23 ديسمبر، 2024 10:30 ص

الحلقة الثانية
لاشك إنّ علماء الإسلام والمراجع العظام ، ممن وصفهم الله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} يواصلون الليل بالنهار ، في خدمتهم للإسلام والمسلمين ، ومنه العمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية ، ما دامت رؤيتها قائمة على كتاب الله وسنة رسول الله J … لكن كثيراً من عامة المسلمين ومنهم من الخاصة ، واقعون تحت تأثير ما كتبه التاريخ الإسلامي التي تشابكت في كتابته المصالح الخاصة والنوايا السيئة ، والاتجاهات العقائدية والسياسية ، والأهواء والأمزجة … وو … فخلّفت كمّاً هائلاً من الأكاذيب والأباطيل والدس والتحريف في الثوابت الإسلامية وطمساً للحقائق التاريخية … وو … فكل هذه العوامل وغيرها خلطت الأوراق أمام الأجيال ، ولاسيما التي تقرأ بعين واحدة ، وحصيلة ما حمل التاريخ ، قسّم الأمة إلى طوائف ، فكل طائفة من طوائف المسلمين ، ترى معتقدها خط أحمر من المسلمات ، لا يمكن لأحد أن يتجاوزها {كلُّ حزب بما لديهم فرحون} المؤمنون/53 أو يتعرض لها بنقد موضوعي ، لأنه ورثها من الآباء والبيئة التي وُلد ونشأ وترعرع فيها ، وفي هذا شأنهم كشأن كفار قريش ، حيث ذمهم القرآن الكريم بقوله {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} الزخرف/23 ، وإذا دخلنا مع البعض ، في حوار بناء تثور ثائرته ويتهمنا بالكفر والضلال ، لأن الحقائق تختلف عمّا نشأ عليه ، فلا غرابة ولا عجب من نكران الحق ، فالقرآن الكريم يؤكد على هذه الظاهرة {وأكثرهم للحق كارهون} المؤمنون/70 ويقول الإمام علي في هذه الظاهرة {لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه} حتى صار المتعصب متمسكاً بما نشأ عليه وألفه ، أضعاف مضاعفة أكبر من التزامه بالثوابت الإسلامية ، جاهلاً أم متجاهلاً ، إن الإسلام دعا المسلمين إلى الانفتاح لا بعضهم على بعض فحسب ، بل على أهل الذمة : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً …} آل عمران/64 ….. ولما أنشغل المسلمون بأنفسهم وتمسكوا بالجزئيات ، وأداروا ظهورهم عن الاساسيات في مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وباقي الفرائض الملزمة أعمّها شيوعاً {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وحين تفارقوا وتباعدوا وتقاطعوا وتدابروا بعضهم عن بعض ، أصابهم الذل والبلاء والهوان على أنفسهم … وأمام أعيننا مشاهد وصور وأحداث يندى لها جبين الإسلام ، لِما يتعرض له المسلمون ، في أغلب بقاع العالم من مذابح ومجازر مروعة ، قلّ شبيهها ونظيرها في عصرنا المعاصر أقبحها قباحة وأشدها خطورة ، حينما يقتل المسلم أخاه المسلم ويبيح عرضه وماله ، تحت مسميات الجهاد في سبيل الله ، حتى وجد المسلم في الأنظمة الملحدة أكثر رحمة من أنظمة – كهذه – تحكم باسم الإسلام … فأينما تتجه بنظرك وتدير بمسمعك ، فأنت ترى وتسمع ، كم من المآسي والنكبات تحلُّ بالمسلمين ، دماؤهم تُسال وأرواحهم تُزهق ، يتعرضون للتهجير والتشريد وسلب الحقوق ، كراماتهم تداس ، وأخلاقياتهم تنهار أم سيول من المحن والظلم والجور … فهذا وذاك زرع في قلب المسلم اليأس والاحباط والقنوط وعدم الثقة بمَن حوله ، وهذا الظلم حوله إلى شخصية متلونة مهزوزة مصلحية ناعقة مع كل ناعق ومائلة مع الرياح حيث تميل ، لم يرتبط بدين حقيقي ولا معتقد حقيقي ، ولم يرع ذمة الوطن ، وهذا الدمار في النفوس مصداقاً لقول رسول الله J {الكفر يدوم والظلم لا يدوم ، فإن دام دمّر} … والأمّرُ الأمّر والمأساة الأكبر ، إن عدد المسلمين في العالم قارب المليار ونصف المليار مسلم ، يشكلون نسبة 21٪

