17 نوفمبر، 2024 8:43 م
Search
Close this search box.

هل من يقظة للمسلمين/3

هل من يقظة للمسلمين/3

مع ما حصل في التاريخ الإسلامي من اخطاء وخطوب ومظالم وفتن ، خلَّفت كمّاً هائلاً من التراكمات الثقيلة ، التي أثمرت ثماراً مرّة خبيثة ، يتناولها المسلمون اليوم على قهر ومضض أم غباء شديد … لكن بقَتْ في أزمنتها القديمة ، قائمة صامدة متماسكة أمام التحديات الكبرى والفتن ، ذلك بفضل الأيمان بالهدف الذي كان يجري في دمائها ، وبفضل ذلك الأيمان ، استطاع المسلمون أن يقهروا أكبر قوتين عالميتين يومئذٍ هما القياصرة والأكاسرة واستطاعت فتوحاتهم إسقاط قلاع طواغيت الأرض ووصلت جيوشهم إلى حافتي المشرقين ، فدان لهم القاصي قبل الداني ، وطلب ودّهم العدو والصديق … كما واكبت فتوحاتهم وانتصاراتهم ، نهضة علمية واقتصادية وادبية واسعة ، شعَّ نورها إلى الآخرين فقصد طلبة العلم من مغارب الأرض ومشارقها ، مدارسها وجامعاتها للتروي من حضارتها وتقدم علومها وعمرانها … ومع تباعد الازمان وتقدم الحياة وتطورها مازال السائحون حتى اليوم يترددون إلى معالمها وآثارها الحضارية والعمرانية … ومازالت مدن خرجت عن نطاق البلدان العربية والإسلامية مثل غرناطة واشبيلية وطليطلة والحمراء ..في بلاد (الفردوس المفقود) الأندلس التي جلس فيها العرب المسلمون زهاء الخمسة قرون (اسبانيا والبرتغال) تزهو بالآثار العربية الإسلامية ، والزائر العربي المسلم لتلك الآثار ، يبكي قلبه قبل عيونه ويلعن الحاكمين الذين فرطتْ طموحاتهم غير المشروعة بماضي وحاضر ومستقبل الأمة … وبعده : يطرح السؤال نفسه : لماذا فقد المسلمون ذلك المجد التليد والسلطان العظيم ؟ لماذا أوصلوا الأمة اليوم إلى حافة الانهيار والتدهور والتمزق والانحطاط والتخلف والتبعية المهنية لعزة الاسلام والمذلة لكرامة المسلم ؟ فما الذي تغير في المسلمين اليوم ؟ أليست هذه الأمة امتداد لتلك الأمة التي شرفها الاسلام بحمل رسالة السماء إلى أمم الارض وشعوبها ؟ أليس وحدها الإسلام بعد التفرقة وآخاها بعد العداء وجمع شملها بعد التشتت ؟ فلماذا يعمل الحاكمون السياسيون اليوم على تجزئة الأمة وتفرقها بعدما أمر الله بتوحيدها {إنّ هٰذه أمتكم أمة واحدة}المؤمنون/52 والتي ميزها على باقي الأمم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} البقرة/143 .

فالجواب : نقص في الايمان وابتعاد عن روح الاسلام وسلوكياته ، التي ما فُرضت العبادات إلاّ من أجل تقويمها وتهذيبها ، فالعبادات ، بقدر ما هي واجب ملزم ، يجب أن تقترن بالسلوكيات التي أوجبها الإسلام ، في مقدمتها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا أصل كبير من أصول الدين ، لأنه يتعلق بإصلاح المجتمع أو افساده ، فالمسلم ملزم بالموقف المسؤول اتجاه الآخرين والصالح العام ، وألاّ تصبح العبادات ليس أكثر من طقوس معتادين عليها ، لربما ليس لنا منها غير الحركات والنصب والجوع والعطش … ، ولربما قارئ للقرآن والقرآن يلعنه {كما ورد في أحاديث رسول الله (ص) } ، فالإسلام الصحيح هو المترجم بالأفعال السلوكية

المثالية ، لا بالأقوال والمظاهر والشعارات ورسول الله (ص) أوجز مفهوم الإسلام بكلمتين لهما ابعاد خُلقية وتربوية واسعة جداً {الدين المعاملة} وبعبارة خُلقية أخرى ، تحمل نفس سعة الابعاد الخُلقية والتربوية {مَن غَشّنا ليَس منّا} فهذه الألفاظ المعدودة الكلمات ، تحمل روح الإسلام الصحيح ، ولمّا وضعناها خلف ظهورنا ، وحين فقدنا السلوكيات الصحيحة ، فقدنا معنى قوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } آل عمران/110 ، ولما فضلنا الله على أمم الأرض بشروط ، ولما فقدنا الشروط ، لم يبق معنى للأفضلية .

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما مدى التزامنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ والجواب اتركه لما يجري على الساحة الإسلامية من أحداث يندى لها جبين الإسلام ، وما يحل بالمسلمين من مظالم تبكي القلوب وتؤرق العيون ثم أتساءل أين نحن من معنى الأيمان بالله ؟ هل هو شعار نطرحه ؟ وكلام نردّده ؟ أم عمل وتطبيق وتجسيد لأوامر الله ونهيه … أقول هذا وغيره الكثير الكثير جداً ، يحتاج منّا إلى وقفة شجاعة مع النفس أولاً ومحاسبتها ، لاسيما في تصحيح أفعالنا و أعمالنا والبحث في تقويم أخطائنا … ثم نسلك المسالك الأخرى … وألاّ عند النتيجة فمعاناتنا نحن المسلمين من صنع أيادينا {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ، لأننا – غالباً – حولنا مفهوم الإسلام إلى شعارات ومزاجيات وخطابات نلقيها .. وو .. تفتقر إلى التطبيق العملي والتجسيد على أرض الواقع ، حتى راح بعضنا يتهم البعض ويكفره بمزاجية دون أن نعرف الحقيقة من الشاهد والحكم ، كتاب الله وصحيح سنة رسوله (ص) ، وكلّما عثرنا بسبب أعمالنا وأخطائنا لعنّا الحاكمين والمنافقين والأوضاع والزمن ..

نعيبُ زماننـــــــا والعيبُ فينـــا فما لزماننا عيـــــــبٌ سوانا

وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

أحدث المقالات