23 ديسمبر، 2024 3:39 م

هل مكتب القائد العام للقوات المسلحة يمارس عمله وفق الدستور؟

هل مكتب القائد العام للقوات المسلحة يمارس عمله وفق الدستور؟

هناك غياب للقوانين الحاكمة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، التي باتت اجهزة منتفخة ومستنزفة لموارد الدولة بدون ان تحقق اهدافها الأمنية رغم مرور اكثر من 13 سنة، ولابد من وقفة وطنيه لمراجعة تنظيم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية وفق المعايير الدولية، عبر توضيح الإطار القانوني وتشريع النصوص التنظيمية المتصلة بها، فيما يتعلق بالصلاحيات والسلطات المكلفة بحفظ النظام العام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة، والمؤسف ان اغلب الساسة والبرلمانيين يتداولون مفاهيم غير واضحة(كمفهوم الأجهزة الأمنية)ويمزجها مع(العسكر) و(الاجهزة الاستخباراتية والحشد وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرها) وقادة الدولة؛ لا يقرون، بان التدهور الامني هو نتاج من التدهور المؤسساتي للأمن، واولها، عدم وضوح المفاهيم العسكرية والأمنية، وسأحاول عبر رؤية قانونية ايجاز تلك المسائل، بالنقاط الاتية:هل تمكن العراق حتى الان من تشكيل جيش اتحادي وفقا للدستور؟ هل يمكن تسمية قطعات الجيش بانها جيش اتحادي وفق (م110/ثانيا) من الدستور النافذ ؟ ام ان الجيش الموجود هو قطعات مسلحة تأتمر بأوامر اشخاص؟ هل الجيش من القوات المسلحة ام من الأجهزة الأمنية ام خارجها؟ من هي الأجهزة الامنية؟ ما هي الحدود الفاصلة بين الاجهزة الأمنية والاجهزة الاستخبارية وغيرها؟ من هي الجهة المسؤولة عن الامن الداخلي؟ ما هي الحدود المرسومة لكل جهاز وفق القانون ومساحة عمل كل جهة؟ مدى قانونية الاجراءات المتبعة من قبل كل تشكيل؟  وما تأثير الانتهاكات والاعمال التعسفية التي صدرت من أجهزة وقوى مسلحة تعمل بدون غطاء قانوني؟ هذه الأسئلة وفي ظل فقدان الأجوبة او غموضها؛ اوجدت لنا فوضى تشريعية وامنية وعسكرية؛ والامر يحتاج الى أجابة حقيقية مستندة الى نصوص قانونية، بعيدا عن الاجتهاد المسيس والتأويل المصلحي والتفسير الأمني غير المحايد؛ لكي نقف على حجم المشكلة التي تجابه قواتنا المسلحة وامن المواطن والطرق الناجعة نحو الاصلاح الامني.اولا: النصوص الدستورية: الف- حددت المادة (9) من الدستور على أن (تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي وتخضع لقيادة السلطة المدنية ولا دور لها في تداول السلطة وتدافع عن العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها).باء- نصت المادة(78) من الدستور على ان رئيس مجلس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة، وفي المادة (80) من الدستور حددت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وهي ضعيفة وتركت مسألة تنظيمها الى القوانين العادية، وليس منها انشاء مكتب تنفيذي عسكري، يشرف على عمل القوات المسلحة، وليس من صلاحياته انشاء قيادة عمليات عسكرية، ولم يتضمن قانون وزارة الدفاع رقم 3 لسنة 2010 المعدل ذلك.جيم-هناك صلاحيات استثنائية لرئيس مجلس الوزراء وردت في نص المادة (61/ تاسعا/ ج) من الدستور لا يستطيع ممارستها الا من خلال تخويله بها من مجلس النواب؛ منها اعلان الحرب وحال الطوارئ وبموجب قانون لم يتم تشريعه، لذا فالنص معطل.