23 ديسمبر، 2024 10:49 ص

لاتقتصر علاقة العراقيين بعلي بن ابي طالب(ع) بارتباط تأريخي فحسب, بل ترتقي بقضايا متنوعة وفريدة من العلاقة, فأنها علاقة عقدية وفكرية وعاطفية وروحية …الخ, وهذه العلاقة معروفة منذ ان تعرف العراقيين عليه (ع), ولا تجد في علم الاديان اعمق من علاقة العراقيين بعلي(ع), فعلاقتهم بهذا الرجل علاقة ولاء واتباع وتضحية ورسالة ممتدة الى اكثر من قرن . ولا تجد عراقي حتى من غير المسلمين, الا ويتكلم عن علي وكأنه ملكاً له ومستعد بأي وقت ان يضحي له . الحاصل اننا ندعي الاتباع والاخذ بهذه السيرة الخلاقة التي يقف التاريخ عندها مذهولا . وعلى حد قولنا : اننا نأخذ سلوك علي ونعينه بورع واجتهاد وعفة وسداد !. وتسأل وترى: هل يوجد على ارض الواقع سلوك لعلي(ع) او اتخاذه مثلا حسناً في مجتمعنا ؟. وانا منذ فترة بعيدة يدور في ذهني سؤال عن سلوكنا الذي ندعي اننا نحذو حذو علي واهل بيته فيه .  وهل علاقتنا بهذا الرجل هي علاقة لاتتعدى الموروث الاجتماعي الذي ورثناه منذ فترة ممتدة الى قرن ونصف؟ . او اننا نسينا علي لما فتحت الدنيا كنوزها لنا .؟ فـكلما ذكرت المجتمع العراقي افكر مليا واقول: هل مات علي فينا؟ اجد الاجوبة متلاطمة ويذهلني التفكر فاجلس باكيا مستنجدا “بأبي الحسن” . اذكر انتكاساتنا وصراعتنا المخجلة, وتظهر امامي سلوكياتنا التي نتبناها في مسار هذه الحياة فأجد نفسي جازما اننا بعيدين عن هذا الرجل بعد الارض عن السماء  . ندعي اتباعنا وحبنا لعلي(ع) . واننا فعلا نعشقه حد التضحية بالنفس ، رغم  ان علي(ع) لايريد منا هذا الحب, خصوصاً اذا كان فارغاً فقط لقلقة لسان, او اذا كان قلبياً من دون تطبيق او ترجمة لذلك الحب عبر اتخاذ سلوك ذلك العظيم مثل يحتذى به  . ثمة مفارقات كثيرة تحصل في سلوكياتنا ومبادئنا والامثلة التي نتبناها في يومياتنا وخصوصا المرتبطة بعلي(ع) . انظر مفارقتنا وماندعيه : يدعي سياسيونا الحب والولاء له, وهم يسرقونا في واضح النهار ويغدقون على عوائلهم واقربائهم باطيب النعم على حساب اموال الناس المساكين والفقراء, وكذلك انهم مشغولين ليلا ونهارا للحفاظ على مناصبهم وتوفير الدور المزخرفة والسيارات الفارهة وعلى استعداد ان يقتلوا اي احد يروه عثرة في طريقهم! ..تجد المجتمع غارق بالاوحال والرذيلة وفعل كل ماهو مشين ونحن نذهب ونزوره كل مناسبة , كنت ارى احدهم يفعل الموبقات والجرائر التي لايقبلها عاقل, ويقول سيشفع لي علي(ع) يوم القيامة!. ندعي الحب لعلي ونحن نكون للظالم عونا لا خصما ونترك المظلوم سيما اذا كان جيبه خاويا وفارغاً! . واكثر بلد بحتوي على ايتام هم نحن, واننا نغض النظر عنهم واذا سألنا احدهم نقول له : “الله ينطيك” ، وواحدنا يردد صباحا ومساءً كيف كان علي يبكي على الايتام!.  قمنا بتحنيط علي(ع) وننظر له فقط من ناحية القبر وقضاء حوائجنا ولايهز مشاعرنا القبر ويجعل منا ثورة على كل باطل! . ندعي التمسك باقواله ونردد مقولته الشهيرة: الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق . ونحن نقصي ونهمش كل من يختلف معنا او لا يعتقد بما نعنقد, وبتنا نكفر كل من يختلف معنا برأي!  . نذكر قوله لاحب لكم ان تكونوا سبابين ، وويل لمن يضايقنا في شارع او ازدحام فالسب والمفردات البذيئة ” طرف اللسان” حاضرة نرميها على كل من “يكسر علينا” او ماشابه.. نأخذ الرشوة صباحاً ومساءً ونحن نقول ما اعدلك ياعلي ما انقاك في تعاملك اليومي! . يدعي رجال ديننا في النهار هم الاقرب الى علي, ويجلسون ليلا مع معاوية ويعملون بمبادئه! .  كل هذه المفارقات حاضرة في حياتنا اليومية مع الاسف , وان علاقتنا بهذا الرجل اخذت مسار المصلحة والاتباع العاطفي الذي ليس له مبرر الا الافادة . فـهل بقي لديكم شك ان علي حي في ضمائرنا ؟ ام قتلناه وقدمناه على مصالحنا , وجعلناه طريقا نحقق به احلامنا السلطوية, ونصل به الى افعالنا المبطنة المقتصرة على  النفع ودفع الضر . فما هو ثمر حبنا لعلي؟ هل يوجد فينا من قال ان هذا الحب لاينفع اذا لم يثبته سلوك واخلاق ومبادئ وقيم وشجاعة وعلم واحترام الاخر …الخ . وكلنا يعرف قول حفيد علي(ع) “ان المحب لمن يحب مطيع”, فهل اطعناه؟ وهل لديكم شك انه لازال حي في ضمائرنا؟!.