ما قاله رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف, الشخصالثاني بعد فلاديمير بوتين رئيس دولة روسيا الفيدرالية, لا ينبغي إلا أن يؤخذعلى محمل الجد, عندما صرح : ” أن هزيمة قوة نووية في حرب تقليدية, قدتشعل حرباً نووية !”.
العالم على شفا حرب عالمية ثالثة تختلف عن سابقاتها المدمرة بكونها ستكونماحقة للجميع ولا يخرج منها منتصر.
وبغض النظر عن البادئ بها, وإدانة أطرافها, فإن المستغرب عدم ظهور قوىمناهضة للحرب ومصعّدي أوارها كما كنا نشهد احتجاجات قوى السلام فيالعالم وخاصة في العواصم الأوروبية وأمريكا, كالمظاهرات العارمة ضدالحرب الفيتنامية في واشنطن وباريس وبرلين أو المظاهرات الكبيرة ضدالحرب على العراق في مدن ألمانية عديدة وفي مقدمتها برلين وكذلك لندنوباريس..
غالباً ما كان الدور المحوري, تقليدياً, في مناهضة الحروب يقع على عاتقالشعوب الأوربية التي اكتوت بنيران حربين عالميتين مدمرتين وبالتالي الأكثروعياً بمخاطرها. إضافة إلى كون حلف الناتو العسكري حلف اوربي – امريكي شمالي بالأساس.
وقد كان الداينمو المحرك لحركات السلام هي أحزاب اليسار, التي إنحسرتأثيرها وأصبحت تعاني اليوم من صعود قوى اليمين في دول أوروبية عديدة, التي تحاصرها وتكبل حركتها.
يبدو أن المصاعب والهموم والاحتياجات اليومية للمواطن الغربي والأوروبيبالخصوص, غيّبت , مؤقتاً, المخاطر التي تجلبها تداعيات الحرب, ولهذاظهروا كالمنومين, يلفهم جزع كافكوي, غير آبهين بحجم المأساة القادمة.
لكن تصاعد التململ والخشية الشعبية من تداعيات هذه الحرب, تنامىوأصبح جلياً على مواقع السوشيال ميديا, لاسيما مع وصول أفواج ملاييناللاجئين الأوكرانيين إلى بلدانهم. وانعكس هذا التململ على وسائل إعلاميةعالمية منظورة ومقروءة, كانت إلى فترة قريبة تدين روسيا وتخوض ضدهاحرباً اعلامية ضروساً وتحرض عليها دون النظر إلى تداعيات هذه المواقفالمنحازة والتغاضي عن أدوار الأطراف الأخرى من حلف الناتو وامريكابالخصوص, التي ” تزيد النار حطباً ” وتنزلق يوماً بعد آخر في مستنقعهذه الحرب.. وكان لابد أن يصل القلق إلى سياسيين صرحوا : ” أن أوروباليست مستعدة للتضحية بنفسها لأجل أوكرانيا !”
لم تتبلور الاحتجاجات المتصاعدة في أوروبا إلى مستوى حركة سلام معاديةللحرب, فأغلبها أخذت طابعاً اقتصادياً وليس سياسياً, تتعلق بالحد منالتضخم الذي يضرب اقتصاديات الغرب, وارتفاع أسعار السلع وتراجعالخدمات والوقود والسكن…
وقد يكون عنصر القطبية وانقسام العالم, سابقاً, بين رأسمالي واشتراكيوالصراع بينهما كان عاملاً محفزاً لتغذية مواقف معارضة تكون أساساً لدعوات السلم ونشوء حركة مناهضة للحرب. بينما اليوم نشهد صراعاً بينقطبين رأسماليين تحركهما طموحاتهما نحو تعزيز النفوذ والهيمنة… فبينماتجهد روسيا لتؤكد قطبيتها كدولة عظمى عائدة, فإن أمريكا تقاتل لبقاءوحدانيتها.
شعوب قارات العالم الاخرى كذلك غارقة في مشاكلها الخاصة, وهي لا تقيموزناً لما يدور, وربما تعتبرها حرباً بعيدة عن حدودها بين ضواري تبحث عننفوذها ومصالحها وهيمنتها على العالم, رغم انها تدفع ايضاً فاتورة هذهالحرب بشكل او بآخر, اقلها في تذبذب أسعار النفط والدولار في الأسواقالعالمية.
ومن خلال متابعتنا لما يدور على الجبهات في أوكرانيا من تقدم روسي وعجزناتوي عن تغيير الكفة لصالح الجيش الأوكراني حتى لو وصلته المئة دبابةغربية… حيث يقلل الخبراء العسكريين من قدرتها على قلب معادلة الحربلصالح الغرب وأوكرانيا, فجبهة حرب تمتد لألف كيلومتر, لايمكن لهذا العددمن الدبابات أن تحسم حرباً وتأتي بنصر.
وقد جاء تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغاضب حاسماً : ” سنصهرها !”.
يعتقد البعض بعدم تحول هذه الحرب إلى حرب نووية وبقائها في حدود حرباستنزاف, ليس بسبب خشية أطرافها على السلام العالمي بل بسبب حجمالمصالح الهائل لديها المهدد بالهدر, والتي تتعدى أهميةً بقاء أوكرانيا علىالخارطة.
وقد تلعب مفارقة ” دور المصالح ” عاملاً ايجابياً في لجم الحرب وتجميدها, وتطمين مخاوف البشرية منها, على النقيض مما يُظن بها من سوء.
ويعزو مراقبون إلى أسباب عدم إحتمالية تحولها إلى حرب نووية أيضاً, الىصراع المصالح والمواقف بين الدول الداعمة لأوكرانيا ذاتها والحديث عننضوب مخزونها الحربي الذي استنزفه الثقب الأسود الأوكراني, مما حدابرئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري الجديد كيفن مكارثي التصريححول المساعدات العسكرية والمالية الأمريكية لأوكرانيا : ” لن يكون هناكشيك على بياض “.
لا يخفى التعاطف العربي العام مع روسيا ضد أمريكا والناتو فلطالما كانتروسيا السوفيتية تاريخياً, والحالية داعمة لقضاياه, عكس أمريكا والناتو, رغم أن مباديء روسيا الرأسمالية اليوم غير مبادئها عندما كانت سوفيتية.. وترى الجماهير العربية اليوم, رافضة لمبدأ القطب الواحد الذي يدافع لبقاءهقادة أمريكا والغرب .
هل يُعقل أن تضحي أوروبا بنفسها لأجل أوكرانيا ؟!!