دال- نظمت المادة(81/أولا) من الدستور العراقي، العلاقة بين الأجهزة الأمنية وصلاحياتها ورقابتها (ينظم بقانونٍ، عمل الاجهزة الامنية، وجهاز المخابرات الوطني، وتحدد واجباتها وصلاحياتها، وتعمل وفقاً لمبادئ حقوق الانسان، وتخضع لرقابة مجلس النواب) ولحد الان لم تصدر القوانين التي تنظم هذه العلاقة.هاء- حددت المادة(110/ثانيا) من الدستور واجب القوات المسلحة الاتحادية( وعند مقارنة هذه الواجبات مع ما يقوم به الجيش الان، نجد هناك بون شاسع في ذلك). ثانيا: من هي القوات المسلحة بالقانون العراقي: الف-حدد قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) ذي الرقم 1257 في5/8/1980 النافذ حاليا تلك القوات، ونص بان (القوات المسلحة، هي الجيش وقوات الحدود).باء- مطلع م(9) من الدستور، تنص بأن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالعراق ليست كلها قوات مسلحة، وكما تنص المادة بانها تخضع للقيادة المدنية وليس لقائد مدني أي أن هناك قيادة وليس قائد او مكتب القائد العام للقوات المسلحة، وحددت المادة 80 من الدستور صلاحيات مجلس الوزراء(تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة، والاشراف على عمل الوزارات، والجهات غير المرتبطة بوزارة).ثالثا: من هي الاجهزة الامنية:الف-وزارة الداخلية وما تمارسه من اختصاصات بحكم واجباتها ووفق قانونها النافذ (رقم 11 لسنة1994) وقانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة (رقم 176 لسنة 1980) تنص (تختص قوى الامن الداخلي بالمحافظة على النظام والامن الداخلي، ومنع ارتكاب الجرائم، وتعقيب مرتكبيها، والقبض عليهم، والقيام بالمراقبة المقتضاة لها، وحماية الانفس والاموال، وجمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي وسياستها العامة، وضمان تنفيذ الواجبات التي تفرضها عليها القوانين والأنظمة).باء-اوضح مجلس شورى الدولة بقراره في 29/4/2010، المقصود (برؤساء الأجهزة الأمنية بالمحافظات) وخلاصة القرار؛ ان الجيش لم يكن من الأجهزة الأمنية، وان الأجهزة الأمنية تشمل (الداخلية ووزارة الامن الوطني) لأنها معنيه بالأمن الداخلي، وأوضح أيضا مجلس شورى الدولة بقراره (6/2006 في 6/3/2006) المبدأ القانوني (ان قوات الشرطة لا تعد من القوات المسلحة العراقية).جيم- حددت (ورقة اصلاح الملف الأمني) باتفاقية اربيل المحور الرابع منه حول الاجهزة الامنية وصلاحياتها وفيما يلي نصهاp 1ـ اقرار قانون الاجهزة الامنية الذي يحدد الاجهزة الامنية العاملة ومهام وصلاحية كل جهاز لتحقيق حالة التكامل وتجنب التقاطعات في اختصاصات الاجهزة الامنية 2 ـ ضرورة تأهيل الاجهزة الامنية بما يحقق اعلى درجات المهنية. 3ـ اخضاع الاجهزة الامنية للمساءلة في مجلس النواب (وفقا للسياقات الدستورية) وسن القوانين اللازمة لفرض اشد العقوبات القانونية بالجهات التي يثبت انها تتخابر لصالح جهات اجنبيةi والتي تهدف باتباع الأسس والمبادئ القانونية وفق المعايير الدولية في تنظيم إدارة شؤونها وشؤون مواطنيها، وتحرص على ألا تتحول هذه المؤسسات إلى مؤسسات الرجل الواحد، ويخضع بها جميع المواطنين للقانون ولا أحد فوق القانون. رابعا: من هي الاجهزة الاستخبارية:      الأجهزة الاستخبارية يطلق عليها اجهزة امنية في النظام الديمقراطي والمتعارف عليه (لا يجوز لأي جهاز استخبارات ان يمتلك، المعلومات والقبض والتحقيق والايداع والمحاكمة … الخ) وأبرز هذه الأجهزة:الف-جهاز المخابرات الوطني العراقي: بموجب الدستور(م9/د) انه جهاز يختص بجمع المعلومات وإنتاجها كمعلومات استخبارية وتقديمها الى الأجهزة الامنية ذات العلاقة بموضوع المعلومة ولمن يحتاجها، وكذلك يقوم الجهاز بتقويم التهديدات الموجهة للأمن الوطني وتقديم المشورة للحكومة العراقية، لكن الحاصل حاليا، الجهاز يعتقل ويمارس مهام تحقيقية، بدون قانون ينظم اعماله وخلاف المهام الدستورية الموكلة اليه.باء-وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بوزارة الداخلية: جهة معلومات وتحقيق فقط يحكمها قانون وزارة الداخلية.جيم-المديرية العامة للأمن والاستخبارات: جهة معلومات عسكرية فقط ويحكمها قانون وزارة الدفاع.دال-مديرية الاستخبارات العسكرية: واجبها جمع معلومات تعبويه ويحكمها قانون وزارة الدفاع.(ملاحظة: الاجهزة الاستخبارية العسكرية، مكلفة برصد العدو الخارجي وبيان قدراته التسليحية ومتابعة افراد القوات المسلحة خشية في ارتباطهم بمجال استخبارات معادي في حين اتجهت مهامها لنشاطات اخرى لا تتعلق بالعمل العسكري، منها تمارس سلطة على المدنيين بدون جواز قانوني، فهي تداهم وتعتقل وتحقق وتحيل للمحاكم المختصة).هاء-جهاز مكافحة الارهاب: وهو جهاز يمارس صلاحيات واسعة وخطرة وبدون غطاء قانوني، وأصبح جهة معلومات وقبض وتحقيق وايداع واحالة الى المحاكم المختصة، ولا يوجد قانون يحكم هذا الجهاز بالرغم من المهام الوطنية الصعبة التي قام بها.واو- وكالة المعلومات والتحقيقات الوطنية: مهامها كشف ومحاربة الجريمة المنظمة في حين ابتعدت عن مهامها الى نشاطات أخرى.زاء-هناك استخبارات للشرطة الوطنية واستخبارات للحدود واخرى للجمارك وهي أيضا تمارس نفس مهام الجهات الموصوفة في اعلاها.زاء-وزارة الدولة للأمن الوطني: استبدلت باسم (جهاز الامن الوطني) جهة معلومات ولا يحكمها قانون.مع العلم ان هذه الوزارة استمرت بممارسة اعمالها كوزارة وبدون قانون يحكمها لأكثر من ست سنوات وهي تعتقل وتحقق وتحيل الى المحاكم المختصة، وبعد ان كانت هناك عدة صيحات من عدة برلمانين ضد عمل هذه الوزارة وعدة تقارير تتحدث عن انتهاكات كبيرة في عملها، تم تحويلها الى وزارة دولة في سنة 2010 وبالرغم من ان القانون والعرف الاداري، يقول ان وزارة الدولة ليس لديها حقيبة ادارية وتعداد كادرها لا يتجاوز العشرون، الا ان الوزارة لديها اكثر من خمسون مكتب في انحاء العراق يمارس مهام جمع المعلومات والتحري والاعتقال والتحقيق والاحالة، وايضا بعد ان تصاعدت صيحات الاحتجاج والاعتراض من بعض السياسيين والقياديين تم تحويل الوزارة الى جهاز الامن الوطني والحاقه بوزارة الداخلية لغرض تجنب تنظيم قانون له، وهذا الامر ينصرف الى جهاز مكافحة الارهاب أيضا؛ الذي يمارس اعماله ايضا بدون قانون وتم الحاقه بوزارة الداخلية، والحقيقة انهما يمارسان اعمالهما خارج صلاحية الوزارة؛ ووزارة الداخلية ليس لها أي سلطة عليهم، ويعملون كمؤسسة امنية مفصولة عن الوزارة وارتباطها بمكتب القائد العام للقوات المسلحة وايضا كما هو الحال بمستشارية الامن الوطني او القومي.