مما لاشك فيه ان هناك جملة من الأخطاء التي أقترفتها الولايات المتحدة منذ دخولها للعراق كقوة محتلة وحتى بعد خروج قواتها العسكرية ، ولا أريد هنا أن أستعرض سيل الركام الهائل من تلك الاخطاء التي حصلت بوجود تلك القوات ولا زلنا نجني ثمارها السيئة بسبب الغباء الاميركي الواضح والذي انعكس بشكل يثير القلق والشكوك حول مصداقية المشروع الاميركي في بناء عراق ديمقراطي موحد يستظل بفئ الحرية وينتعش بنسائم الديمقراطية الكاذبة والتي رفعوها كشعار مزيف وذريعة في غاية السخف لحظة دخولهم واحتلالهم العراق ، الأمر الذي يعود بي الى ما كان قد قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل ( إن مشكلة أميركا هي أنها لا تُقدم على تنفيذ الحل الصحيح إلا بعد أن تستنفذ كل الحلول الخاطئة ) ، وبالتالي فقد دفع العراق وشعبه أثماناً باهضة لتلك الحلول الخاطئة ولا ندري متى تأتي لنا بالحل النهائي والصحيح والذي تستطيع من خلاله إثبات حسن نواياها الطيبة تجاه العراق وشعبه وتغيير صورتها البشعة التي نقشتها في عيون أغلب العراقيين فضلا عن العيون العربية والدولية . ما وددت استعراضه في هذا المقال هو ما جرى من خطأ أميركي فادح وما تبعه من سياسات مبهمة ازاء أحداث الموصل وما تلاها من هيمنة كاملة للتنظيمات الجهادية المتطرفة والمعروفة بداعش على مدن ومساحات شاسعة من الأراضي العراقية بوتيرة متسارعة وأحداث دراماتيكية على الطريقة الهوليودية ، ولا أريد هنا ان أكون متسرعا في حكمي على ما حصل وأشير بكل أصابعي الى أن الذي حصل هو فيلم أسرائيلي أنتجته دوائر السياسة الاميركية لأهداف معروفة تكاد تكون أقرب للعقل والمنطق لكل من ينشد حقيقة ما جرى ومن يقف خلف هذا السيناريو …. في ان مسرح الجريمة لا يخلو من هاتين البصمتين . مالذي دفع اميركا والغرب الى التأخر والمماطلة في الاستجابة الفورية وأنقاذ العراق من براثن داعش ؟ لماذا لم تتخذ قرارا سريعا برصد تحركات تنظيم داعش وأيقاف زحفه اليومي المتسارع نحو بغداد بعد أن أدركت الفشل الذريع الذي أصاب القوات الأمنية العراقية ؟ اسئلة كثيرة تتقافز في أذهاننا وسط تعليقات وتصريحات أميركية لا يمكن لها حتى ان تقترب من عقول البسطاء والسُذج من عامة الناس ، ومن هذه التصريحات والتبريرات ( إننا سنقوم بتشكيل غرفة عمليات للدراسة والتباحث )،( سننتظر تشكيل الحكومة الجديدة حتى لا نظهر بمظهر من يقوم بمساعدة المالكي وحكومته التي تتبنى أجندة طائفية صارخة ، خصوصا وأن رحيل المالكي يُعد أمراً ضروريا لبناء دعم واسع للحملة العسكرية ضد داعش) ، ( لم نكن نتوقع مشاركة الأكراد والسُنة ودول الجوار المختلفة والانضمام بقوة لمواجهة داعش) وغيرها
من التصريحات الخرقاء التي يأبى العقل أن يركن أليها وسط انتهاكات إنسانية جسيمة كانت تحصل كل يوم بحق هذا المكون أو ذاك وأمام أنظار العالم أجمع في أشرس هجمة عرفها تاريخ الإنسانية الزاخر بجرائم الإبادة الجماعية.ان تأخر أميركا وحلفاؤها في البحث عن الحل الصحيح منح فرصة ذهبية للجارة إيران في تعزيز نفوذها في العراق ، مما قاد بها الى سرعة الدخول وبقوة للأرض العراقية وبرضا وعلم الحكومة العراقية بعد أن أفلست من سرعة تدخل الحليف الغربي المعول عليه في هذه الأزمة ، وبالتالي أصبح الاعتماد كليا ً على ما تقدمه إيران من مساعدات عسكرية ومستشارين ومقاتلين إن تطلب الأمر ذلك ، وهذا أدى الى إنكماش الدور الاميركي في العراق وان الفراغ الاميركي قد أمتلئ بالنفوذ الايراني ، وهي رسالة إيرانية واضحة للولايات المتحدة ، نجحت ايران في تمريرها من أنها لا زالت تُمسك بزمام الملف العراقي فضلاً عن الملف السوري وبالتالي زيادة عدد خيوط اللعبة في متناول القبضة الايرانية واستفحال دورها في المنطقة ، وستلعب المليشيات التي يتحمس العديد من الساسة الشيعة العراقيين الى دمجها في المؤسسات العسكرية والأمنية دورا ً كبيراًفي تعزيز مصالح ايران في العراق والمنطقة وبالتالي فأن العراق سيصبح تابعاً ايرانياً على المدى البعيد كتبعية لبنان ولعشرات السنين الى النظام السوري ، مما يستدعي من الولايات المتحدة أعادة النظر بسياستها في المنطقة وأن تُدرك حجم الخطأ الذي وقعت فيه وعدم السماح للعراق بأن يقع فريسة سهلة للأطماع الإيرانية أو أن يبقى دائراً في الفُلك الإيراني ،وهذا ما سوف لن يحصل في ظل وجود ارادة أميركية صادقة ونية حقيقية في بناء عراق ديمقراطي قوي يعد قطبا ً مؤثراً في الشرق الأوسط ، ودعم وتسليح قواته الامنية والعسكرية وبناء اطار أمني جديد يحفظ العراق من شتى أشكال الهيمنة والتسلط من قبل أي طرف وأن تعي اميركا بأن الوقت أوشك على الانتهاء ولم يعد لدينا متسعاً منه لدفع فواتير جديدة ثمناً لسلسلة أخطائها التي لا تنتهي في العراق.