمان ، بعد كان في الشارع ، وسط تصعيد في لهجة المتظاهرين ، وتهديد باستهداف الوزارات والدخول الى موسسات الدولة التشريعية ، اذ برز في اجواء هذا الشحن جبهتان ؛ جبهة مثلت جمهور الاعتصامات والمنادين (بالشلع والقلع) وهم أصبحوا رسمياً معارضة ، والجبهة الثانية التي وقفت في جانب اجراء الاصلاحات ، ولكن وفق روية تحترم فيها وجود المكونات في داخل الوزارية ، وهم يمثلون الحكم والقيادة ، وعلى الرحمن إطلاق السيد العبادي مبادرته الأصلاحية ، والتي سميت بحكومة (الظرف المغلق ) ، الا إنها ظلت خجولة ،وغير كافية في نظر الجمهور ،فلا يمكن اختزال الاصلاح في تغيير الوزير ، بل ان عملية التغيير ينبغي ان تدخل الغرف المظلمة ، من هيئات مستقلة ، ووكالات ، وغيرها من الدرجات الخاصة ، لان الوزير لا يعد مفصل أساسي في الادارة ، بل المدراء العامون هم اهم حلقة في ادارة الدولة . عملية الاصلاح تواجه الكثير من التحديات ، والتي يحاول السيد العبادي إجراءها ، اضافة الى التحديات السياسية لا سيما نظام المحاصصة ، والتي سارت عليها العملية السياسية في البلاد منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان ، ناهيك عن التنافس في داخل عملية الاصلاح ، ومن كتلة السيد العبادي نفسه ، والذين يسعون الى عرقلة اي جهد اصلاحي ، والوقوف بوجه اي تغيير يواجه. رجال حزب الدعوة خصوصاً ،ودولة القانون عموماً ، وعلى الرغم من هذه الضغوط ، الا ان السيد العبادي هو الأكثر تأثيراً بعد دعم الشارع لعملية الأصلاحات . يبقى سوْال مهم حول الخطة التي يفكر بها السيد العبادي ، وهو يؤسس لمشروعه الاصلاحي ، والذي تعدى فيه الكتل السياسية والمكونات ، وأصبح اللاعب الأساسي في هذه اللعبة ، وهل سيكون العبادي مستعد لمواجهة محتملة لخصومه الأقوياء ، نعم . ربما الاحتجاجات والمطالبات وفي مقدمتها خطاب المرجعية الدينية العليا ، والتي كانت سبباً مباشراً في تحرك العبادي ، وفرصة كبيرة للقيام بتغييرات ذات طابع سياسي تساعده على العمل والحركة بحرية اكبر ، وفي مقدمتها ازاحة خصمه الحزبي السيد المالكي ، والتي بدأها بإزاحته من منصب نائب رئيس الجمهورية ، وهي الخطوة الاولى والأكثر تأثيراً بالمعنى المباشر ، الا انها سببت انقسام لافت في داخل صفوف حزب الدعوة ،وأصبح مبرر للمالكي الوقوف بوجه الاصلاحات ، ودعم التظاهرات و الاعتصامات في مجلس النواب ، والتي كانت ومازالت تقاد منه بصورة مباشرة ، في محاولة منه للانتقام من خصمه ، والتشكيك باي عملية اصلاحية او تغيير ، الامر الذي يجعل عملية الاصلاح ربما تتحرك ، ولكن بصورة بطيئة يصاحبها الكثير من التشكيك والتشويه ، وان العبادي بدأ يستغل الجو الذي خلفته الاحتجاجات ، للتخلص من منافسيه الشيعة . العملية السياسية ومنذ ولادتها قامت على حماية الرؤوس الكبيرة، وتحصين اي محاولة لإسقاطها ، وهذه الأصلاحات والتي تم التوقيع عليها برعاية رئيس الجمهورية ، الا لكسر هذه القاعدة ، وإسقاط الأصنام السياسية ، والتي باتت مصدر تهديد للواقع السياسي برمته . ان مايجرى وبحسب ما يراه الكثير من المراقبين انها عملية مخاض عسيرة ، لوضع غاية في التعقيد ، وان الأوضاع مقبلة على ولادة جديدة ، وان ما موجود حالياً او فيما مضى لايمكن اعتباره محطات من تاريخ العراق السياسي ، بقدر ما هي تجربة في الحكم قامت بها بعض الأحزاب الاسلامية ، سواء السنية او الشيعية ، كما ان هذه الأحزاب كانت مصدر بؤس وعذاب الشعب العراقي ، لما حملته من فشل ذرائعي ادارة الدولة ، وحملت ملفات خطيرة من فساد وسرقة للمال العام ، كما انها عكست صورة سوداوية لتجربة الاسلاميين في الحكم ، وأطلقت رسائل سلبية في التعاطي الإيجابي مع الادارة والحكم ، لهذا اي نجاح لا يمكن احرازه او الامل بتحقيقه ، الا بعد ان يرى ( التكنوقراط ) طريقهم نحو الادارة ، وان اي تقييم مسبق اواعلان نجاح غير واقعي ، الا بعد استشراف وتحليل طبيعة العلاقة بين ( التكنوقراط ) وحكم الأحزاب ، وقراءة مدى التأثير السياسي والحزبي على العمل التنفيذي ، والذي ان نجح سيكون خارطة سياسية جديدة ، وصورة جديدة للمشهد الانتخابي القادم في البلاد .