يتضح مما تقدم اعلاه ان وزارة الداخلية ووزارة الدفاع مجردتان من الصلاحيات، وان جميع الصلاحيات يمتلكها مكتب القائد العام للقوات المسلحة، وان الموجودين في هذا المكتب غير قادرين على وضع خطة استراتيجية لبسط الامن، سيما ان اغلب اجهزة الاستخبارات ومعها مؤخرا الحشد الشعبي، تعمل بدون اي غطاء قانوني، وان جهاز يزحف ويتداخل مع مهام الجهاز الاخر من حيث الطبيعة والأدوات.الخلاصة:أولا- القانون العراقي حدد القوات المسلحة العراقية (بالجيش والحدود)، ولايزال مفهوم الاجهزة الأمنية العراقية غير واضح يحتاج الى رؤية قانونية ومختصين بالأمن الداخلي لتحديد المفهوم بشكل دقيق بما يتناسب مع المعايير العالمية.ثانيا- سكت المشرع في المادة( 78) من الدستور عن اعطاء اي توصيف وظيفي للقائد العام للقوات المسلحة، ولم يحدد مهام وصلاحيات القائد العام وبالتالي اصبحت مطلقة، ولا نعرف كيف يبنى الجيش وعلى اية عقيدة عسكرية يقاتل ويتدرب ويتسلح ؟ ولا اجابة.ثالثا- ان منصب القائد العام للقوات المسلحة غير دستوري، والدستور اكد بأن القوات المسلحة تخضع (لقيادة السلطة المدنية) وليس (لقائد مدني)، وهناك ضرورة بان ينحصر اهتمام مكتب القائد العام للقوات المسلحة بشؤون الجيش والحدود، وايكال مهام الامن الداخلي لوزارة الداخلية حسب القوانين النافذة.رابعا-هناك تناقض صارخ في ان المدني في القوات المسلحة لا يحق له العمل السياسي ويحضر عليه الانضمام للأحزاب (م9 من الدستور)، في حين ان القائد العام للقوات المسلحة ينتمي لحزب سياسي، فكيف يحق له تولي منصب القائد العام للقوات المسلحة وهو منتمي لحزب سياسي؟ وهل يجوز ان تكون القوات الضاربة برمتها بيد شخص سياسي حزبي؟ وهذا الحزب الحاكم هو في عملية سياسية تحكمها المحاصصة الطائفية والحزبية؟  اليس في ذلك خطورة في ظل وجود عدة شواهد على استخدام القوات المسلحة ضد المدنيين وقمع المظاهرات، كما حصل ضد التيار الصدري وفي مجازر الزركة والحويجة وغيرها؟خامسا-ان المضحك المبكي ان وزير الدفاع ليس من ضمن مكتب القائد العامة للقوات المسلحة، بل ليس عضو في قيادة العمليات المشتركة، فهناك ضرورة بان يكون وزير الدفاع نائبا للقائد العام وتكون هناك قيادة عامة للقوات المسلحة أو مجلس دفاع اعلى يضم وزير الدفاع ووزير الداخلية ورؤساء الاجهزة الامنية الأخرى.سادسا-لم يتم الفصل بين مفهومين (الاجهزة الأمنية وهي الجهة المختصة بالإجراءات) وبين (الاجهزة الاستخبارية المختصة بالمعلومات) وفي ظل غياب قانون يوضح هذه العلاقةسابعا-المؤسف ان مسودة مشاريع القوانين (قانون وزاره الداخلية الجديد وقانون وزارة جهاز الامن الوطني وجهاز مكافحة الارهاب) حاليا بمجلس النواب ومنذ سنوات لم تشرع، بسبب الخلافات السياسية.ثامنا- هناك ضرورة بأنّ يُعاد بناء الجيش على اسس وطنية خالصة بعيدة عن اشكال التسييس أو الطائفية أو العرقية أو الولاءات الشخصية وان يكون صمام الامان للعراق لأرضه وشعبه ومقدساته.