7 أبريل، 2024 4:53 ص
Search
Close this search box.

هل مات انيس منصور؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

لااعتقد ان احدا في مصر ممن لم يمر بهم عزرائيل  بعد 25 كانون الثاني 2011 لم يسمع بالثورة المصرية التي عبر عنها الرئيس الامريكي اوباما بانها مصدر الهام للبشرية من خلال شعارها الخالد “سلمية سلمية” وبالفعل كانت مصدر الهام للشعوب الاخرى فقد اخذ الكثير من الشعوب يحاكيها في شعاراتها وطقوسها واهمها نصب الخيام واحتلال الميادين الرئيسية كما حدث في عدة دول اوربية واسرائيل وكندا وامريكا (والحبل على الجرار). هذه الثورة جعلت العربي يعتز بمنظر الخيام التي تحولت الى مظهر حضاري  بعد ان كانت كما في افلام هوليوود مظهراً للتخلف والبداوة. وكلمة سلمية التي نطقها اوباما مضخما (لامها ) حتى بدت ثلاث لامات مجتمعة الحقت على عجل بكثير من قواميس اللغات الحية كمفردة حضارية مقترنة بالعربي الثائر المسالم وليس البربري الهمجي. وباختصار كانت الثورة المصرية –في رأيي المتواضع- هي الاهرام الحقيقي الذي تفخر به مصر وليس اهراماتها الاخرى التي بنيت بعرق العبيد وآلامهم.
كنت اتابع أخبار هذه الثورة اولا بأول كلما سمح لي الوقت من خلال الفضائيات ومن خلال الصحف ولا اكتفي بذلك بل كنت اتصل احيانا بصديقي الذي يسكن قرب ميدان التحرير لعله يملك المزيد اويعيد علي ماسمعته بطريقة اخرى فاعتبره خبراً جديداً. ومن الصحف التي اقرأها يوميا “صحيفة الشرق الاوسط” واحرص على قراءة آراء الكتاب حتى اصل الى الكاتب المصري “انيس منصور” الذي يكتب مقالا يوميا في الصحيفة وفاز باحدى الجوائز المعروفة باعتباره صاحب الفترة الاطول التي يلازم بها كاتب على مقال يومي دون انقطاع. ومن باب ان اهل مكة ادرى بشعابها كنت حريصا على معرفة رأي هذا الاديب والصحفي البارز في احداث الثورة المتسارعة, ولكن دون جدوى , فحين نزل الشعب الى الشوارع كان مقاله عن مقابر الفراعنة وحين وقعت الاحداث التي يطلق عليها المصريون “معركة الجمل” صدر له مقال عن الصحون الطائرة وهكذا.وحينها تساءلت:هل من المعقول ان يتنكر كاتب بهذا الحجم لشعبه في احلك الظروف ؟! ما قيمة الكاتب ان لم يعش هموم شعبه ويشاركهم افراحهم واحزانهم ؟ وحينها حاولت ان اكتشف العمق الفكري في مقالاته . وظفت موهبتي في الربط بين الامور لافك الرموزالتي يتناول بها الاحداث , ففهمت ان حديثه عن الفراعنة ربما يشير فيه بطريقة خفية الى مصير فرعون الذي انجاه الله ببدنه ليكون لمن خلفه آية وبالتالي فهي عظة لمبارك وفسرت حديثة عن الصحون الطائرة على انها اشارة الى الجمال والخيول والحمير التي استخدمها ازلام النظام ضد المتظاهرين , وهكذا استمررت في استخدام هذه الموهبة حتى اكتشفت انه ليس هناك موهبة “ولا بطيخ!” اذ ليس هناك ربط بين كتاباته والواقع الذي يغلي من حوله.وبفطنة المحقق الجنائي ادركت السر. استغربت كيف لم انتبه للامر من قبل . أدركت ان انيس منصور قد مات وان ورثته يخفون امر موته وينشرون ماعندهم من خزين مقالاته لتتدفق الاجور الى حسابه المصرفي. هممت ان انبه كادر الصحيفة الى حقيقة الامر والى هذه الممارسة اللاخلاقية ثم انصرفت عن دس انفي فيما لايعنيني. رفعت سماعة التلفون واتصلت بصديقي الذي يحب انيس منصور واخبرته اني على شبه يقين من موت كاتبه المفضل فاسف للخبر وترحم على روحه.
وبعد ايام من انتصار الثورة, حدث مادعاني الى التشكيك في ذكائي الفطري وقدرتي على التحقيق الجنائي فقد ادركت من بعض الاشارات اني قد ظلمت الورثة و ان الكاتب لايزال على قيد الحياة وانه يملأ عموده اليومي في الصحيفة. حينها رفعت السماعة مرة اخرى لاصحح خبر موته. قلت له ان انيس منصور لم يمت وانه حي يرزق وان توقاعاتي لم تكن صحيحة . فاجأني الصديق برده السريع: لم تكن مخطئاً. نعم خبرك صحيح فقد مات انيس منصور.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب