من الناحية المطلقة ، قطعا لا ، وهذا أيضا يعتمد على مصدر هذا الغنى ، فمن شبه المستحيل ، أعتبار الثراء المفاجيء في العراق ، بفترته الحالكة الحالية ، ثراءً مشروعا حلالا ، وأتحدث عن الأغنياء ، كسماسرة السياسة العراقيين ، وتجار السلاح والمخدرات والدكتاتوريين ، وطفيليات المضاربة في البورصات وأسواق المال ، ورجال الاعمال المتسببين ببؤس وشقاء دول بأكملها لكونها غنية بالماس والذهب ، بدعمهم الأرهابيين والأنفصاليين والمتمردين فيها للسيطرة على تلك الثروات ، لأني أتذكّر مقولة سيد البلاغة ، الإمام علي (ع) : (ما جاع فقير ، إلا وبما مُتّع به غني) ، وقال أيضا : (المُلكُ عقيم ، لا عَقِب له) ، وقال : (الأنسان إذا مَلكَ ، استأثر) .
أقول دون تردد ، أن هؤلاء هم المسؤولون عن إرتفاع نسبة الفقر في العراق والعالم ، فثلث سكان العراق يقع تحت خط الفقر ، وبالنسبة للعالم أيضا ، ونحن نرى مستويات غير مسبوقة للجوع العالمي ، ففي العراق ، تذهب 80% من ميزانيته الى مجرد 5000 (مگموع محظوظ) ! ، ونجد أن أغلب هؤلاء الأغنياء من الجَشِعين الذين لا يعرفون الشبع ، والبخلاء ، ولا يمتلكون حس مسؤولية التكافل ، وإلا ما كان هنالك فقير أصلا ، تجده يسلك كل الوسائل لقهر الزمن ، ولديه أمل بأن يعيش أبدا ، وأن يكون خالدا ، فيلجأ الى عمليات التجميل لمحو آثار الزمن ، ويتعاطى العقاقير التي تطيل العمر ، لكن الكفن الخالي من الجيوب ، له بالمرصاد !.
يذهب هذا الثري الى المطعم ، فيتناول صحنا صغيرا به بقعة من زيت الزيتون ، وفي وسطه (مخاط) المحّار ، مع ورقة (كرفس) واحدة فقط ، أو شرائح من ذراع أخطبوط بصلصة الطماطم ، أو بضع غرامات من لحم (سحلية) نادرة ، ولا يقل سعر الطبق عن 1000 دولار ! ، بالأضافة الى زجاجة نبيذ معتق ، سعرها يصل الى 10 آلاف دولار ، أي ان سعر طبق سخيف من هذه الأطباق يكفي لدفع الجوع عن 1000 جائع ! ، أما أغنيائنا ، ممن أثرتهم الرياح السوداء ، فيتظاهر (بالأتكيت) وهو يتناول صحنه في مطعم عام ، لكن ولكونه شرها وكل همه في بطنه لأنه من جماعة (البطون التي جاعت ثم شبعت) ، تجد (تشريب الهبيط) يصل لحواجبه وهو يتناول صحنه في سرّه ! ، هذا يذكّرني بطبق (معاوية) المفضل ، وهو (مصران بط محشو باللوز والسكّر) ! ، فالعجب من هؤلاء لأني أغصّ بلقمتي ، ان كانت أزائي قطة تستجدي لقمة ، فضلا عن البشر !.
تجد الغني من رواد دور عرض الأزياء الكبرى ، والتي تجني ارباحا خيالية (بروس الزواج) هؤلاء ، والتي تعرض ملابسا لا يمكن ارتدائها في الشارع ، كونها بعيدة كل البعد عن الواقعية ، ومجنونة حد المرض ، أزياء مسخرة وبعيدة عن العقلانية باسم الموضة ، ملابس غير مريحة على الأطلاق ، لكنه يشتريها بمبالغ طائلة ، إلا أنها لن تخرج الى النور من خزانة الملابس ! ، لأنه مصاب بلوثة التفوّق ، والخروج عن كل ما هو مألوف ، لأنه يريد الغاء كل القواسم المشتركة مع العوام من الناس .
تراه يزور المزادات ، فيشتري لوحة ، عبارة عن واجهة زرقاء ، وعليها لطخة (بوية) ، تشبه (التفلة) ، بمبلغ مليون دولار ، وفي أحد المرات ، أنتبه أحد الأختصاصيين الى أن واحدة من هذه اللوحات السخيفة ، كانت معروضة في فرنسا منذ عشرات السنين ، وهي معلّقة رأسا على عقب ، دون أن ينتبه إليها أحد ! ، أو أن تجد لوحات من الفن الرفيع ، وتباع بأثمان خيالية ، الا أن رساميها ، ماتوا فقرا وكمدا وفاقة ! .
تجده مهووسا بجمع التُحف والأنتيكات ، ويشتريها بأغلى الأثمان ، فهذا (فنجان) صيني من الفخار ، يُقال انه كان مُلكا لأحد السلالات الحاكمة في (الصين) ، بيع بمزاد في (أمريكا) ، بمبلغ مليون دولار ، وبعد الشراء ، أتضح انه مزّيف ! ، هكذا يقعون فريسة لمن هم أوسع منهم حيلةً لأنهم يعرفون كيف يضحكون عليهم ، وكأن الله قد سلّط على اللصوص لصوصا آخرين ! ، فقد قيل (مال اللبن للبن ) ! .
هكذا تجده عادة من الأغبياء ومتبلّد المشاعر، لأن كل تفكيره وملكاته ، ومواهبه ، موجّهة الى جمع المال ، الذي يتحول الى عادة وهَوَس ، لكن هكذا يصرفون أموالهم ، دون أن يفكّر أن ثمة الملايين من الجياع والمشردين والفقراء ، انه يتسلى بحرق أمواله على أن يساهم بمحاربة الفقر ، بل ينظر الى الفقراء على أنهم عبء عليه ، قال الأمام علي (ع) : (الأنسان مرآة الأنسان) ، أي أن الغني ، لو نظر الى فقير ، فسيشاهد تقصيره وجشعه وطمعه وظلمه وبلادته وسطحيته وتكبّره ، متجسدةً في صورة هذا الفقير، فالمرآة لا تكذب !.