من سكان العالم ويسكنون على مساحة أرض تشكل 20٪ من مساحة المعمورة ، ويملكون من الخيرات مالم تملكه شعوب الأرض ، والميزات والاعتبارات الأخرى ، وما دحا الله أرضهم من الكنوز ، وما – أنعمَ جلّ شأنه – عليها من خصوبة وتضاريس وتنوع المناخ ووفرة المياه والمواقع الاستراتيجية …. فكل هذه الثروات يكمل بعضها البعض في الصناعة والتجارة … لكن ما الفائدة من هذه الثروات الطائلة ؟! والمسلمون يعانون من الفقر والحرمان فشأنهم كشأن الجمال تحمل الذهب والفضة وتأكل الأشواك والعاقول .

والأسوأ من ذلك ، ليس لهم قدرة على استغلال ثرواتهم ، وليس لهم صوت مؤثر في العالم ، يعيشون في تخبط وتشرذم وتناحر وتقاتل مع أنفسهم ، رغم كل الامتيازات والكم السكاني والاعتبارات الاخرى ، التي يسيل لها لعاب المستعمرين … وبعد كل هذا المنظور والمعلوم فيا ليت المسلمين – أخصُ رجال الدين المتطرفين والحاكمين السياسيين – أن يدركوا ما تمر به الأمة من مصائب وويلات ، وما يخطط لها الأعداء من مخططات تسقيط وإذابة لمعتقداتها وكيانها – ياليتهم يشعرون بالمسؤولية الحقيقية ، ويتحرروا من داء التعصب ، والطموحات غير المشروعة ، التي أضرّت بالمصلحة العليا للأمة ، ياليتهم يدخلون البيوت من أبوابها – كما أمر الله – ويجلسون وجهاً لوجه مع بقية اخوانهم المسلمين لحل الخلافات والاشكالات ، بروح أخوية إسلامية تسامحية بعد العودة للثوابت الإسلامية والعقل والمنطق ومراجعة التاريخ الإسلامي السياسي ، وما ورد فيه يخضع للتدقيق والمقارنات والموازنات القائمة على التمحيص والنظرة العلمية المنطقية ، البعيدة عن العواطف والأهواء ، ومعرفة مصدر الخبر ، بعد قراءة علم الرجال وسيرتهم الحقيقية المدققة ، وهذه الدعوة كانت ومازالت قائمة على لسان قادة المسلمين الشيعة الجعفرية ومثل هذه الدعوات لا يرفضها عاقل ، إن هو أراد مرضاة الله ، وإذا كان هذا هو منطق الشيعة الجعفرية ، وما يتردد على ألسنة مراجعهم العظام ، فبأي حق وبأي دليل يكفرهم التكفيريون ، أليس هذا الظلم يُولد ردود أفعال خطيرة وخاصة لدى العامة ؟ فياليت وياليت أن تتغلب لغة العقل والمنطق على لغة العواطف والتعصب الأعمى وياليت أن تتوجه جميع الجهود المادية والمعنوية للوقوف بوجه الأخطار الحقيقية المشتركة ، التي تستهدف الأمة بكاملها فكراً ومعتنقين ، ولا تفرق بين هذا شيعي وهذا سني ، إلاّ بقدر مصالحها فما أحوجنا اليوم إلى همم الرجال الغيارى على إسلامهم وأوطانهم وشعوبهم !! وللحديث صلة باقية – بإذن الله .